البودشيشية بالمغرب.. عشق "الفقير" ومباركة النظام

الموسوعة - صورة من موقع الطريقة القادرية البودشيشية
صورة من موقع الطريقة القادرية البودشيشية تظهر الشيخ سيدي حمزة رفقة عدد من شيوخ ومريدي الزاوية

القادرية البودشيشية طريقة صوفية تعود جذورها إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، اشتهرت في المغرب وانتشرت انتشارا كبيرا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تنتقد الزاوية أطرافٌ تتهمها بارتكاب "مخالفات شرعية" والعمل لمصلحة النظام، في حين تنفي هي ذلك وتشدد على أنها طريقة هدفها التزكية الروحية والنفسية ليس إلا.

التأسيس
نشأت الطريقة البودشيشية في القرن الخامس الهجري، وهي تنتسب للشيخ عبد القادر الجيلاني.

حملت الطريقة بالمغرب اسم البودشيشية نسبة إلى أحد شيوخها الذين كان يطعم الناس أكلة "الدشيشة" خلال أيام المجاعة، وهي أكل شعبية بسيطة شهيرة تشبه البرغل.

يحمل المريد اسم الفقير، في إشارة إلى قيمة التواضع والزهد والفقر إلى رحمة الله.

وتؤكد الطريقة أن "السند الروحي" للطريقة المتصل بالشيخ عبد القادر الجيلاني هو على الشكل التالي: "كان عمدة الشيخ أبو مدين في طريق التصوف خاصة (حسب ما ذكر في الجزء الخامس من مجلد "معلمة المغرب") هو ابن عمه المجاهد سيدي المختار المتوفى سنة 1914م وهو جد سيدي حمزة لأبيه. وقد أخذ سيدي المختار عن والده الشيخ الحاج محيي الدين، عن الحاج المختار، عن الشيخ المختار -الأول- عن سيدي محمد -فتحا- عن سيدي علي، عن أبي دشيش، عن سيدي محمد، عن سيدي محمد، عن سيدي محمد -ثلاثة محمدين على التوالي-، عن الشيخ أبي دخيل، عن سيدي الحسن، عن سيدي شعيب، عن سيدي علي، عن سيدي عبد القادر، عن سيدي محمد، عن سيدي محمد -محمدان اثنان-، عن سيدي عبد الرزاق -الثاني-،  عن سيدي إسماعيل، عن الشيخ عبد الرزاق -الأول- عن والده الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين عبد القادر الجيلاني سنده إلى مولانا رسول الله".

الأسس الفكرية
تؤمن البودشيشية -كغيرها من الطرق المنتسبة للتصوف- بمحورية الشيخ الذي يزوره المريدون من شتى البقاع لزيارته والتبرك برؤيته وبلمسه، ويصرخ كثير منهم عند رؤيته، فالمريد لا مفر له من وجود شيخ مربي، "فكما أن المرء لا يرى عيوب وجهه إلا في مرآة صافية مستوية تكشف له عن حقيقة حاله، فكذلك لا بد للمؤمن من صاحب كامل يرى في كماله نقائص نفسه ليعالجها"، على حد تعبير أعضاء الطريقة.

ولا توضح أدبياتها المنشورة على الإنترنت حقيقة مواقفها من القضايا الكبرى المثيرة للجدل التي اشتهرت بها التيارات الطرقية من مثل نظرية الحلول والمشاهدات. ويكتفي الشيخ بتوضيح الأذكار التي يرددها المريدون ويسمون بـ"الفقراء"، ويؤكد الشيخ أنها أذكار "مأذونة"، أي يفهم أنه أذن للشيخ بها من طرف الله تعالى ورسوله، وهو ما يواجه بانتقادات لاذعة من طرف المعارضين.

وتشتهر الطريقة التي يوجد مقرها في قرية مداغ بإقليم بركان شرقي المغرب قرب الحدود المغربية الجزائرية، بتنظيم لقاءين سنويين يحضرهما أكثر من 250 ألف شخص، أولهما ليلة 27 من شهر رمضان المعظم التي يعتقد كثير من المسلمين أنها ليلة القدر، وثانيهما في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويوضح أهل البودشيشية أنها تشتغل على تزكية النفوس ليس إلا، ولا علاقة لها بالسياسة والمعارك السياسية الداخلية، ولأجل الوصول بالنفوس إلى الصفاء الروحي يلتزم "الفقير" خاصة بعد صلاة المغرب بقراءة القرآن وتلاوة الأذكار الخاصة بالطريقة والتي أذن بها الشيخ، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبحسب أدبيات الطريقة، فللمريد آداب عليه الالتزام بها في علاقته بالشيخ، ومنها "الامتثال لشيخه امتثال المريض لطبيبه"، و"أن يعتقد فيه تمام أهليته للتربية والإرشاد"، و"أن يكون صادقا في طلبه للحق مع تجريد إرادته عن الأغراض والمصالح"، وذلك إلى جانب "أن يعظم شيخه ويحفظ حرمته حاضرا وغائبا"، و"أن يحسن الظن بإخوانه ولا يشتغل بعيوبهم ويكل أمرهم إلى الله تعالى"، و"أن يتواضع لهم وينظر إليهم بعين التعظيم حتى يستمد من أنوارهم".

وبحسب الطريقة، فلا مناص من توفر أربعة شروط لكي يصل المرء إلى مرتبة "شيخ الطريقة" وينال مقام التربية والإرشاد، أولها العلم بـ"الفرائض العينية"، وثانيها "أن يكون عارفا بالله"، والثالثة أن "يكون خبيرا بطريقة تزكية النفوس"، ورابعتها "أن يكون مأذونا في التربية والإرشاد".

ومن علامات الشيخ -كما تؤكد مصادر الطريقة- "أنك إذا جالسته تشعر بنفحة إيمانية ومدد غيبي يسري منه"، و"أنك تنتفع به قريبا أو بعيدا شرط التصديق فيه كما تستفيد من كلامه وحركته وسكونه".

وبالنسبة لهم، فمن يؤدي الأذكار بعيدا عن الشيخ كمن يتعاطى الدواء دون وصفة الطبيب.

أبرز الشيوخ
من أبرز شيخ البودشيشية في القرن العشرين الشيخ المختار القادري بودشيش الذي اشتهر -بحسب أدبيات الطريقةـ بمقاومته للاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال ليوطي الذي دخل المغرب من جهته الشرقية من الجزائر المحتلة وقتذاك، حيث التفت كثير من القبائل حول الشيخ المختار وحاربت المحتل الذي نجح في ضرب المقاومين واحتل المنطقة، وسرعان ما وصل إلى مقر الزاوية وخربها، واعتقل شيخها.

وبعد وفاة الشيخ أبو مدين القادري البودشيشي عام 1955 تولى زعامة الطريقة الشيخ العباس، واشتهرت الطريقة في عهده بشكل ملفت، وهو ما تعزز في عهد نجله الشيخ سيدي حمزة القادري البودشيشي الذي تزعم الطريقة عام 1972 إثر وفاة والده.

عمل الشيخ حمزة -بحسب مصادر الطريقة- على تجديد أذكارها "ونظم سيرها، مما زاد في إحيائها وتنشيطها"، وساهم في نشر الطريقة عبر المناطق المغربية المختلفة، علما بأن الساحة الصوفية في المغرب تشهد منافسة شرسة بين الطرق والزوايا، وفي مقدمتها الطريقة التيجانية ونظيرتها البودشيشية.

تذكر مصادر الطريقة أن الشيخ حمزة انخرط في جيش التحرير المغربي الذي قاوم الاحتلال الفرنسي، وأنه حمى عددا من المقاومين الذين فروا من جنود الاحتلال الفرنسي، ووفر لهم المأكل والمشرب.

وبعد وفاة الشيخ حمزة يوم 18 يناير/كانون الثاني 2017، رجّح مراقبون أن يخلفه نجله الشيخ جمال، الذي كان يلزم والده وحضر أنشطة الطريقة المختلفة، في وقت واصل حفيده الشاب منير أداء مهمة الناطق الرسمي باسم الطريقة.

الانتقادات
توجه انتقادات لاذعة للطريقة، بعضها شرعي، وبعضها مرتبط بالأدوار السياسية التي تؤديها.

المنتقدون يحرصون في كل مناسبة على التنديد بمظاهر تقديس الشيخ كالتبرك بلمسه، والصراخ عند رؤيته، والتوسل به وبشيوخ الطريقة لنيل البركات، ويؤكد المنتقدون أن الطريقة ابتدعت مأثورات وأدعية لا تأصيل شرعيا لها، موضحين أنها بدعٌ ما أنزل الله بها من سلطان، وأن كل "الأسرار" المحيطة بأدبيات الزاوية هي مجرد تغطية تحجب أي تحليل علمي لما يزعمه أهلها.

سياسيا، يوضح منتقدو البودشيشية أنها ما لبثت تؤدي أدوارا سياسية لفائدة النظام الذي يتواصل معها كلما احتاج دعما جماهيريا في الشارع.

وما فتئ المعبرون عن آراء الطريقة ينفون تلك الاتهامات جملة وتفصيلا، ويؤكدون أن أتباع الزاوية لا يعبدون الشيخ، بل يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، وأن مظاهر تكريم شيخ الطريقة لا تعدو أن تكون تعبيرا عن تقدير المريدين للشيخ "المربي صاحب الإذن"، المشير إلى تهذيب النفوس وتصفيتها وتنقيتها من شوائب المادية الجافة، ويدعون الناس للاطلاع عن قرب على الطريقة وأدبياتها وإصدار أحكام مبنية على حقائق على أفكارها.

وهم ينفون أن يكون للزاوية أي طموح سياسي أو دوافع من أجل الوصول إلى السلطة، وإن كانوا من جهة أخرى يعترفون بأن الطريقة تتدخل فقط في "المنعطفات الإستراتيجية الكبرى"، ويكون الهدف هو تحقيق وحدة المغرب واستقراره.

ومن ذلك نزولهم لدعم الدستور الجديد عام 2011 بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وخروج الشباب المغربي في مظاهرات 20 فبراير/شباط 2011، ومشاركتهم في لقاءات لدعم الموقف المغربي في قضية الصحراء، ومشاركتهم أيضا في مظاهرات منددة بالرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وتشدد قيادات الطريقة على أنها لن تتحول أبدا إلى كيان سياسي، فميدانها هو تربية الأفراد وتزكية النفوس، وللدولة أحزابها السياسية التي تدافع عن مصالحها.

المصدر : مواقع إلكترونية