الكونفدرالية العامة للشغل في فرنسا

شعار الكونفدرالية العامة للشغل في فرنسا

الكونفدرالية العامة للشغل، أعرق منظمة نقابية في فرنسا، تأسست عام 1895، وتعد أهم مركزية نقابية عمالية من حيث التمثيل بمجالس المقاولات ومندوبي العمال، يعد منتسبوها بمئات الآلاف (650 ألفا وفق إحصاء عام 2009).

التأسيس
انعقد المؤتمر التأسيسي للكونفدرالية العامة للشغل في فرنسا بمدينة (ليموج) عام 1895، وانضوت تحت لوائها 28 فيدرالية صناعية و126 نقابة كانت مشتتة القوى وتفتقر إلى إطار تنظيمي جامع. وشكل إنشاء الكونفدرالية منعطفا تاريخيا في الحياة النقابية بفرنسا، إذ كانت البذرة الأولى للنضال النقابي المتأثر بمرجعيات اليسار مع نزعة عداء لـالرأسمالية لا تخطئها العين.

ونشأت الكونفدرالية من رحم مئات النقابات القطاعية وظهرت في فرنسا أواخر القرن 19، ففي عام 1881 كانت توجد في فرنسا أكثر من خمسمئة غرفة نقابية قطاعية، وعقدت مؤتمرات نقابية عام 1976 ثم عامي 1878 و1879 في اليون ومارسيليا.

مع تفجر الحرب العالمية الأولى ودخول فرنسا الحرب، جاء رد المركزية النقابية مخالفا للتوقعات إذ أعلنت دعمها لقرار حكومة الرئيس نيكولا بوان كاري الداعم للحلفاء ضد ألمانيا ودول المحور.

وهكذا انخرطت النقابة بجدية ونشاط في تغطية المجهود الحربي المستند إلى الصناعة الحربية وغيرها من القطاعات الحيوية للتموين والإمداد.

وعكس هذا التوجه تغلب معسكر الاعتدال في المركزية نتيجة اعتماد نظام النسبية في التمثيل داخل الهيئات الاتحادية، بعد أن ظل النظام الانتخابي في السابق قائما على التمثيل وفق النقابات.

وفي عام 1917، بدأت الكونفدرالية العامة للعمل في فرنسا بتوسيع نطاق نشاطها إلى باقي أرجاء أوروبا أملا في جمع القوى العمالية في إطار عالمي قادر على تنظيم العلاقة المعقدة بين العمل والعمال من جهة، وبين رأس المال وأصحابه من جهة ثانية.

وحفز هذا التوجه شعور قيادات العمل النقابي في أوروبا بشكل عام بالإحباط بعد فشلهم في منع قيام الحرب رغم أنهم القوة الاجتماعية الأكثر تنظيما والأوسع انتشارا بأوروبا والأقدر على شل القاعدة الصناعية بسلاح الإضراب، والامتناع عن الانخراط في سباق التسلح الذي مهد للحرب.

إنجازات تاريخية
تأثرت المركزية النقابية إيجابا بالثورة البلشفية في روسيا، ما حفزها على خوض إضرابات متواترة في مرحلة ما بعد الحرب خاصة بين عامي 1919 و1921، وهي فترة شهدت أزمة اقتصادية حادة نجمت عن الدمار الواسع الذي ألحقته الحرب بأوروبا.

أثمرت تلك الإضرابات نتائج مهمة أبرزها تحديد ساعات العمل بثماني ساعات يوميا وإرساء الاتفاقيات الجماعية كإطار يُنظم العمل في المصانع والقاعدة الإنتاجية بشكل عام. بعد ذلك حددت المركزية أهدافها القادمة في التأميم وإشراك العمال برأس المال، والتعويض عن العطلة السنوية والضمان الاجتماعي.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بلغ عدد منتسبي الكونفدرالية أكثر من أربعة ملايين، لكن العقود اللاحقة ستشهد تراجعا واسعا في دور النقابة ومنتسبيها قبل أن تستعيد بعض عافيتها بمشاركتها النشطة في أحداث مايو/أيار 1968.

وما تزال الكونفدرالية العامة للشغل أهم مركزية نقابية في فرنسا بعدد من المنتسبين بلغ أكثر من 650 ألفا عام 2009، وشاركت النقابة بنشاط في التعبئة ضد التعديلات على قانون الشغل في عهد الوزير الأول آلان جوبيه أواسط تسعينيات القرن العشرين، وفي عام 2016 قادت النقابة الاحتجاجات ضد تعديل قانون العمل.

الأهداف
حددت الكونفدرالية لنفسها مجموعة من الأهداف والمبادئ أبرزها الدفاع عن حقوق ومصالح كافة الأجراء دون استثناء، وتعمل لتحقيق ذلك عبر كافة الأساليب التي يكفلها القانون، كما تُكلف نفسها بالمشاركة في التحولات الكبرى للشركات بدافع ترقيتها وتنميتها وبالتالي تحسين ظروف الأجراء وتعزيز دورهم في الإنتاج والتسيير واتخاذ القرار.

وضُمنت هذه الأهداف في ميثاق عام 1906، وتم التأكيد عليها في كل التعديلات اللاحقة، وأجري أحدثها خلال المؤتمر العام الخمسين المنعقد بمدينة تولوز عام 2013.

الهيكلة
تتكون الكونفدرالية من 22 ألف نقابة وقسم نقابي قاعدي تنضوي في إطار 33 فيدرالية مهنية، تمثل كل واحدة منها قطاعا إنتاجيا مستقلا، وأهم الفيدراليات المشكلة للكونفدرالية فيدراليات السكك الحديدية، والحديد والصلب، والمناجم، والطاقة، والصحة، والنقل.

يتبع الكونفدرالية كذلك اتحادان أحدهما للمهندسين والآخر للمتقاعدين فضلا عن لجنة وطنية للدفاع عن حقوق العاطلين.

الهيئات القيادية للمركزية النقابية الأكبر في فرنسا هي المكتب الكونفدرالي (يضم 12 عضوا) واللجنة التنفيذية (54 عضوا). وينتخب المكتب من أعضاء اللجنة التنفيذية في اقتراع هيئته الناخبة هي اللجنة الكونفدرالية الوطنية المؤلفة من ثلاثمئة عضو، وهي بمثابة برلمان المركزية النقابية وتراقب عمل الهيئات التنفيذية العليا كما تراقب عمل الأقسام الإقليمية.

ينتخب رئيس الكونفدرالية من قبل المؤتمر العام الذي يشارك فيه مندوبو العمال. وفي مؤتمرها المعقد بمرسيليا في أبريل/نيسان 2016، انتخبت الكونفدرالية فيليب مارتينيز رئيسا لها.

التمويل
يثير موضوع تمويل النقابات إشكالا كبيرا في فرنسا نظرا لوجود قانون يعود للقرن الـ19 يسمح للنقابات بالتستر على حصيلتها المالية، ومع ذلك فإن الكونفدرالية العامة للشغل في فرنسا تتوفر على عدد كبير من المنتسبين تحصل من اشتراكاتهم على موارد مالية هامة.

وتشير تحقيقات صحفية نُشرت عام 2004 إلى أن ميزانية الكونفدرالية لعام 2004 بلغت 220 مليون يورو تمثل مساهمات الأعضاء نحو 50% منها، أما بقية المبلغ فمن مصادر مختلفة أبرزها مساعدة تقدمها الدولة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية