ماذا تعرف عن "التيار الإصلاحي" بإيران؟

Iranians attend a campaign rally for reformists candidates in the upcoming parliamentary elections, in Tehran, Iran, Saturday, Feb. 20, 2016. Iran will hold the elections of the 290-seat parliament and 88-member Assembly of Experts clerical body on Friday, Feb. 26. Reformist and moderate candidates have formed an alliance, hoping to challenge conservative lawmakers, who currently hold a majority in parliament. (AP Photo/Ebrahim Noroozi)
ينادي الإصلاحيون بمزيد من التسامح الداخلي والانفتاح الخارجي وتعزيز مكانة المرأة واحترام الحقوق والحريات العامة (أسوشيتد برس)
مجموعة من الأحزاب والقوى والتجمعات السياسية الإيرانية التي تسعى للإصلاح من داخل منظومة الحكم الإيرانية، وتتبنى -بشكل عام- التوجه نحو التجديد والتحديث الديني المرتكز على الممارسة الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان وفق الرؤية الغربية، مع اختلاف في الكثير من التفاصيل.

النشأة والمسار
تعود جذور التيار الإصلاحي إلى بدايات الثورة الإيرانية عام 1979؛ فالعديد من مكوناته كانت تمثِّل اليسار الإيراني في بدايات الثورة، وكانت تتبع في معظمها التوجهات اليسارية والاشتراكية طبقا للجوِّ العام الذي كان سائدا بين الثوريين في العالم في ذلك الحين.

كما يعود وجود هذه المجموعات في أجهزة الحكم الإيرانية إلى بدايات الثورة؛ حيث تولى أحد المحسوبين عليها وهو أبو الحسن بني صدر صاحب التوجه الاشتراكي الديمقراطي السلطة بعد الثورة، وكان أول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد اندلاع ثورة 1979، واصطدمت توجهاته الليبرالية مع التوجهات الدينية لآيات الله الذين قادوا الثورة، وحاول التعايش معهم على مدى 17 شهرا تولى فيها منصب رئيس الجمهورية، لكن محاولاته باءت بالفشل.

وكانت الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام 1980 بداية النهاية لفترة حكمه القصيرة، حيث اتهم فيها بالخيانة وتعطيل المجهود الحربي، وأصدر مرشد الثورة الإسلامية آية الله الخميني قرارا بعزله، وأصبحت حياته مهددة في الأيام القليلة التي تلت ذلك، فاختفى عن الأنظار، إلى أن استطاع الهرب إلى منفاه الاختياري في فرنسا.

تلقى التيار الإصلاحي دفعا كبيرا خلال الفترة التي تولى فيها الرئيس الأسبق الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئاستين الخامسة والسادسة، بين 1989 و1997؛ حيث لعب الرجل دورا كبيرا في جعل أعضاء مجلس الخبراء يقبلون ويقررون أهلية علي خامنئي لمنصب مرشد الثورة بعد وفاة الخميني سنة 1989، كما حاول أن يوظف الاقتصاد والسياسة الخارجية لإخراج إيران من عزلتها، بينما أطلق فريقه خطابا جديدا دعا لإيجاد تغيير في السياسات الخارجية الاقتصادية والاجتماعية.

ولاحقا اتسعت الشقة بين رفسنجاني وخامنئي -رغم صداقتهما العميقة- بسبب مواقف رفسنجاني، خاصة ما يتعلق منها بالموقف من العلاقة مع الغرب والانفتاح على الثقافة الغربية.

هدد رفسنجاني باجتياح الشارع إذا أعيد انتخاب أحمدي نجاد، وهو ما تم فعلا، وعقب ذلك اعتلى خامنئي منبر صلاة الجمعة ليعلن أن ما يطرحه أحمدي نجاد يلقى قبولا لديه أكثر مما يقدمه رفسنجاني.

وشكل وصول الرئيس محمد خاتمي للسلطة عام 1997 "ميلادا" جديدا للتيار الإصلاحي، حيث كان وصوله للسلطة علامة فارقة في مسيرة هذا التيار، وشهدت فترته تحولات فكرية ومراجعات أجراها اليسار الديني، وبزغت مصطلحات ومفاهيم جديدة تتعلق بالمجتمع المدني واحترام القانون وقبول الاختلاف، كما لعب خاتمي دورا كبيرا في بلورة حوار الحضارات.

وبعد فوز خاتمي وضع هذا التيار لنفسه اسم التيار الإصلاحي، أو الإصلاحيون، وأطلقت بعض مجموعاته على نفسها "تنظيمات الثاني من خرداد" (اليوم الذي انتخب فيه خاتمي حسب التقويم الإيراني)، وضم في البداية 18 حزبا يساريا، لكنه توسع وتمدد ليصل إلى أكثر من خمسين حزبا ومجموعة.

ورغم مناداته بتحقيق إصلاحات سياسية وثقافية واجتماعية، فقد بقي خاتمي يرفض استغلال تجربة رئاسته لإسقاط النظام وتقويض ولاية الفقيه، وظل ينادي بالحفاظ على نظام الحكم في إيران.

ثم جاءت انتخابات 2009 التي شكلت هي الأخرى نقطة جوهرية في مسار التيار الإصلاحي، فبعد أن فاز أحمدي نجاد في الانتخابات رفض منافسه في جولة الإعادة مير حسين موسوي النتائج، وعدّ نفسه فائزا، واندلعت احتجاجات كبيرة في المدن الإيرانية، سقط خلالها قتلى وجرحى، وتم وضع زعيمي الاحتجاجات رهن الإقامة الجبرية مير حسين موسوي، ومهدي كروبي.

وخلال تلك الأزمة، تشكلت ما تعرف بالحركة الخضراء -التي تمثل شكلا من أشكال تطور الحركات الإصلاحية في إيران- وتركزت أفكارها ومبادئها على مبدأ "إيران أولاً"، ومبدأ إعادة النظر في صلاحيات ولاية الفقيه المطلقة، ومبدأ العلاقات مع الخارج، حيث طالبت الحركة بمواصلة سياسة الإصلاحيين (خلال عهد رئاسة خاتمي) في إدارة علاقات إيران مع محيطها العربي والإسلامي، ورسم حدود العلاقة مع بقية دول العالم بعيدا عن الأيديولوجيا والترجمة الحرفية لفكرة تصدير مبادئ الثورة الإسلامية.

وتمكن الرئيس حسن روحاني من استقطاب التيارات الإصلاحية بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها بعد عام 2009، ونجح في إقناعها بالتصويت له من خلال العديد من الوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه، والتي يقول المراقبون إنه لم يستطع الوفاء بأغلبها.

التوجهات والأطياف
يطالب التيار الإصلاحي بتحديث الرؤى الدينية السائدة في إيران، وتطوير الممارسات السياسية، وتعزيز الحريات العامة، وتقليص نفوذ رجال الدين وسيادة القانون، وتعزيز مكانة المرأة، والانفتاح على الخارج، وإيجاد علاقات مبنية على حسن الجوار مع المحيط الإقليمي، والتفاهم مع الدول الغربية.

وتنقسم المجموعات الإصلاحية إلى أطياف ومجموعات عديدة، وتتفاوت في نظرتها للكثير من التفاصيل المتعلقة بالمنظومة الإيرانية الحاكمة دينيا وسياسيا، وسبل تحقيق أهدافها ومبادئها.

وتنقسم هذه المجموعات إلى عدة أقسام ومجموعات، حسب ما تذكره الباحثة في الشؤون الإيرانية فاطمة الصمادي في كتابها التيارات السياسية في إيران، ومن أهمها:

الإصلاحيون التقليديون: يعد هذا الطيف الأقدم بين الجماعات السياسية في الجمهورية الإسلامية، واشتهر في العقد الأول من الثورة بالجناح اليساري الثوري التقليدي، وعرف عنه دفاعه عن دينامية الفقه وحركيته، وكان لأعضائه نفوذ كبير في مجلس الشورى الثاني، لكنه تراجع في العقد الثاني من الثورة، ثم شكلوا خلال النصف الأول من التسعينيات طيفا شبه معارض.

وفي العقد الثاني من القرن الحالي عاد بالتدريج لرئاسة السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويمتلك هذا الطيف من ناحية الفكر السياسي تفسيرا ديمقراطيا لولاية الفقيه في إطار الدستور، خاصة ضمن صلاحيات مجلس الخبراء، وتتركز قاعدته الاجتماعية في الفئات المحرومة، وتقوم إستراتيجيته على الهدوء الفاعل داخل البلد، ويعتقد بأن الديمقراطية والحرية تتحققان بالتدريج.

الإصلاحيون المعتدلون: شكلت هذه المجموعة في ثمانينيات القرن العشرين ظلا للفصائل السياسية اليمينية واليسارية، وكانت تدعي أنها مجموعة نشطة محورها رفسنجاني، وقام هذا الطيف في سنة 1995 بتأسيس حزب "كاركزاران" (الكوادر) في عهد حكومة رفسنجاني.

ويرى هذا الطيف في فكره السياسي ضرورة الحكم الدستوري، ودور النخبة في صنع القرار، أما من حيث القاعدة الاجتماعية فإنه ينتمي للطبقة الوسطى، ويدافع عن الرأسمالية والخصخصة، وتقوم إستراتيجيته على السلام في الداخل ورفض التوتر مع الخارج، وهذا الطيف في حقيقته هو خليط من الفكر الليبرالي والبراغماتي، ويتبع نهجا يزاوج بين الليبرالية والعلمانية، ويدافع عن نموذج الاقتصاد العالمي الحر، وفي القضايا الاجتماعية والثقافية ويدعو إلى التسامح، ويحمل فكرا سياسيا خارجيا يقوم على رؤية معتدلة وواقعية وتغليب المصلحة.

الإصلاحيون الراديكاليون: تعود جذور هذا الطيف إلى ثمانينيات القرن العشرين، وكان طيفا يساريا تقليديا تحول في التسعينيات إلى تجمع للمثقفين السياسيين، وفكره السياسي لا يخرج عن المطالبة بالجمهورية.

أما في ما يتعلق بالنقاش حول الولاية، فإن أعضاءه لا يرون أنها نوع من الرقابة، ويدعون إلى نوع من العلمانية التي تعني شكلا من استقلال المؤسسات، وهم قريبون إلى الفكر الحداثي، في حين تتكون قاعدتهم من المثقفين والأكاديميين، وتقوم إستراتيجيتهم السياسية على المناداة بالديمقراطية في الداخل ونزع فتيل التوتر مع الخارج، وظهرت تلك الإستراتيجية بشكل واضح في الملف النووي.

الإصلاحيون المعارضون: يضم هذا الطيف فئات إصلاحية واسعة مارست سلوكا واتخذت مواقف معارضة، ويمتد ليشمل القوميين المتدينين من اليمينيين واليساريين، كما يضم أيضا دعاة الدستورية الليبرالية، ويتبع أنصار هذا الطيف اجتماعيا الطبقة الوسطى، ويميلون في نمط حياتهم إلى الحضارة الغربية، ولهم حضور كبير في المراكز الصناعية والاقتصادية والقطاع الخاص.

وتقوم إستراتيجيتهم السياسية على مساعدة المجتمع الدولي لدفع النظام السياسي إلى إجراء تغيير سياسي عميق، ويؤمنون بأن النظام العالمي الجديد قادر على قبول الديمقراطية من قبل إيران، ويسعون لمجموعة من الإصلاحات الهيكلية وإن كانت شعارات هذا الطيف تركز أساسا على التنمية السياسية، ويعتقد بأن دستور إيران وصل طريقا مسدودا، ولم يعد مفيدا، ولا بد من تغييره.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية