النورماندي.. أكبر عملية إنزال في التاريخ العسكري

A handout image released by the British Ministry of Defence (MOD) shows people re-enacting marching onto the beach from a Landing Craft at the Normandy, France, 06 June 2014. More than 75,000 British Canadian and other Commonwealth Troops landed on the beaches of Normandy on 06 June 1944 alongside the United States and the Free French, in an Allied invasion of more than 130,000. Another 7,900 British troops were landed by Air. The invasion established a crucial second front in the Liberation of Europe from Nazi occupation, ultimately leading to victory for Allied Forces in 1945. EPA/JAMIE PETERS RLC / HANDOUT
محاكاة لعملية إنزال النورماندي قام بها جنود بريطانيون (الأوروبية)

"إنزال النورماندي" أكبر عملية إنزال في التاريخ العسكري؛ شنها الحلفاء في 6 يونيو/حزيران 1944 -انطلاقا من بريطانيا– على سواحل منطقة النورماندي شمال غربي فرنسا، لفتح جبهة جديدة ضد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وشارك فيها أكثر من مليونيْ جندي و300 ألف مركبة عسكرية.

مكَّن إنزال النورماندي من إقامة رأس جسر في الغرب الفرنسي مما مهد الطريق لتحرير فرنسا وبلجيكا وهولاندا، ثم مواصلة الزحف إلى برلين.

السياق
في النصف الأخير من عام 1943 بدأ ميزان القوة العسكرية يميل لصالح قوات الحلفاء (أساسا أميركا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي والمقاومة الفرنسية بقيادة شارل ديغول) على حساب دول المحور (أساسا ألمانيا وإيطاليا)، خاصة بعد معركتيْ ستالينغراد والعَلَمين بمصر.

فقد تمكنت قوات الحلفاء من السيطرة على صقلية وفتحت جبهة في الجنوب الإيطالي، أما شرقا فحقق الجيش الأحمر السوفياتي مكاسب مطردة بعد معركة ستالينغراد وتقدم في أوكرانيا وبولندا، مما شجع حركات المقاومة المحلية في بولندا والمجر واليونان على الانخراط بشكل أنشط في المعركة ضد ألمانيا وحلفائها.

في تلك المرحلة، بدأت القيادات السياسية لدول الحلفاء تستشعر طول أمد الحرب وما يستدعيه ذلك من تسريع وتيرة الحسم العسكري تفاديا لتعاظم حالة التململ داخل الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة، الذي بدأ يعبر عن امتعاضه من دموية الحرب وكلفتها البشرية الهائلة.

وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، التقى قادة قوى الحلفاء الأساسية الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفياتي) في قمة ثلاثية بالعاصمة الإيرانية طهران، ناقشوا خلالها مستقبل إستراتيجية المواجهة العسكرية مع دول المحور.

وقرر المجتمعون فتح جبهة جديدة في غربي أوروبا لهدفين: امتصاص الإحباط الشعبي من طول أمد الحرب، وتشتيت جهود ألمانيا لتخفيف الضغط على الجبهة الشرقية التي يواجه عليها الجيش السوفياتي وحيدا تقريبا الجيش الألماني.

التحضير
أُسندت قيادة العملية للجنرال الأميركي دوايت إيزنهاور (رئيس أميركا لاحقا) وعُين مساعدا له الجنرال البريطاني برنارد مونتغومري (بطل معركة شمال أفريقيا ونصر العلمين)، وبدأ استقدام القوات العسكرية من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وآسيا ومستعمرات فرنسا في أفريقيا، وحشد الحلفاء-في ستة أشهر- مليونيْ جندي و300 ألف دبابة وعربة عسكرية.

شكل هذا الحشد الهائل عبئا ثقيلا على بريطانيا المنهكة أصلا بسبب ثلاث سنوات من القصف الصاروخي والجوي الألماني. وقد اضطرت السلطات البريطانية إلى إخلاء بلدات كاملة من سكانها لإيواء القوات القادمة.

أُخضِع المجندون لدورات تدريبية كثيفة ومتنوعة، وكانت خطة الهجوم موضع تكتم شديد وبقيت تفاصيلها الأولية محصورة في عدد محدد من الضباط أُخضعوا لإقامة جبرية في قواعد عسكرية، وكانت تنقلاتهم مراقبة وكذلك بريدهم الشخصي، خوفا من تسرب التفاصيل إلى الاستخبارات الألمانية.

عمدت قيادة العملية كذلك إلى وضع خطة تضليلية وتسريب تفاصيلها إلى المخابرات الألمانية، مفادها أن الهجوم سيقع على منطقة "كالي" بأقصى شمال غربي فرنسا، وهو أمر منطقي نظرا لكونها أقرب نقطة من البر الأوروبي إلى بريطانيا. ولذلك عززت ألمانيا دفاعاتها حول "كالي" وأهملت نسبيا المناطق الواقعة جنوبها.

تضمنت خطة الإنزال نقل قوات هائلة عبر البحر (287 ألف عسكري)، وأن يُلقى قبل وصولها الشاطئ 156 ألفا من المظليين لتأمين شواطئ الإنزال الستة التي تم تحديدها وهي شواطئ مهجورة. وتولت 9500 طائرة عسكرية تأمين القافلة البحرية الضخمة من هجمات الغواصات والطيران الألماني.

الهجوم
بدأ الهجوم -الذي سُمي "عملية القائد الأعلى" (Overlord)- عند الساعة صفر ليلة السادس من يونيو/حزيران 1944 متأخرا عن موعده الأصلي بيوم بسبب سوء الأحوال الجوية. وأُلقي 156 ألفا من المظليين على شواطئ الإنزال الستة في إطار المرحلة الأولى من الهجوم التي أُطلق عليها "نبتونْ".

دخل المظليون في اشتباكات مباشرة مع القوات الألمانية التي فاجأها مكان الهجوم، إذ كانت تقديرات القيادة الألمانية تحسب أنه سيقع شمالا في منطقة "كالي"، ومع ذلك دارت مواجهات عنيفة. وتُفيد التقديرات بأنه سقط في تلك الليلة وحدها 10000 من قوات الحلفاء بين قتيل وجريح وأسير ومختف، و10500 من القوات الألمانية.

وعند الساعة الرابعة من فجر السادس يونيو/حزيران وصلت طلائع القوات المنقولة بحرا، وبدأ الإنزال البحري وسط اشتباكات دامية دار أشهرها على شاطئ "أوماها بيتش" وقُتل فيه أكثر من 2500 جندي أميركي خلال الساعات الأولى، مع العلم بأن الأميركيين خسروا 6000 جندي في اليوم الأول، وهي أفدح خسارة بشرية للحلفاء.

انتهى اليوم الأول من عملية النورماندي بإنزال الحلفاء أكثر من 150 ألف عسكري على الشواطئ الفرنسية، وهو ما اعتبر نجاحا عسكريا باهرا للعملية.

وفي الأيام التالية تسارعت وتيرة وصول القوات من بريطانيا، وكان الهدف المرسوم هو إنزال مليونيْ جندي و350 ألف طن من المعدات والأسلحة والذخائر والمؤن، وهو ما تطلب إقامة ميناء مصنّع اُطلق عليه اسم "وينستون" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل.

المصدر : الجزيرة