حزب جبهة التحرير الوطني

• حزب جبهة التحرير الوطني FLN

أكبر الأحزاب السياسية الجزائرية؛ ورث جبهة التحرير الوطني التي فجرت الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وأصبح الحزب الوحيد الحاكم في البلاد منذ استقلالها حتى إعلان التعددية السياسية عام 1989.

النشأة والتأسيس
ارتبط ميلاد جبهة التحرير الوطني بنضال الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، وعندما وقع الانقسام في صفوف "حركة انتصار الحريات الديمقراطية" برئاسة مصالي الحاج في 1953؛ صب ذلك في صالح الفريق المؤيد داخلها لتبني الكفاح المسلح من أجل الاستقلال الوطني.

وسرعان ما قام هؤلاء بإنشاء "مجموعة الـ22" ثم "لجنة التسع" التي كانت وراء تفجير ثورة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، بعد أن أعلِن في 22 يونيو/حزيران 1954 قرار تشكيل جبهة التحرير الوطني وجناحها المسلح جيش التحرير الوطني. ثم تسلمت الجبهة مقاليد السلطة عند استقلال البلاد عام 1962.

الفكر والأيديولوجيا
ضمت جبهة التحرير عند تأسيسها تيارات متعددة من مشارب فكرية مختلفة كانت متفقة على هدف تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، ولذلك تعتبر الجبهة حزب وسط "ليس في أقصى اليسار ولا في أقصى اليمين"، كما قال الأمين العام السابق للجبهة علي بن فليس.

وتتبنى الجبهة مبادئ وطنية مثل الوحدة الجزائرية والتفاهم والسلم، وتركز في توجهاتها على التذكير بالمقاومة الجزائرية التي تعتبرها مرتكزها المرجعي.

المسار السياسي
انعقد المجلس الوطني للثورة الجزائرية يوم 25 مايو/أيار 1962 في طرابلس (عاصمة المملكة الليبية آنذاك)، وأوصى بأن تتحول الجبهة إلى "حزب جماهيري قوي"، وأن يكون ذلك في مؤتمر وطني يعقد في الأراضي الجزائرية بعد استرجاع الاسـتقلال الوطني.

وعلى ذلك الأساس بقيت الجبهة هي الحزب الواحد الحاكم للبلاد منذ استقلالها وحتى الإعلان عن التعددية الحزبية في الجزائر في فبراير/شباط 1989. وخاضت باعتبارها التنظيم السياسي الوطني الوحيد في البلاد معركة بناء الدولة الجزائرية الحديثة.

وهكذا يمكن تقسيم المسار التاريخي السياسي لحزب جبهة التحرير إلى المراحل الأربع التالية:

1- مرحلة من يوليو/تموز 1962 وحتى يونيو/حزيران 1965: وقد شهدت هذه المرحلة تشكيل مكتب سياسي للجبهة وظهور أول دستور للجزائر المعروف بـ"دستور 1963″. كما انعقد خلالها مؤتمر الجزائر الذي تم فيه إقرار تحويل الجبهة إلى "حزب طلائعي"، وإقرار ميثاق الجزائر.

2- مرحلة من يونيو/حزيران 1965 وحتى 27 ديسمبر/كانون الأول 1978: وتم فيها تحويل السلطات السياسية والتشريعية إلى مجلس الثورة بزعامة الرئيس هواري بومدين، وتحقيق منجزات هامة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وتأميم قطاعات المحروقات والمناجم والبنوك، وتطبيق سياسة التوازن الجهوي والمخططات الإنمائية، ونشر قاعدة تعليمية وصناعية.

كما شهدت هذه المرحلة -التي انطبعت بهيمنة لافتة لرئيس البلاد بومدين على حساب قوة الجبهة- تنظيم انتخابات المجالس الشعبية البلدية عام 1967 والولائية 1969، والمجلس الشعبي الوطني 1977، وانتخاب رئيس الجمهورية عام 1977. وصادق الشعب الجزائري عام 1976 على الميثاق الوطني الذي استلهِم منه دستور جديد للبلاد.

3- مرحلة من ديسمبر/كانون الأول 1978 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 1988: وشهدت -هذه المرحلة التي جاء فيها رئيس جديد للبلاد هو الشاذلي بن جديد بدءا من يناير/كانون الثاني 1979- انعقاد المؤتمر الرابع لحزب الجبهة ومؤتمره الاستثنائي ثم المؤتمر الخامس، والمصادقة على مخطط خماسي للتمكن من مواصلة المسيرة التنموية. إضافة إلى مراجعة الميثاق الوطني ومصادقة الشعب عليه في 7 يناير/كانون الثاني 1986.

4- مرحلة ما بعد نوفمبر/تشرين الثاني 1988: ومن أهم تطوراتها انعقاد المؤتمر السادس للحزب، وإقرار فكرة وجود التنوع السياسي في أطر الحزب تمهيدا للتعددية السياسية التي أقرها دستور 23 فبراير/شباط 1989. وكذلك مشاركة الحزب في أول انتخابات تعددية بلدية (يونيو/حزيران 1990) وتشريعية (ديسمبر/كانون الأول 1991).

ويعتبر مراقبون أن إقرار التعددية السياسية في البلاد لم يغير شيئا من هيمنة حزب الجبهة على مقاليد الحكم، فكان الفائز الأكبر في كل جولات الانتخابات المنظمة لاحقا سواء أكانت بلديات أم تشريعيات أم رئاسيات، باستثناء الانتخابات التشريعية نهاية عام 1991 التي اكتسح التيار الإسلامي بزعامة الجبهة الإسلامية للإنقاذ نتائج دورتها الأولى، فألغى الجيش نتائجها ومنع تنظيم دروتها الثانية.

ففي ظل حكم الرئيس بن جديد وخلال تولي عبد الحميد مهري منصب الأمين العام لحزب الجبهة
(1988-1996) أعطِي الحزب أهمية أكبر من ذي قبل في المشهد السياسي كحزب واحد واجهت البلاد تحت قيادته أزمات واضطرابات خطيرة، بلغت ذروتها في أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 التي كانت عبارة عن احتجاجات شعبية طالبت بالإصلاح وقابلتها الدولة بالعنف مما خلف مئات القتلى والمعتقلين.

وكان للحزب دور كبير في الترويج لمشروع "الوئام المدني" الذي جاء للقضاء على المواجهات العنيفة بين الدولة والجماعات المسلحة بعد إلغاء الجيش العملية الانتخابية -التي فاز بها التيار الإسلامي- مطلع عام 1992، وأجري عليه استفتاء شعبي في سبتمبر/أيلول 1999 في ظل حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

وقد تمثل موقف الحزب المعلن خلال سنوات الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد بدءا من 1992 وعرفت بـ"العشرية الحمراء"؛ في التأكيد على أن "الاستقرار ضروري لمواصلة المسيرة التنمويّة، مع المطالبة بمواصلة محاربة الإرهاب بضراوة".

تعرضت الجبهة للانشقاق سنة 2003 بعد تأييد بعض أعضائها للرئيس بوتفليقة ودعم آخرين لرئيس الوزراء السابق علي بن فليس الذي انتخب أمينا عاما للجبهة في مارس/آذار من نفس السنة بعد إقصائه عن رئاسة الوزراء. كما أن جبهة التحرير الوطني رشحته باسمها لخوض الانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول 2003.

وأعلنت الغرفة الإدارية لمحكمة الجزائر -استنادا إلى القانون الجزائري- بطلان مؤتمر جبهة التحرير الوطني في أكتوبر/تشرين الأول 2003 وقامت بتجميد حسابات الجبهة. وزعم مراقبون أن تدخل القضاء في الخلاف الداخلي للجبهة جاء نيابة عن الجناح المؤيد لبوتفليقة.

وإثر ذلك أصبح وضع الجبهة أكثر حساسية باشتداد الخلاف بين قادتها وبروزه إلى العلن، إذ أُطيح بعبد العزيز بلخادم أحد أبرز قادتها وأقواهم وأشدهم قربا من بوتفليقة، كما تم توظيف الحزب في صراع الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2004 بين بوتفليقة وبن فليس، وتوظيفه في انتخابات 2014 بشأن استمرار بوتفليقة، وفي صراعه مع مدير المخابرات محمد مدين (المعروف بالجنرال توفيق) الذي أطيح به لاحقا.

هذه الخلافات -التي برزت بشكل مزعج لأتباع الجبهة في مؤتمرها العاشر المنعقد في مايو/أيار 2015- رأى فيها مراقبون صراعا على النفوذ والأدوار يتوازى مع صراعات الأجيال والأفكار داخل صفوف هذه الجبهة التي يقول منتقدوها إنها انحرفت عن مسارها الصحيح، وفرّطت في رصيدها التاريخي، بل وتحولت من بانٍ للجزائر الحديثة إلى عائق لتقدمها نحو الديمقراطية الحقيقية.

المصدر : الجزيرة