قبو يوم القيامة.. "سفينة نوح" بالقطب المتجمد

The entrance to the international gene bank Svalbard Global Seed Vault (SGSV) is pictured outside Longyearbyen on Spitsbergen, Norway, February 29, 2016. REUTERS/Heiko Junge/NTB Scanpix ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. THIS PICTURE IS DISTRIBUTED EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. NORWAY OUT. NO COMMERCIAL OR EDITORIAL SALES IN NORWAY.

قبو للبذور العالمية، يطلق عليه اسم "سفينة نوح.. مملكة النباتات"، يعمل كمجمد طبيعي عميق لدعم البنوك الجينية في العالم عند الحاجة إليه، ويوجد في كهف أسفل جبل ناء بالدائرة القطبية الشمالية لتخزين بذور المحاصيل الزراعية العالمية، وتأمين الإمدادات الغذائية تحسبا لوقوع كوارث تتراوح ما بين الحرب النووية والاحتباس الحراري العالمي وغيرهما.

يضم القبو نحو 900 ألف عينة من البذور، وتطلق عليه أسماء متعددة من بينها "قبو سفالبارد"، و"قبو بذور القيامة"، و"سفينة نوح"، وغيرها.

التأسيس
افتتحت النرويج قبو البذور يوم 26 فبرایر/شباط 2008 بحضور رئیس وزرائها آنذاك ینس ستولتنبرغ، ورئیس الاتحاد الأوروبي خوسیه مانویل باروسو، والمدیر العام لمنظمة الأغذیة والزراعة التابعة للأمم المتحدة آنذاك جاك ديوف ومسؤولين آخرين.

الموقع
يقع قبو سفالبارد في إحدى قفار النرويج البيضاء بجزيرة اسمها سبيتسبيرجين تتبع أرخبيل سفالبارد، وقرب قرية تدعى لونغييربين فى شمال الدائرة القطبية الشمالية، على بعد نحو 1300 كلم من القطب الشمالي، وعلى بعد نحو 1000 كلم من البر الرئيسي للنرويج.

وتم اختيار هذا الموقع لبناء القبو عليه لاعتبارات عديدة، منها البيئة المحيطة ذات الطبيعة المتجمدة، ولببعد الكبير عن مناطق الصراع السياسي في العالم، والاستقرار الجيولوجي الذي يجعل الموقع بعيدا عن مخاطر الزلازل والبراكين.

ومع ذلك يؤكد المسؤولون عنه أن بناءه وتصميمه روعيت فيه القدرة على مواجهة كل الهزات والتغيرات المناخية، بما فيها احتمال اصطدام الأرض بمذنب أو كوكب خارجي، وذلك من أجل إنقاذ البشرية والمحافظة عليها من مخاطر المجاعة.

الأهداف والمحتويات
تتمثل أهداف القبو العالمي -الذي افتتح عام 2008 على أرخبيل سفالبارد- في حماية بذور المحاصيل مثل الفول والأرز والقمح، تحسبا لأسوأ الكوارث على غرار الحرب النووية أو الأوبئة، وضمان توفير شبكة أمان غذائية ضد الفقدان العرضي للتنوع في بنوك الجينات التقليدية.

ويعتبر المشروع بفكرته وموقعه وتصميمه أهم مشروع عالمي للحفاظ على البذور الزراعية في وجه مخاطر الكوارث الطبيعية والحروب المدمرة والصراعات السياسية العنيفة، ويأمل القائمون عليه ضمان توفير هذه البذور وقت الحاجة إليها ومن ثم إنقاذ العالم من مجاعات محققة بعد وقوع كوارث ماحقة.

ويتكون قبو البذور العالمية من ثلاثة كهوف كبيرة، بنيت على عمق نحو 130م في باطن جبل دائم التجمد. كما يرتفع القبو 130م فوق سطح البحر، وهو ما يجعله في حالة أمن عند وقوع أي ذوبان للجليد. وبالإضافة إلى ذلك يستطيع القبو تخزين ما يصل إلى 4.5 ملايين فصيلة بحيث يتم تخزين 500 بذرة من كل نوع.

وبسبب كثافة هطول الثلوج لا يظهر من مبنى القبو سوى مدخله، ولكن يحتوي على أوعية تضم مئات آلاف الأصناف من البذور الصالحة للزراعة، مقدمة من كل بلد في العالم، ومصنفة بحسب القارات التي جاءت منها.

هذا القبو يوجد في كهف أسفل جبل ناء بالدائرة القطبية الشمالية (رويترز)
هذا القبو يوجد في كهف أسفل جبل ناء بالدائرة القطبية الشمالية (رويترز)

ويحتوي المبنى على وحدة تبريد إضافية تعمل بالفحم، وتساهم هذه الوحدة في خفض درجة برودة القبو إلى 18 درجة تحت الصفر، وحتى في حال توقفها عن العمل بإمكانها منح البذور أسابيع إضافية قبل الوصول إلى درجة الحرارة الخارجية المحيطة بالقبو والتي تبلغ 3 درجات تحت الصفر.

ويقول القائمون على المستودع إنه يبقى مغلقا معظم أيام السنة، وهو مزود بأجهزة إنذار تنطلق عند أي محاولة لخلع أبوابه أو التسلل إليه خلسة، رغم أنه لم يحدث أبدا أن حاول أحد دخوله عنوة، حسب إفادة المسؤولين عنه.

تتولى الحكومة النرويجية تمويل المشروع، بالتعاون مع مؤسسة الثقة للمحاصيل الزراعية التي تساهم في إمداده بالعينات من جميع دول العالم.

كما أن سكان قرية لونغييربين البالغ عددهم زهاء 2000 نسمة، يفخرون بأنهم يستضيفون أكبر ثروات الأرض قيمة للبشرية قاطبة.

وتقول وزارة الزراعة النرويجية إن القبو يعد بمثابة مجمد طبيعي عميق لدعم البنوك الجينية في العالم عند وقوع كوارث تتراوح ما بين الحرب النووية والاحتباس الحراري العالمي، وإن البذور الموجودة فيه تظل -حتى عند انقطاع الكهرباء- محفوظة في درجة حرارة التجمد مئتي عام على الأقل.

وأطلقت الحكومة النرويجية أواخر فبراير/شباط 2018 خطة لتطوير وتجديد القبو بتكلفة 13 مليون دولار، وتشمل "بناء نفق وصول جديد مصنوع من الخرسانة، ومبنى خدمات لإيواء وحدات للطاقة والتبريد الطارئة وغيرها من المعدات الكهربائية التي تنبعث منها الحرارة عبر النفق".

وأدت الحرب في سوريا إلى سحب بذور لأول مرة من القبو عام 2015، حيث طلب باحثون من منطقة الشرق الأوسط هذه البذور، ومنها عينات من القمح والشعير والمحاصيل الأخرى الصالحة للزراعة في المناطق القاحلة، لتعويض ما فقد من بنك للجينات قرب مدينة حلب شمالي سوريا.

وحينها قال المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية بالمناطق الجافة (إيكاردا) محمود الصلح إنه تم سحب 140 صندوق بذور من القبو، مضيفا أن الجيش النظامي السوري احتل بنك حلب للجينات والحبوب الذي ظل يعمل بصورة جزئية، بما في ذلك وحدات التخزين الباردة رغم الحرب. ومع اشتدادها لم يعد بمقدوره القيام بدوره بصفته مخزن طوارئ لإنتاج البذور وتوزيعها على دول أخرى، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.

وقالت الخبيرة بوزارة الزراعة النرويجية غريث إيفين إن من طلب سحب البذور من القبو هو مركز إيكاردا الذي نقل عام 2012 مقره من حلب إلى بيروت بسبب ظروف الحرب.

وأضافت إيفين لرويترز أن إيكاردا طلب نحو 130 صندوقا من بين 325 صندوقا أودعها بالقبو تحتوي على قرابة 116 ألف عينة، وأكدت أنها المرة الأولى التي يجري فيها سحب مثل هذه العينات من القبو منذ تأسيسه عام 2008.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية