"رابطة" سو تشي.. "ديمقراطية" تقُصي الروهينغا

حزب الرابطة القومية - الموسوعة
حزب سياسي في ميانمار؛ ينتمي لـ"يسار الوسط" وفاز بالأغلبية البرلمانية في انتخابات 1990 لكن الجيش رفض تسليمه الحكم، وظل الحزبَ المعارض الرئيسي ربعَ قرن. ونال أغلبية ساحقة في انتخابات 2015 التي أقر فيها الحزب بتجنبه عمدا ترشيح أي مسلم على لوائحه.

النشأة والتأسيس
تأسس حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية على يد زعيمته أونغ سان سو تشي يوم 27 سبتمبر/أيلول 1988إثر انتفاضة شعبية من أجل الديمقراطية، عُرفت بـ"انتفاضة الطلاب" وعمت أرجاء ميانمار في مارس/آذار 1988، فتعاملت معها قوات الأمن بـ"وحشية" مما أسفر عن مقتل المئات وسيطرة الجيش على السلطة إثر قيامه بانقلاب عسكري.

الفكر والأيديولوجيا
ينتمي حزب الرابطة إلى تيار "اليسار الوسط" الديمقراطي وزعيمته سو تشي أعلنتها كتلة "الاشتراكية الدولية" -التي تجمع الأحزاب اليسارية في العالم- رئيسة فخرية لها.

ويدعو برنامج الحزب إلى تأسيس ديمقراطية متعددة الأحزاب في ميانمار وحماية الحريات العامة وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمصالحة الوطنية، واستقلال القضاء، وحرية الإعلام، وتعزيز الرعاية الاجتماعية للمواطنين.

المسار السياسي
في سبتمبر/أيلول 1988 أعلن الجنرال ساو ماونغ استيلاءه باسم الجيش على السلطة في ميانمار (بورما آنذاك)، وتزامن ذلك مع عودة أونغ سان سو تشي -ابنة الجنرال أون سان مؤسس منظمة "الرفاق الثلاثون"، وقائد المقاومة ضد المستعمر البريطاني- إلى البلاد من إقامتها في الخارج.

بعد ذلك بأيام أسست سو تشي حزب الرابطة وأطلقت به مسيرة نضالية سلمية من أجل عودة الجيش إلى ثكناته وتسليم الحكم إلى المدنيين، فعمدت حكومة العسكر في يونيو/حزيران 1989 إلى تغيير اسم البلاد من بورما إلى ميانمار والعاصمة من رانغون إلى يانغون، ثم وضعت سو تشي ونائبها تين أوو قيد الإقامة الجبرية.

ورغم اعتقال زعيمته، فإن الحزب شارك في أول استحقاق انتخابي يُنظم بعد تأسيسه فنال في الانتخابات التشريعية المنظمة في مايو/أيار 1990 نسبة 59٪ من الأصوات وحصد أغلبية ساحقة تجاوزت 80% من مقاعد البرلمان (392 مقعدا من 485).

ومع أن المجتمع الدولي وصف هذه الانتخابات -التي أشرف عليها الجيش الذي كان يحكم عبر هيئة اسمها "مجلس استعادة النظام والقانون"- بأنها كانت "شفافة", إلا أن العسكر لم يعترفوا بنتائجها ورفضوا السماح لحزب الرابطة المعارض بتولي السلطة، وأطلقوا حملة اعتقالات في صفوف قياداتها وأنصارها وأغلقوا مقراتها في عموم البلاد.

ترسخت مكانة الحزب الشعبية بفضل سمعة زعيمته وحصولها في أكتوبر/تشرين الأول 1991 على جائزة نوبل للسلام تقديرا لنضالها السلمي ضد النظام العسكري الحاكم، وسعيها لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبذلك أصبحت الرابطة هي حزب المعارضة الرئيسي في ميانمار.

كان على حزب الرابطة أن ينتظر حتى 2001 ليُطلق سراح عدد من سجنائه السياسيين، وليُسمَح له بإعادة فتح عدد من مقراته، لكن هذا الانفراج لم يعمّر طويلا. ففي مايو/أيار 2003 قُتل عشرات من أعضاء الرابطة الوطنية في إطلاق نار اتهِم الجيش بالضلوع فيه، وحُظِر الحزب المعارض مجددا.

وفي أبريل/نيسان 2004 سمحت السلطات العسكرية الحاكمة للحزب بإعادة فتح مقره الرئيسي وسط العاصمة رانغون، لكنها أبقت كل مقراته الأخرى في البلاد مقفلة. وعندما أعلنت الحكومة عام 2005 الشروع في تنفيذ "خريطة طريق" تمهد لعودة الديمقراطية وبدأتها بإجراء محادثات مع الأحزاب السياسية، قاطع حزب الرابطة هذا المسعى.

وحين صدر دستور جديد عام 2008 عارضته الرابطة قائلة إن الجيش هو من صاغه من وراء ستار، وانتقدت النص فيه على منح الجيش نسبة 25% من مقاعد البرلمان مما يعطيه حق منع تعديل الدستور ويمكّنه من تعطيل القرارات في البرلمان، ووصفت هذا النص بأنه "غير ديمقراطي".

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 أطلق سراح زعيمة الحزب سو تشي بشكل نهائي، ونظمت السلطات العسكرية انتخابات عامة في الشهر نفسه، لكنها ألزمت الرابطة بطرد عدد من أعضائها البارزين لتستطيع المشاركة فيها، فرفضت الأمر مفضلة مقاطعة الاقتراع. لكن مجموعة منشقة عنها قررت دخول الاقتراع ولم تحصل إلا على 3% من الأصوات.

شهد عام 2011 إقدام رئيس البلاد وقائد الجيش ثين سين على اتخاذ عدد من الخطوات السياسية التصالحية، تضمنت الإفراج عن سجناء سياسيين كان كثير منهم منتمين إلى حزب الرابطة الوطنية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها، أعلنت الرابطة عزمها إعادة تسجيل نفسها حزبا سياسيا لتستطيع التنافس على مقاعد البرلمان التي شغرت بعد أن تقلد عشرات النواب المنتخبين في اقتراع 2010 حقائبَ وزارية.

وفي 19 أغسطس/آب 2011 التقى الرئيس ثين سين لأول مرة مع زعيمة الحزب سو تشي، ليبدأ بعدها عصر جديد من الإصلاح السياسي أفضى إلى إنشاء هيئة لحقوق الإنسان، وإطلاق عدد من السجناء السياسيين.

وفي سياق هذه الإصلاحات تلقى حزب الرابطة موافقة رسمية بخوض الانتخابات الفرعية التي نظمت مطلع أبريل/نيسان 2012 وحضرها مراقبون وصحفيون أجانب، وحصد الحزب -الذي قال إنه تضاعفت أعداد منتسبيه خلال الحملة الانتخابية ثلاث مرات- كل المقاعد المتنافس عليها وعددها 45، أي ما يمثل أقل من عُشر إجمالي المقاعد البرلمانية، وقد شغلت أحدها سو تشي.

وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أجريت في البلاد أول انتخابات برلمانية تعددية منذ 1990، وحقق فيها الحزب أغلبية مريحة حين فاز بـ348 مقعدا (حاجز الأغلبية المطلوب هو 329 مقعدا)، مما يعطيه عددا كافيا من المقاعد لانتخاب الرئيس الجديد للبلاد.

ورغم أن زعيمة الحزب سو تشي ممنوعة من تولي منصب الرئيس بموجب الدستور الذي يحظر رئاسة من له أبناء يحملون جنسية أجنبية، وهو ما ينطبق عليها هي لأن أبناءها بريطانيون؛ فإنها أكدت أن سلطتها "ستعلو على سلطة الرئيس" إذا شكل حزبها الحكومة.

وسيسمح هذا الفوز لحزب الرابطة -التي قالت زعيمتها بداية إن الانتخابات لن ترقى إلى درجة توصف معها بـ"الحرة والنزيهة"- بالتخلص من حرس قديم من الجنرالات كانوا يحكمون البلاد، بعد أن أبدى الجيش استعداده هذه المرة "للتعاون مع الحكومة الجديدة" التي سيشكلها حزب الرابطة، لضمان تحقيق انتقال هادئ للسلطة بعد هيمنته على البلاد نحو نصف قرن.

ورغم تاريخه النضالي الناصع والطويل، فإن المنظمات الحقوقية والمراقبين يأخذون على الرابطة وزعيمتها صمتها عن تهميش المسلمين من أقلية الروهينغا ومنعهم من التصويت بدعوى انهم غير مواطنين.

بل إن الحزب أقرّ بتجنبه عمدا -في هذه الانتخابات- ترشيح أي مسلم على لوائحه التي تضم 1100 مرشح، وجعل حرمانهم من الترشح جزءا من إستراتيجيته لتحقيق النجاح في الانتخابات رضوخا منه لضغوط جماعات الرهبان البوذييين. مع أن المسلمين طالما عقدوا آمالهم في الإنصاف ونيل حقوقهم الوطنية على فوز الحزب.

المصدر : الجزيرة