"مواطنو الرايخ".. حركة يمينية ألمانية تنكر الهولوكوست

حركة يمينية متطرفة سياسية تهدد المجتمع الديمقراطي في ألمانيا، يجمع بين أنصارها الإيمان باستمرارية الإمبراطورية الألمانية ورفض الاعتراف بالدولة الحالية، بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، وتتكون من جناحين: مدني وعسكري، وتتهمها السلطات الألمانية بأنها حاولت القيام بانقلاب في ديسمبر/كانون الثاني 2022، إلا أنها فشلت.

النشأة والتأسيس

بدأت الحركة في الثمانينيات بمجموعة قليلة من الأعضاء من دون قيادة، وتزايد عدد أعضائها مع الوقت، فبلغ مطلع عام 2018 ما يقارب 15 ألفا و600، يسكن أغلبهم في ولاية بافاريا جنوبي البلاد (3500 شخص)، ثم ولاية بادن فورتمبيرغ المجاورة (2500 شخص) وولاية شمال الراين وستفاليا (2200 شخص).

وكانت السلطات الألمانية قد أعلنت في مطلع عام 2017 أن أعدادهم وصلت إلى نحو 10 آلاف شخص، وهذا يعني أنها ارتفعت بنسبة 56% خلال عام واحد فقط.

ولكن أعداد الحركة بقيت في تزايد مستمر، إذ تؤكد الاستخبارات الألمانية عبر تقرير لها نشر في يونيو/حزيران 2022 أنه تم تقدير عدد أفراد هذه الحركة بنحو 21 ألف شخص، وتم إحصاء نحو 1150 شخصا من الحركة ممن ينتمون للجماعات اليمينية المتطرفة، ويملك ألف عضو في الحركة رخصا لحيازة السلاح.

Berlin, Berlin/Germany, November 9/2019. Members of the Reich Citizens' Movement organize a lift at the ...
أعضاء حركة "مواطني الرايخ" ينظمون اعتصاما في العاصمة الألمانية برلين في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 (شترستوك)

يبلغ معدل أعمار أعضاء المجموعة 50 عاما، والرجال هم الجنس الأكثر حضورا داخلها. وتجذب الحركة أشخاصًا يعانون من مشاكل مالية واجتماعية.

وتتشكل حركة "مواطني الرايخ" من جناحين؛ أحدهما مدني يمثل قيادة التنظيم، والآخر عسكري يسعى إلى إقامة جيش ألماني مواز.

الفكر والأيديولوجيا

تشتهر الحركة بمعاداتها للسامية، وعنصريّتها تجاه الأعراق والمعتقدات الدينية، ويقوم الفكر الأساسي للحركة على عدم الاعتراف بالدولة الألمانية الحديثة التي تأسست بعد انهيار النّازية، ويَتَّهم "مواطنو الرايخ" جمهورية ألمانيا الاتحادية التي تأسست عام 1949 بأنها أُسّست بصورة غير قانونية، ولذلك لا تعدّ دولة ذات سيادة. ويعترف أغلب المنتسبين لهذه الحركة بحدود ألمانيا عام 1937، أي قبل الحرب العالمية الثانية، والتي تضم أجزاء من بولندا وفرنسا حاليا.

كذلك فإن منتسبي الحركة لا يعترفون بالمؤسسات الألمانية، مثل المحاكم والسلطات الحكومية، ويرون أن ألمانيا حاليا لا تزال محتلة من القوى الأجنبية، وأن البرلمان والحكومة وكذلك السلطات الأمنية ليست إلا دمى تتحكم فيها تلك القوى.

ويرفض المنتسبون للحركة أداء الضرائب أو الغرامات، ويرون أن كل ما يجنونه مالهم الخاص وأن ممتلكاتهم هي أمور بعيدة تماما عن أي تنظيم أو إشراف من سلطات الدولة.

وتتبع الحركة القوانين التي كانت على أيام الإمبراطورية الألمانية، وتلك التي وضعها النازيون في ثلاثينيات القرن الـ20، ويرفض أعضاؤها كذلك الإقرار بالدستور الألماني وبقية القوانين الموجودة في البلد.

ولا يحتفظ أعضاء هذه الحركة بهوياتهم الرسمية أو جوازات سفرهم، ويحملون بدلًا منها غالبًا "وثائق غير رسمية" يطلقون عليها تسمية "هوية مواطني الرايخ".

أعضاء الحركة ليسوا مجموعة متجانسة وهم على خلاف في الانتماءات، بعضهم من النازيين الجدد المخلصين الذين يريدون عودة الاشتراكية القومية، وآخرون يطمحون لتعيين ملك لـ"الرايخ الألماني". ويعتقد بعضهم أن أدولف هتلر فرّ إلى القارة القطبية الجنوبية مع أصدقاء مقربين بعد نهاية الاشتراكية القومية، ويعيش هناك حتى يومنا هذا.

مشاركة حركة "مواطني الرايخ" في احتجاجات ضد الحكومة الألمانية (الأوروبية)

الأعلام والرموز

الأمير هاينريش رويس الثالث عشر

ينحدر هاينريش الثالث عشر من عائلة ألمانية أرستقراطية قديمة تُعرف باسم بيت رويس، حكمت أجزاء من ولاية تورينغن الشرقية الحديثة حتى عام 1918. وقد أطلق على جميع أفراد الأسرة الذكور اسم هاينريش بالإضافة إلى رقم جوار الاسم.

وهاينريش الثالث عشر هو سليل هذه العائلة، وهو رجل أعمال نشط في مجال العقارات، ومقيم في مدينة فرانكفورت وسط ألمانيا، من مواليد عام 1951، يتبنى أفكارا متطرفة معادية للدستور الألماني وللدولة الألمانية بالشكل الذي تقوم عليه، وقد انفصل عن أسرته الملكية منذ 2008. ووصف الأمير هاينريش الرابع عشر رئيس العائلة هنري الثالث عشر بأنه "عجوز مرتبك، وله أخطاء، ويتبنى نظرية المؤامرة".

ويعد هاينريش الثالث عشر المشتبه به الأول في محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في ديسمبر/كانون الأول 2022.

اعتقال الأمير هاينريش الثالث عشر ضمن حملة المداهمات التي نفذتها الشرطة الألمانية في ديسمبر/كانون الأول 2022 (رويترز)

روديغر فون

ضابط سابق بالجيش الألماني، من مواليد عام 1953، عمل قائدا لكتيبة المظليين في أوائل التسعينيات، قبل دمجها ضمن القوات الخاصة التي أُسست حديثًا.

وهو متهم بقيادة الجناح العسكري لحركة "مواطني الرايخ" ومتهم بالتخطيط لمحاولة الانقلاب في ألمانيا في ديسمبر/كانون الأول 2022، من خلال تجنيد ضباط شرطة في شمال ألمانيا لمصلحة حركة "مواطني الرايخ"، كما أنه متهم بمراقبة ثكنات الجيش.

أبرز المحطات

الاعتداء على رجال الأمن والقضاة

بدأ أنصار حركة "مواطني الرايخ" منذ عام 2010 بلفت الأنظار إليهم بسبب الانتقادات العنيفة التي وجهوها لممثلي الدولة الألمانية، وسجلوا بعد 6 سنوات حوادث عنف متزايدة ضد قضاة وموظفي تنفيذ الأحكام.

وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016 دخلت الحركة اليمينية بؤرة أضواء المشهد الألماني بعد أن قتل أحد أعضائها في ولاية بافاريا بالرصاص شرطيا وأصاب 3 آخرين أثناء محاولة الأجهزة الأمنية مصادرة أسلحة من منزله.

ورأت السلطات الأمنية الألمانية أن هذا الحادث أظهر وجود تهوين من خطر "مواطني الرايخ"، وصرح رئيس النقابة العامة للشرطة الألمانية راينر فيندت بأن تصاعد عنف هذه الحركة عام 2016 أصبح مهددا لحياة أفراد الشرطة في عملهم اليومي.

اعتداءات وجرائم كثيرة

نُشر تقرير سري من "مكتب حماية الدستور" (BKA) يوضح أن المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية أحصى ما يزيد على 10 آلاف و500 جريمة من قبل "مواطني الرايخ" في الفترة ما بين عام 2015 و2017.

 

محاولة انقلاب

في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022 ألقت السلطات الألمانية القبض على 25 شخصا من أعضاء "مواطني الرايخ" ومناصريها ضمن حملة واسعة شملت 11 ولاية ألمانية، وشارك فيها 3 آلاف من أفراد النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب، وخضع أكثر من 100 عقار للتفتيش، ورأت وسائل الإعلام أن عمليات الدهم والتفتيش التي نُفذت هي إحدى أكبر عمليات الشرطة التي شهدتها البلاد.

ووُجّهت للمتهمين تهمة الإعداد لإسقاط الدولة، والتأسيس لتنظيم إرهابي بهدف محاربة مؤسسات الدولة وممثليها. وقد ذكر الادعاء العام الألماني أن أعضاء الهيئة المركزية للتنظيم يجتمعون بانتظام منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 من أجل التخطيط للاستيلاء المزمع على السلطة في ألمانيا وإنشاء هياكل دولة خاصة بهم.

كما وُجّهت اتهامات للحركة بتكوين جناح عسكري بعض أعضائه ممن خدموا في الجيش الألماني، بهدف بناء جيش ألماني جديد، وذلك للقضاء على دولة القانون الديمقراطية على مستوى البلديات والمقاطعات.

ويقع الاتهام بالتخطيط لمحاولة الانقلاب على الأمير هنري الثالث عشر، وهو سليل عائلة نبيلة، كما يقع الاتهام كذلك على ضابط سابق بالجيش الألماني يُدعى روديغر فون إذ توجه له تهمة قيادة الجناح العسكري للحركة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية