البرنامج النووي الإسرائيلي

afp - Photo dated 08 September 2002 shows a partial view of the Dimona nuclear power plant in the southern Israeli Negev desert. The southern Israeli town of Dimona, which was hit
مفاعل ديمونة بدأ تشغيله نهاية 1963 ويعتبر أهم منشأة نووية في إسرائيل (الفرنسية)

مشروع إسرائيلي لامتلاك قدرات نووية لأغراض مدنية وعسكرية، بدأ العمل فيه سرا مع قيام الدولة بمعونة عدة دول غربية، وأصبحت به إسرائيل أول دولة تحوز السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط.

معلومات أساسية
تعتبر إسرائيل -وفق من مصادر رسمية وغير رسمية- القوة النووية الخامسة في العالم، وذلك لحيازتها رؤوسا نووية يمكن إطلاقها إلى مسافات تبلغ 1500 كيلومتر باستخدام صواريخها المسماة "أريحا"، إضافة للقنابل النووية التي يمكن إلقاؤها من الجو.

وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل تمتلك نحو مائتي قنبلة نووية، مع تأكيد بعض المصادر الغربية حيازتها أيضا كميات كبيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح لها بإنتاج مائة قنبلة نووية أخرى.

وتسعى إسرائيل لزيادة الكفاءة الإنتاجية لمفاعل ديمونة (أهم مفاعلاتها النووية) إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف كفاءته الحالية، حيث ستزيد قوته من 28 ميغاوات إلى مائة.

ويعد الملف النووي الإسرائيلي أحد أكبر أسرار الحياة النووية في العالم، حيث رفضت إسرائيل منذ إنشائها أن تشملها عمليات التفتيش الدورية التي تجريها وكالة الطاقة الذرية على المنشآت النووية في العالم.

كما ترفض حكومتها التوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقعتها الدول العربية، الأمر الذي يجعل الملف النووي الإسرائيلي "خارج التغطية".

ورغم سياسة التعتيم التي تمارسها إسرائيل منذ عقود على تفاصيل ملف برنامجها النووي، فإنه يمكن القول -بناء على معلومات متواترة وشبه يقينية- إن أبعاد هذا الملف تتمثل في العناصر التالية:

1- المفاعلات ومواقعها: تشير الدراسات المختلفة إلى أن إسرائيل استطاعت بناء سبعة مفاعلات نووية، كما أن ثمة مواقع مختلفة للأسلحة النووية، ومن الملاحظ أن أكثر هذه المفاعلات والمواقع أنشئت قرب تجمعات سكنية عربية، وذلك على النحو التالي:

الاسم

القدرة

الموقع

ديمونة

150 ميغاوات

يقع في مركز النقب للأبحاث النووية ويتألف من عشرة أبنية، وفيه مفاعل نووي ومصنع لإعادة معالجة البلوتونيوم

ناحال سوريك

18 ميغاوات

يقع جنوب الرملة ويعمل فيه حوالي 200 عالم وتقني

الكيشون

5.25 ميغاوات

الكيشون هو نهر المقطع ومصبه شمال خليج حيفا، ويستخدم المفاعل الذي أقيم في تلك المنطقة للبحث العلمي

النبي روبين

205 كيلووات

يقع غرب مدينة الرملة وفيه مفاعل بحثي لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر

كفار زكريا

يقع شمال غرب مدينة الخليل وتخزن فيه الصواريخ المصنعة في بئر يعقوب، ويحوي ملاجئ لتخزين القنابل النووية

رفائيل

يقع شمال غرب سخنين وهو مصنع للهندسة النووية

الجناح 20

يقع في رافائيل ويستخدم لتركيب القذائف النووية

بئر يعقوب

جنوب الرملة وتنتج فيه صواريخ أريحا ذات الرؤوس النووية

عيلبون

يقع تحت الأرض مكان قرية نمرين التي هجر أهلها عام 1948، وشرق قرية عيلبون، ويستخدم مستودعا لتخزين الأسلحة النووية التكتيكية

بالميكيم

يقع شمالي صحراء النقب، وهو مخصص لإجراء تجارب على الصواريخ النووية مثل صاروخ "أريحا"


مفاعل ديمونة:
يعد مفاعل ديمونة النووي -أو ما يسمى "مركز الأبحاث النووية"- أهم منشأة نووية إسرائيلية، ويقع في صحراء النقب (جنوبي أراضي فلسطين 1948) وسط أشجار عالية ونباتات كثيفة لإبعاده عن الأنظار، كما أقيمت حوله أسلاك كهربائية وطرق لدوريات الحراسة فضلا عن بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات.

وقد أنشئ سنة 1957 وبدأ تشغيله ديسمبر/كانون الأول 1963 بطاقة 26 ميغاوات، ويعمل فيه نحو 2700 عالم وتقني، وهو مكون من ثمانية طوابق تحت الأرض يعالَج فيها الوقود النووي المحترق، وهي المرحلة الأولى لإنتاج القنبلة الذرية التي تنقل إلى مكان آخر لتخزن أو تحمّل على صواريخ.

ولهذا المفاعل قدرة كبيرة على إنتاج البلوتونيوم بمقدار تسعة كيلوغرامات سنويا، بحيث تكفي لإنتاج قنبلة ذرية بقوة تفجيرية قدرها 20 كيلوطناً، وهي نفس القوة التفجيرية للقنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على مدينة ناغازاكي اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية.

وتفيد تقارير علمية وصور أقمار اصطناعية بأن ديمونة قد دخل في مرحلة الخطر الإستراتيجي بسبب انتهاء عمره الافتراضي قبل 22 سنة. ويظهر ذلك من تصدعه وتحوله إلى مصدر محتمل لكارثة إنسانية تحصد أرواح مئات الآلاف من الضحايا إن لم يكن الملايين.

واستنادا إلى التقارير العلمية وصور الأقمار الصناعية الفرنسية والروسية التي نشرتها مجلة "جينز أنتلجنس ريفيو" المتخصصة في المسائل الدفاعية والصادرة في لندن عام 1999، فإن مبنى المفاعل يعاني أضرارا جسيمة بسبب الإشعاع النيتروني، الذي يُنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى مما يجعله قابلا للتصدع.

فقد تآكلت جدران المفاعل العازلة لقدمه، كما أن أساساته تشققت وربما تنهار لتحدث كارثة نووية ضخمة. وعلى الرغم من استبدال بعض الأجزاء من المفاعل، فإن هناك خلافا جديا يدور حول ما إن كان من الأفضل وقف العمل في المفاعل تماما قبل وقوع كارثة.

ويرى الخبراء أن إصابة الكثير من سكان المناطق المحيطة بالمفاعل والعاملين فيه أيضا بالأمراض السرطانية كان بسبب تسرب إشعاعات منه.

وقد كشف تقرير أعدته القناة الإسرائيلية الثانية -في أبريل/نيسان 2004- أن العشرات من عمال المفاعل النووي ماتوا بعد إصابتهم بالسرطان، بينما ترفض إدارة المفاعل والحكومة الربط بين إصابتهم -ومن ثم موتهم- والإشعاعات المتسربة.

وبعد ذلك بعشر سنوات بثت القناة الإسرائيلية العاشرة -في مايو/أيار 2015- تحقيقا جريئا وغير مسبوق تحت عنوان "السر المعتم.. فرن ديمونة"، كشفت من خلاله إصابة المئات من عمال وموظفي المفاعل بالسرطان، في ظل محاولة السلطات طمس الحقيقة.

ويرجح الطبيب المتخصص في أمراض السرطان شوكت علي -في حديث للجزيرة نت 11 مايو/أيار 2015- وجود علاقة سببية مباشرة بين العمل في المفاعل وكثرة العاملين المصابين بالمرض، مؤكدا أن معلومات عن مفاعلات نووية مشابهة في العالم تدل على ذلك، "وهناك مفاعل فرنسي بُني في الفترة نفسها أغلِق قبل عشرين عاما بسبب تقادمه".

وأوضح علي أن "هزة أرضية محتملة في منطقة الشق السوري الأفريقي من شأنها أن تدمر هذا المفاعل النووي وتسبب كارثة خطيرة لكون مبناه قديما". 

2التجارب النووية:
كما في بقية أجزاء البرنامج النووي الإسرائيلي المحاط بالتكتم، لا توجد معلومات مؤكدة حول التجارب النووية التي أجرتها تل أبيب أو شاركت فيها، غير أن مصادر عدة تشير إلى تجارب أجرتها أو شاركت فيها، كما حصل عندما سمح الرئيس الفرنسي شارل ديغول لخبراء إسرائيليين بحضور تجربة نووية عام 1960 أجرتها باريس في منطقة "حمودي بفران" في صحراء الجزائر.

وفي عام 1966 نفذت إسرائيل تجربة نووية في نفق أرضي متاخم للحدود مع مصر، وقيل إن التجربة أحدثت هزات في صحراء النقب وشبه جزيرة سيناء. كما التقط قمر صناعي أميركي عام 1979 وميضا يعتقد أنه نجم عن تفجير نووي في المحيط الهندي.

وأشارت تقديرات أميركية بعد ذلك إلى أن التفجير المفترض كان تجربة نووية مشتركة بين إسرائيل وجنوب أفريقيا في تلك المنطقة. وفي عام 1997 نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تصريحا لمساعد وزير خارجية جنوب أفريقيا أكد فيه تلك التقديرات.

3الترسانة النووية:
لقد اعتمدت إسرائيل التلميح والإيحاء -في تصريحات وتلميحات من بعض قادتها- مدخلا للإعلان غير المباشر عن وجود إمكانيات الردع الإسرائيلية، وكان من بين أهداف تلك السياسة إقناع الدول العربية بأن إسرائيل تملك السلاح النووي، ومن ثم هناك خلل في التوازن في الأسلحة غير التقليدية لصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من الإشارات التي تبرز بين فترة وأخرى في الصحف ومراكز البحث الغربية والإسرائيلية على حد سواء، والتي تؤكد امتلاك إسرائيل لأسلحة كيميائية ونووية متطورة، فإن الدوائر الإسرائيلية المختلفة سرعان ما تنفي ذلك أو تمتنع عن التعليق عليه، للإبقاء على "سياسة الردع بالشك والغموض" التي تتبعتها إسرائيل بشأن برنامجها النووي منذ إنشائه.

فقد قدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) عام 1974 عدد الرؤوس النووية الإسرائيلية بأنها تتراوح بين 10 و20 رأسا نوويا، ثم أعادت تقديرها عام 1990 بأنها تتراوح بين 75 و130 رأسا نوويا.

وتشير مصادر غربية إلى امتلاك إسرائيل أيضا كميات كبيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح لها بإنتاج 100 قنبلة نووية أخرى.

وفي عام 1986 قدر بعض الخبراء  ترسانة إسرائيل بما بين 100 و200 رأس نووي، حسب تحقيق لصحيفة الصنداي تايمز على خلفية المعلومات التي سربها آنذاك المهندس النووي الإسرائيلي مردخاي فعنونو الذي قضى حكما بالسجن 1986-2004 في إسرائيل بسبب تسريباته.

وقد تأكد الفريق الصحفي في الصفحة المذكورة من صحة الصور والوثائق التي سربها الفني الإسرائيلي بعرضها على علماء متخصصين مثل ثيودور تايلر الذي عمل رئيسا لبرنامج الأسلحة الذرية لدى وزارة الدفاع الأميركية، كما استـُجْوب فعنونو من الدكتور فرانك بارنابي الذي تولى أيضا منصب تايلور المذكور.

أما الرئيس الأسبق للهيئة المصرية للطاقة الذرية الدكتور فوزي حماد فقد أكد -في تصريحات للجزيرة نت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2004- أن تل أبيب تمتلك ترسانة نووية كبيرة تتراوح بين 300 و400 قنبلة نووية، فضلا عن حيازتها صواريخ حاملة لرؤوس بعيدة المدى، وتصنيعها منذ 1983 قنابل هيدروجينية ونتروجينية.

وبشأن انضمام إسرائيل رسميا للدول النووية الخمس الكبرى، قال حماد إن ذلك يتطلب إجراء تعديل في معاهدة حظر انتشار السلاح النووي التي خصت خمس دول بامتلاك السلاح النووي، واصفا تعديل المعاهدة لتشريع ترسانة إسرائيل النووية بـ"الأمر المستحيل" لأن دولا أخرى مثل اليابان وجنوب أفريقيا وألمانيا وكوريا الشمالية ستطالب بالمعاملة بالمثل.

4- الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية:

الصاروخ

أريحا 1

أريحا 2

أريحا 3

شافيت

لانس الأميركي

النوع

تكتيكي أرض أرض

متوسط المدى أرض أرض

بعيد المدى أرض أرض

صاروخ فضاء وأرض أرض

تكتيكي أرض أرض

الرأس الحربي

تقليدي نووي

تقليدي نووي

تقليدي نووي

تقليدي نووي

تقليدي نووي

المدى المتوسط

500 كلم

490-750 كلم

1480 كلم

7500 كلم

70-130 كلم

الوزن

250 كلغ

680 كلغ

750 كلغ

500 كلغ

454 كلغ

5- مراكز الأبحاث النووية:
معهد إسرائيل التقني (التخنيون): يقع في مدينة حيفا، تأسس عام 1924 ثم تحول إلى جامعة وإن بقي معروفا باسمه، وأهم أقسامه مؤسسة الأبحاث والتطوير، وفيه قسم للهندسة النووية ومعامل ميكانيكية وكيميائية. ويخرّج المعهد علماء ومهندسين متخصصين في الذرة.

 – معهد وايزمن للعلوم: يقع في مدينة رحبوت قرب الرملة، تأسس عام 1934 ويتألف من عدة أقسام منها قسم الأبحاث النووية والإلكترونات والرياضيات التطبيقية، وقسم الأشعة دون الحمراء والكيمياء التصويرية وأبحاث النظائر المشعة والكيمياء العضوية والتجارب البيولوجية.

مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية: صدر قرار بتأسيسها عام 1952 وكانت تابعة لوزارة الدفاع ثم ألحقت بمكتب رئيس الوزراء سنة 1966، وهي تقوم بتوجيه سياسة الحكومة في ميدان التسلح النووي.

جمعية الأشعة الإسرائيلية: تركز نشاطها على ميدان السلامة النووية والحماية من الإشعاع، وتشرف على سياسة الرصد الذري للمراقبة والتحذير من الإشعاعات الذرية.

6- الاتفاقيات الدولية: رغم أن إسرائيل عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ 1957، فإنها غير منضمة لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) لعام 1968، ولم توقع البروتوكولات الإضافية للوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 1972 المتعلقة بحظر استعمال وإنتاج وتطوير الأسلحة البيولوجية، ولا على القانون الدولي الخاص بمنع انتشار الأسلحة الباليستية لعام 2002. 

وقد وقعت الحكومة الإسرائيلية عام 2006 اتفاقية الأمم المتحدة لمنع أعمال الإرهاب النووي، كما أصبحت عضوا في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) ولكنها لم تصادق على الاتفاقية.

النشأة والمسار
بدأت قصة البرنامج النووي الإسرائيلي أواسط سنة 1947، حين قام الزعيم الصهيوني ديفد بن غوريون بإنشاء أول قسم للأبحاث العلمية ضمن منظمة الهاغانا بحجة الاستعمال السلمي للطاقة. 

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية خاطب بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) بعض العلماء اليهود المهاجرين من ألمانيا إلى فلسطين قائلاً: "أريد منكم أن تهتموا منذ الآن بالأبحاث الذرية، وبإنجاز كل ما يمكن إنجازه لتزويد الدولة اليهودية المنشودة بأسلحة نووية..، إنه يتحتم على إسرائيل امتلاك سلاح قاس لا مثيل له في قوته التدميرية لمواجهة احتمالات قاسية". 

وهكذا ومنذ السنوات الأولى لقيام إسرائيل وبالتحديد في عام 1949، أنشأت حكومتها "معهد وايزمان للأبحاث النووية" لتأسيس قدرات نووية، وطفق الباحثون والمتخصصون الإسرائيليون يجرون عدة محاولات لإيجاد طرائق جديدة لإنتاج الماء الثقيل، واستخلاص اليورانيوم من مناجم الفوسفات في صحراء النقب جنوبي فلسطين المحتلة.

واعتمد بن غوريون في البدايات على فرق من الخبراء الإسرائيليين في الفيزياء النووية، وخاصة من كانوا يشرفون على عدد من مراكز الأبحاث العلمية.

وكان من بين العلماء الذين اختارهم بن غوريون البروفيسور إسرائيل دو ستروفسكي والبروفسور إيرنست ديفد بيرغمان وكلاهما من معهد وايزمن، حيث اخترع دوستروفسكي عملية تصنيع المياه الثقيلة التي أقرتها بعدئذ وكالة الطاقة النووية الفرنسية.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يشعر بأن تكاليف المشروع النووي باهظة ولا بد لها من الدعم الخارجي، فاستطاع -من خلال أنصار إسرائيل في العالم- جمع مبلغ أربعين مليون دولار بطريقة سرية، وقد شكل هذا المبلغ نصف ثمن المفاعل النووي الذي بُني سرا في منطقة ديمونة.

وكان البرنامج النووي الإسرائيلي منذ الخمسينيات تحت إدارة وزارة الحرب الإسرائيلية، مما يؤكد الطابع العسكري لإنشاء وامتلاك القدرة النووية من قبل الجيش الإسرائيلي، وقد كانت تلك السياسة غير المعلنة بمثابة قرار سياسي إسرائيلي بالدرجة الأولى، للإخلال بالتوازن العسكري مع الدول العربية.

وقد أدت المخططات الإسرائيلية لامتلاك سلاح نووي والنشاط الدؤوب لإنجاح تلك المخططات إلى بناء إسرائيل لسبعة مفاعلات نووية، أهمها مفاعل ديمونة الذي أسسه ديفد بن غوريون 1957 في صحراء النقب بمساعدة فرنسية، إثر اجتماع وزيرة خارجية إسرائيل آنذاك غولدا مائير مع وزيريْ الخارجية والدفاع الفرنسييْن بحضور شمعون بيريز.

وفي عام 1960 أنشئ مفاعل نووي إسرائيلي سُمي "ناحال سوريك" في أسدود جنوبي فلسطين المحتلة بمساعدة أميركية، وهو قادر عن إنتاج البلوتونيوم. وقد سبق ذلك بناء مصانع للسلاح الكيميائي بمعونة بريطانية.

وثمة مواقع مختلفة للأسلحة النووية، وهناك برامج وخطط إسرائيلية وموازنات ضخمة لتطوير المفاعلات النووية، والمحاولات متسارعة لتطوير أداء البحث العلمي في المجالات المذكورة بسرية كبيرة وفائقة.

كما بدأت إسرائيل استقبال العديد من العلماء اليهود عبر هجرات متتالية خاصة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، وكان لهجرة اليهود من دول الاتحاد السوفياتي السابق ومن باقي دول العالم خلال 1990-2009 بالغ الأثر في رفع نسبة العلماء ذوي الخبرات العالية في المجالات المختلفة، إذ تشير التقديرات إلى هجرة 600 عالم نووي روسي لإسرائيل.

ومنذ عام 1968 رفضت إسرائيل التوقيع والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بدعم أميركي مباشر، وأصبح عامل الردع العسكري غير التقليدي هاجسا لكافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خلال 1948-2009، وتبعا لذلك جعلت امتلاكها أسلحة غير تقليدية حقيقة وأمرا واقعا يفرض نفسه بقوة، لكنها اعتمدت بخصوصها "سياسة الشك والغموض".

وكان الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرز قد أسس لهذه السياسة حين قال في كلمة ألقاها أمام الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) عام 1966: "إنني لا أرى سببًا لإقدام دولة إسرائيل على طمأنة (الرئيس المصري) عبد الناصر من هذا المنبر..، إنني أعرف أن العرب يشكون في نياتنا النووية، وأعرف أن هذا الشيء قوة رادعة، فلماذا نخفف هذه الشكوك، ولماذا نوضحها".

وفي عام 1972 أعلن الرئيس الإسرائيلي أفرايم كاتسير أن "إسرائيل لن تكون البادئة في إدخال الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط ولكنها تمتلك القدرة على صنع مثل تلك الأسلحة، بل في مقدورها أن تفعل ذلك في فترة زمنية معقولة".

وهذا ما أكده عام 1981 رئيس وزراء إسرائيل وقتها مناحيم بيغن بقوله "إن إسرائيل يجب أن تبقى مالكة مفتاح التفوق العسكري، وخاصة التفوق النووي عن طريق منع أي دولة في الشرق الأوسط من امتلاك أو تطوير السلاح النووي".

وقد أفادت وثائق سرية أفرجت عنها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في عام 2014 بأن الولايات المتحدة وافقت عام 1969 على وجود خيار نووي لدى إسرائيل، وتعهدت بالامتناع عن الضغط عليها للتخلي عن مساعيها النووية.

وتُبين الوثائق أن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون استقبل رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بالبيت الأبيض نهاية سبتمبر/أيلول 1969، حيث سلمته "الرفض الإسرائيلي الثلاثي".

ويشمل هذا "الرفض الثلاثي": رفض التوقيع على ميثاق منع انتشار السلاح النووي، ورفض الموافقة على رقابة أميركية على مقر الأبحاث النووية في ديمونة، ورفض ربط الحصول على طائرات حربية بالتخلي عن السلاح النووي وصواريخ أرض أرض إستراتيجية من طراز "أريحا" ذات مدى يصيب عواصم عربية مثل القاهرة ودمشق وعمان وبيروت.

وتؤكد محاضر اجتماعات الحكومة الإسرائيلية خلال حرب 1973 مع مصر وسوريا -التي سُمح بالكشف عنها عام 2010 بمناسبة  الذكرى السابعة والثلاثين للحرب-  أن القيادة الإسرائيلية أمرت بإخراج صواريخ "يريحو" (أريحا) القادرة على حمل رؤوس نووية لاستخدامها في ضرب مصر وسوريا.

ويقول الجنرال يعكوف نئمان -الذي كان مسؤول الملف النووي الإسرائيلي وشغل أيضا منصبا رفيعا في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- إن الذي جعل إسرائيل تتراجع عن تنفيذ هذا السيناريو هو قرار الإدارة الأميركية بتسيير جسر جوي لنقل العتاد العسكري المتقدم إلى إسرائيل لمساعدتها في إحداث انعطافة في مسار الحرب.

ومن الواضح أنه لو استخدمت إسرائيل السلاح النووي في تلك الحرب لأحدثت ضرراً هائلاً بكل من مصر وسوريا، قد يتطلب التعافي من آثاره عشرات السنين.

ويصف مراقبون حجم التهديدات التي تشكلها قوة إسرائيل النووية على العرب ودول المنطقة بأنه كبير للغاية، مستشهدين بما ردده كبير مؤسسي إسرائيل ديفد بن غوريون من أن السلاح النووي خير وسيلة لتحقيق التوازن مع الدول العربية وتحييد التفوق العربي العددي.

ويذكّرون بأن بن غوريون كان أول من دعا إلى ضرورة إجهاض أي محاولة عربية لامتلاك هذه الأسلحة، وهو ما تم تنفيذه بالفعل بضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في يونيو/حزيران 1981، وقتل الكثير من العلماء النوويين في مصر والعراق وإيران.

وفي معرض حديثه عن خطورة امتلاك العرب سلاحا نوويا، قال الجنرال الإسرائيلي إفرايم سنيه (وكان نائبا لوزير الحرب الإسرائيلي) إنه "في حال طوّر العرب سلاحا نوويا فإنهم لا يحتاجون إلى أن يستخدموه ضدنا لكي ننهار، فبمجرد أن يعرف مواطنونا أنه قد أصبح للعرب سلاح نووي فإن أكثر من ثلثهم سيغادرون إسرائيل على الفور".

أبرز المحطات
– 1947: الزعيم الصهيوني ديفد بن غوريون يأمر بإنشاء أول قسم للأبحاث العلمية ضمن منظمة الهاغانا بحجة الاستعمال السلمي للطاقة.

– 1948: وزارة الدفاع الإسرائيلية تستهل أعمال التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب.

– 1949: المسؤول في الوكالة الفرنسية للطاقة الذرية فرانسيس برين يزور إسرائيل ويدعو الباحثين الإسرائيليين لزيارة فرنسا، وكانت تلك بداية الدور الفرنسي في دعم البرنامج النووي الإسرائيلي.

– 1953: اتفاق فرنسي إسرائيلي للتعاون على استخراج اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل.

– 1955: توقيع اتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة حصلت الأولى بموجبه على مفاعل نووي أقيم فيما بعد في معهد سوريك ناحال الواقع قرب مدينة يبنة غربي بئر السبع.

– 1955-1967: إسرائيل تنفق في هذه الفترة ما يفوق 600 مليون دولار على صفقات التسلح الموقعة مع فرنسا، ومنها 75 مليونا خاصة بالمجال النووي.

– 1957: فرنسا تنشئ مفاعل ديمونة في صحراء النقب بناء على اتفاقية سرية مع إسرائيل.

– 1957: الصحف الألمانية تنشر تقارير عن تعاون ألماني إسرائيلي في المجال النووي.

– 1958: هيئة الإذاعة البريطانية تعلن أنها عثرت على دلائل بشأن بيع بريطانيا 20 طنا من الماء الثقيل لمفاعل ديمونة. لكن الحكومة اكتفت بالقول إن لندن لم تكن طرفا في أي عملية بيع للإسرائيليين، وإنها فقط باعت بعض الماء الثقيل للنرويج، ثم تبين لاحقا أن النرويج أعادت بيع هذه الكمية لتل أبيب.

– 1960: إنشاء مفاعل نووي إسرائيلي قادر على إنتاج البلوتونيوم في أسدود جنوبي فلسطين المحتلة بمساعدة أميركية.

– 1960: الرئيس المصري جمال عبد الناصر يؤكد أن مصر "ستلحق بالبرنامج النووي الإسرائيلي حتى وإن اقتطعت الخبز من أفواه بنيها".

– 1961: الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي يلتقي بن غوريون ويتوصلان إلى قرار إستراتيجي بالنسبة للحكومة الأميركية، يتمثل في الامتناع عن الوصول إلى "خلاف علني" مع إسرائيل فيما يتعلق بموضوع برنامجها النووي.

– 1963: الرئيس الأميركي جون كينيدي يرسل رسالة لبن غوريون يطالب فيها إسرائيل بالسماح لمندوبي الحكومة الأميركية بزيارة جميع مواقع مفاعل ديمونة وعدم تحديد مدة بقائهم فيها، محذرا من نشوب أزمة بين البلدين.

– 1964: الرئيس الأميركي ليندون جونسون يقرر تخفيف الضغط على إسرائيل تجاه الملف النووي ويعلن لمستشاريه أنه ينوي معالجة الأمر بصورة مضبوطة.

– 1963: بدء تشغيل مفاعل ديمونة، ومصادر تؤكد أن إسرائيل تستخرج سنويا من الماء الثقيل الذي اشترته من النرويج 32 كيلوغراما من البلوتونيوم.

– 1965: واشنطن وتل أبيب تتوصلان لتفاهمات سرية تقضي بأن "على إسرائيل الالتزام بأن تكون الدولة الأولى التي تـُدخل السلاح النووي إلى المنطقة"، مقابل إلغاء الرقابة الأميركية على مفاعل ديمونة والموافقة الأميركية على حيازة إسرائيل للسلاح النووي.

– 1966: نجاح إسرائيل في تصنيع أول قنبلة نووية.

– 1968: بلجيكا تبيع لإسرائيل 20 طنا متريا من اليورانيوم رغم علمها بأنها ستستخدمها لأغراض التسلح النووي.

– 1973: إسرائيل تهدد باستخدام سلاحها النووي خلال حربها مع العرب، وتنشر صواريخ وقاذفات محملة برؤوس نووية وتوجهها نحو مواقع القيادة والسيطرة في القاهرة ودمشق.

– 1986: الخبير في مفاعل ديمونة الإسرائيلي مردخاي فعنونو يكشف لصحيفة صنداي تايمز اللندنية النقاب عن معلومات نووية إسرائيلية موثقة بنحو 60 صورة من مفاعل ديمونة.

– 1987: النرويج تعلن أن إسرائيل ترفض السماح لها بمراقبة استخدام الماء الثقيل الذي نقلته النرويج لإسرائيل أواخر الخمسينيات.

– 1991: مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة يبحث ملف البرنامج النووي الإسرائيلي.

– 1992: الاستخبارات الألمانية تقول إن 40 عالما نوويا روسياً وصلوا إسرائيل ضمن أفواج المهاجرين اليهود، وانخرطوا في البرنامج النووي الإسرائيلي.

– 1997: الخبير الكيميائي البروفيسور سعاديا عامنوئيل -الذي أنشأ المختبرات الساخنة داخل مفاعل ديمونة- يرفع أول دعوى قضائية ضد السلطات الإسرائيلية، بعد إصابته بالسرطان بسبب إشعاعات المفاعل.

– 2003: الدول العربية تسحب مشروع قرارها الذي تقدمت به للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، ويطالب إسرائيل بتوقيع معاهدة منع الانتشار النووي والسماح للأمم المتحدة بتفتيش برنامجها النووي.

– 2004: رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية حينها محمد البرادعي يقر بوجود "برنامج نووي إسرائيلي متطور"، لكنه يؤكد أن "حجمه غامض" بالنسبة لوكالته.

– 2004: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الصحفي البريطاني بيتر هونام الذي نشر 1986 الأسرار التي كشفها خبير الذرة الإسرائيلي مردخاي فعنونو حول الأسلحة النووية الإسرائيلية.

– 2004: رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أرييل شارون يقول إن "سياسة الالتباس حول القطاع النووي التي نتبعها أثبتت جدواها وستستمر".

– 2004: الحرس الثوري الإيراني يهدد بضرب مفاعل ديمونة والمخزونات النووية الإسرائيلية إذا قامت تل أبيب بمهاجمة مفاعل بوشهر النووي الإيراني.

– 2005: صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تفيد بـ"سرقة برامج سرية" تتعلق بإنتاج مياه ثقيلة في محطة ديمونة النووية الإسرائيلية ضمن قضية تجسس صناعي واسع النطاق.

– 2005: رئيس الوزراء النرويجي الأسبق كوره فلوك يؤكد أن النرويج تتحمل تبعات أخلاقية جراء بيعها إسرائيل مياهاً ثقيلة لاستخدامها في صنع السلاح النووي.

– 2006: لجنة خبراء دوليين برئاسة المفتش الدولي السابق هانز بليكس -الذي تولى التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق 2003- تطالب إيران وإسرائيل بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.

– 2006: رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت يقر ضمنا -في حديث لقناة تلفزيونية ألمانية- بامتلاك إسرائيل للسلاح النووي بقوله: "هل يمكنكم أن تقولوا إن الأمرين متساويان عندما يتطلعون (الإيرانيون) لامتلاك أسلحة نووية مثل أميركا وفرنسا وإسرائيل وروسيا".

– 2008: السلطات الأميركية تعتقل مهندسا أميركيا للاشتباه في منحه إسرائيل أسرارا بشأن الأسلحة النووية والطائرات المقاتلة وصواريخ الدفاع الجوي في ثمانينيات القرن العشرين.

– 2008: الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر يقول -في تصريحات نشرتها صحيفة "تايم" اللندنية- إن إسرائيل تمتلك 150 رأسا نوويا، وتل أبيب تقول إنها "غير معنية بالرد عليه".

– 2008: النائب البرلماني الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان (وزير الخارجية لاحقا) يدعو إلى إلقاء قنبلة نووية على مدينة غزة خلال الحرب 2008-2009 لإيقاف إطلاق القذائف الصاروخية.

– 2009: الوكالة الدولية للطاقة الذرية تصدر قرارا يدعو إسرائيل إلى التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وفتح منشآتها للتفتيش الدولي.

– 2010: دول عدم الانحياز تطالب -في اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية- بانضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تعتبران أن توقيت الطلب ومكانه غير مناسبين.

– 2010: المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو يدعو إسرائيل إلى التفكير في الانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي الدولية، ووضعِ كل منشآتها النووية تحت إشراف مفتشي الوكالة.

– 2010: إسرائيل تقول إن إحدى طائراتها العسكرية أسقطت "جسما طائرا مريبا" يبدو أنه بالون غير مأهول، بعدما حلق فوق مفاعل ديمونة النووي.

– 2013: رئيس الكنيست السابق أفراهام بورغ يشارك في تنظيم "مؤتمر حيفا الدولي من أجل شرق أوسط خال من سلاح الدمار الشامل" ويقول -في تصريح غير مسبوق لمسؤول إسرائيلي- إن "لإسرائيل سلاحا نوويا وكيميائيا، ومن الواجب إجراء نقاش عام مفتوح وشجاع حوله".

– 2014: الإدارة الأميركية تفرج عن وثائق سرية رسمية تفيد بأن واشنطن وافقت عام 1969 على وجود خيار نووي لدى إسرائيل.

– 2014: الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ترفض -بضغط من الدبلوماسية الغربية- مشروع قرار عربي ينتقد إسرائيل بسبب ترسانتها النووية.

المصدر : الجزيرة