الأفغان العرب

تصميم فني عن الغزو السوفياتي لأفغانستان
تعبير إعلامي أطلق بداية على مجموعات عربية قاتلت السوفيات في أفغانستان ثم عادت إلى أوطانها فاتجه بعض أفرادها إلى العنف، ثم تطور المصطلح ليشمل كل عربي قاتل أو تدرب في أفغانستان.

الخلفية الفكرية
تنتمي أغلبية "الأفغان العرب" إلى خط فكري سياسي يمكن أن يطلق عليه الاتجاه الجهادي السلفي، وهو إطار فكري مشابه للإطار الفكري للجماعات والتنظيمات التي ينتمون إليها. وتعتبر بعض كتابات ابن تيمية وبعض مؤلفات ابن القيم -خاصة ما يتعلق بالجهاد والعقيدة- من مصادر التراث المعتمدة لديهم.

أما بالنسبة للكتابات المعاصرة فقد استندوا إلى قراءاتهم وفهمهم لبعض أفكار سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي، ولا سيما فيما يتعلق بمفاهيم الجاهلية والحاكمية والعصبة المؤمنة، وفي رؤيتهم للواقع وكيفية التعامل معه.

واعتمدوا كذلك على ما ألفه بعض قاداتهم عن تصنيف الحكام وأحكامهم والطائفة الممتنعة عن شعيرة من شعائر الإسلام والعذر بالجهل، وغير ذلك مما ظهر في كتيبات مثل "الفريضة الغائبة" و"منهاج العمل الإسلامي للجماعة الإسلامية" و"المنهاج الحركي لجماعة الجهاد" و"الحصاد المر" و"حكم قتال الطائفة الممتنعة"، وغيرها من العناوين.

ويمكن رصد الملامح الأساسية لفكر الأفغان العرب على النحو التالي:

– يعتبر الأفغان العرب الحكومات القائمة في البلدان العربية والإسلامية غير شرعية.

– يؤمنون بأن الجهاد بمعنى القتال هو الوسيلة الأساسية لتغيير هؤلاء الحكام.

– يرفضون التعامل مع مؤسسات الدولة بحجة أنها تدعم دولة الكفر والطاغوت.

– يجوز عندهم تغيير المنكر والأمر بالمعروف دون إذن من السلطات المختصة طالما توفرت شروطه الشرعية لديهم.

– ينظر بعضهم إلى المجتمعات العربية والإسلامية على أنها كافرة والبعض يراها جاهلية في تصوراتها وتشريعاتها وعاداتها والبعض الثالث ينظر إليها على أنها مغلوبة على أمرها.

– يعتقد بعضهم (مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا) بوجوب قتال الحكومات العربية والإسلامية بوصفها طوائف ممتنعة عن تطبيق شرائع الإسلام.

ولا بأس عندهم في سقوط ضحايا أبرياء أثناء هذا القتال استنادا إلى ما يسمونه بحكم التترُّس أو التخفي الذي يجيز -كما يقولون- قتال الطائفة الممتنعة حتى ولو تخفت أو تترست بمجموعة من المسلمين الأبرياء، فيجوز عندهم قتال الجميع، ومن مات من الأبرياء يبعث على نيته يوم القيامة.

يستحوذ مفهوم "الولاء والبراء" على حيز كبير من المنطلقات الفكرية لفصائل "الأفغان العرب"، وينادون بالبراء من غير المسلمين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية والعالم الغربي، ويلحقون بهم حلفاءهم من الأنظمة في العالم الإسلامي.

وعلى المستوى التنظيمي، تتعدد الهياكل والانتماءات التنظيمية التي ينتمي إليها "الأفغان العرب"، فبعضهم ينتمي إلى تنظيمات قديمة نشأت في بلدانهم الأصلية مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وجماعة التكفير والهجرة في مصر، وجيش عدن أبيَن الإسلامي في اليمن.

وبعضهم الآخر كان ينتمي إلى تنظيمات نشأت على الأرض الأفغانية والباكستانية واستمرت حتى الآن مثل "تنظيم القاعدة" التابع لابن لادن، الذي تطور إلى ما يعرف بالجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين التي أعلن تشكيلها في فبراير/شباط 1998، وذلك عبر التحالف مع جماعة الجهاد المصرية والجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية.

وهناك تنظيمات أخرى نشأت أيضا في أفغانستان أو باكستان ثم اندثرت، مثل جماعة الخلافة وجماعة الفطرة، كما يوجد من بينهم أفراد لا ينتمون إلى تنظيم معين.

النشأة والمسيرة
ترتبط نشأة قضية "الأفغان العرب" -أو "المجاهدون الأنصار" كما يسمون هم أنفسهم- بقدوم العرب إلى أفغانستان خلال ثمانينيات القرن العشرين، ويمكن تحديد أسباب هذا القدوم في النقاط التالية:

– مساندة المجاهدين الأفغان في حربهم مع قوات الاتحاد السوفياتي التي غزت بلادهم منذ أواخر سنة 1979 وطوال عقد الثمانينيات، ثم في حربهم على الحكومة التي نصبها السوفيات قبل انسحابهم من البلاد وحتى أبريل/نيسان 1992.

– العمل في المجال الإغاثي داخل أفغانستان وفي مناطق اللاجئين الأفغان بباكستان.

– الالتحاق بمعسكرات التدريب العربية في أفغانستان وذلك بعد عام 1992.

– العيش في أفغانستان فرارا من دولهم خوفا من الاعتقال.

وقد ساعدت الظروف الدولية والإقليمية في وجود المقاتلين والإغاثيين العرب في أفغانستان وباكستان، وهو ما لم يتوفر لعمليات مقاومة مسلحة أخرى سابقة للقضية الأفغانية مثل القضية الكشميرية والفلسطينية، أو لاحقة بها مثل القضية البوسنية أو الشيشانية.

فقد شجعت الحرب الباردة الولايات المتحدة على مساعدة الشباب الإسلامي على التوجه إلى أفغانستان وباكستان للاشتراك في محاربة السوفيات أو في العمليات الإغاثية هناك، خاصة أن واشنطن كانت تعيش التجربة الفيتنامية التي دعم فيها الاتحاد السوفياتي الثوار الفيتناميين، فكانت الحرب الأفغانية فرصة للانتقام منه.

سمحت الحكومات العربية -الصديقة للولايات المتحدة والتي كانت تخشى من المد الشيوعي- لكثير من مواطنيها بالسفر للتطوع والاشتراك في الحرب الأفغانية. وكانت أهم الدول التي قدمت دعما سياسيا واقتصاديا وعسكريا للمجاهدين الأفغان هي السعودية وباكستان ومصر والكويت.

وهكذا قامت هذه الدول -بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه)- بتوفير تذاكر سفر وخطوط الطيران الدائم إلى بيشاور وإسلام آباد، كما دفعت هيئات الإغاثة التابعة لها إلى العمل في بيشاور وأفغانستان لصالح العرب والأفغان، بل وسمحت السلطات الأميركة بفتح 38 مركزا لجمع وإرسال التبرعات لصالح الجهاد الأفغاني.

كما كان للمجلات العربية المتخصصة في الشأن الأفغاني دور كبير في إذكاء الروح المعنوية ودفع الشباب للتوجه إلى أفغانستان، وكان يسمح بتوزيعها في أكثر دول الخليج والسودان والأردن، في حين كانت تهرب إلى دول المغرب العربي والعراق وسوريا.

في سنة 1981 وصل إلى باكستان من يوصف بأنه "أول الأفغان العرب" وهو الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام، معارا من جامعة الملك عبد العزيز في جدة إلى الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، وبعد سنوات التحق بأحد مكاتب المجاهدين التابعة للاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان بزعامة الشيخ عبد رب الرسول سياف.

بدأ الرجلان التعاون في جهود تنظيم استقطاب واستقبال المتطوعين العرب من خلال مكتب خدمات المجاهدين الذي أسسه عبد الله عزام، وأخذت أعداد المجاهدين العرب تتزايد بالمئات خلال 1982-1984، ثم بلغوا الآلاف إثر التحاق أسامة بن لادن بميدان المعركة مساعدا لعزام وممولا لأنشطة مكتب الخدمات، طبقا لما ورد في وصية كتبها عزام واطلعت عليها الجزيرة.

وتتفاوت التقديرات للأعداد التي بلغها المجاهدون العرب في أفغانستان، فبينما يؤكد أحد قادتهم وهو عبد الله أنس أن "مجموعهم لم يتجاوز بضعة آلاف، كان منهم المتفرِّغ في داخل الجبهات وهم قلة، ومنهم الطبيب في بيشاور، ومنهم السائق، ومنهم المعلم في المعاهد الدينية والشرعية"، ويرى مدير الاستخبارات الباكستانية الأسبق حميد غول أنهم "كانوا حوالي 38 ألفا".

شكلت مدينة بيشاور الباكستانية بيئة جديدة للعرب القادمين إلى أفغانستان الذين سموها "بوابة الخلافة المفقودة"، وما كانت بيشاور لتكون كذلك لولا لقاء عزام وأسامة بن لادن الذي ساهم إلى درجة بعيدة في تأسيس العمل العربي الجهادي والإسنادي في أفغانستان.

كان معظم المقاتلين العرب القادمين إلى جبهات القتال آنذاك يفتقرون إلى الخبرة العسكرية واللياقة البدنية، بل كان الكثير منهم يلمس السلاح لأول مرة في جبهات القتال ذاتها، ثم تطورت الأوضاع وأنشئت معسكرات للتدريب كان أهمها "معسكر مأسدة الأنصار" الذي أنشأه بن لادن، و"معسكر صدى" التابع لمكتب خدمات المجاهدين الذي يشرف عليه عزام، إثر انفصال الرجلين عام 1987.

وبينما اكتفى عزام بالعمل مع شباب ينتمون فكريا إلى جماعة الإخوان المسلمين وإن كان كثير منهم لا ينتظمون في صفوفها، فتح بن لادن معسكراته لاستقبال المتطوعين والإنفاق عليهم وتدريبهم خاصة الشباب القادم من دول الخليج العربي، فأصبح "معسكر الأنصار" منطلقا لما عرف لاحقا بـ"تنظيم القاعدة" بعد تعاظم تأثير "جماعة الجهاد" المصرية الفكري على بن لادن.

وهكذا أعيد تنظيم الوجود العربي في أفغانستان بناء على التوجه الفكري، فانتسب لتنظيم القاعدة الكثير من العرب القادمين من دول الخليج العربي، وكان التنظيم يرسل دعاته إلى مكة لاستقطاب الشباب القادم من البلاد العربية للالتحاق بالقتال إلى جانب المجاهدين الأفغان.

واستفادت "جماعة الجهاد" المصرية من بن لادن وتنظيم القاعدة في توفير مصادر تمويل لبرامجهم التدريبية والثقافية، فكان لهم نفوذ في معسكرات تدريب القاعدة مثل "معسكر الفاروق" و"معسكر الصديق". كما أسسوا لهم مركزا ثقافيا عرف بـ"مركز النور" في مدينة بيشاور الباكستانية.

أما "الجماعة الإسلامية" المصرية فظلت محتفظة بخصوصيتها التنظيمية وأصدرت مجلتها "المرابطون"، وإن استفادت من تدريب عناصرها في معسكرات القاعدة.

ميدانيا، كان من أهم المعارك التي خاضها الأفغان العرب مع القوات السوفياتية معركة جلال آباد (وتعرف بـ"الانحياز") التي قـُتل فيها عشرات من العرب، ومعركة "مأسدة الأنصار" في جاجي بجلال آباد أيضا أواخر 1987، وكانت تعبيراً عن العصر الذهبي للأفغان العرب الذين وصفهم خبراء عسكريون بأن "أحدهم كان يساوي عشرة أفغان".

وفي معركة "مأسدة الأنصار" سطع نجم أسامة بن لادن في سماء المجاهدين قبل أن يزعم "تنظيم القاعدة"، وبرز أبو حفص المصري الذي أصبح لاحقاً المسؤول العسكري للتنظيم، كما شارك عبد الله عزام في خطوطها الخلفية بمعسكر يتبع للقائد الأفغاني عبد رب الرسول سياف.

وأمام المقاومة العسكرية الضارية -التي قادها المجاهدون الأفغان ومساندوهم العرب ولقيت دعما إقليميا وعربيا ودوليا هائلا- لم يعد أمام السوفيات غير الهزيمة، فسحبوا قواتهم من البلاد في فبراير/شباط 1989 تاركين البلاد لحكومة موالية لهم بقيادة الجنرال نجيب الله الذي تولى الحكم سنة 1986.

واصل المجاهدون قتالهم لنظام نجيب الله حتى تمكنوا من إسقاطه بالاستيلاء على العاصمة كابل في أبريل/نيسان 1992 ولجأ هو إلى مقر بعثة الأمم المتحدة، وأعلن قيام حكومة المجاهدين، لكن خلافات عميقة نشبت بين هؤلاء سرعان ما أدت إلى حرب أهلية طاحنة بين فصائلهم المسلحة.

انغمس بعض العرب في هذه الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين فصائل المجاهدين، فانضم بعضهم إلى قوات قلب الدين حكمتيار الذي دعا من استقر منهم في بيشاور بباكستان إلى الدخول إلى الأراضي الأفغانية، بعد أن بدأت الأجهزة الأمنية الباكستانية في ملاحقتهم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لبعض الدول العربية، وانضمت أعداد أقل إلى قوات أحمد شاه مسعود.

كما بقي فريق آخر في معسكرات التدريب التابعة للاتجاهات الإسلامية المختلفة، مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين، وتنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن، والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية والجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية.

وبينما رفض بعضهم الدخول في هذه الحرب وقرر الذهاب إلى مناطق أخرى من العالم للقتال مع شعوب مسلمة أخرى مثل البوسنة وكشمير والصومال وطاجيكستان والشيشان، فضل جزء آخر العودة إلى بلدانهم بـ"برنامج جهادي" عماده حمل السلاح ضد حكوماتهم، مما أسفر عن عمليات قتل واغتيال وتدمير كبيرة.

وإبان حكم طالبان 1996-2001 رأت بعض فصائل الأفغان العرب توجيه جهودها لمحاربة الولايات المتحدة التي تقود كما يقولون "تحالفا دوليا صليبيا على الإسلام".

العودة إلى الأوطان
أعلنت التنظيمات التي شكلها "الأفغان العرب" العائدون بخبراتهم العسكرية في أوطانهم عن مسؤوليتها عن العديد من حوادث العنف التي وقعت في بعض البلدان العربية والأجنبية، كما اتهمتهم أجهزة الأمن في تلك البلدان بحوادث أخرى نسبتها إليهم، وكان من أشهر تلك العمليات:

أولا: في مصر
– محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري زكي بدر في ديسمبر/كانون الأول 1989 والتي اتهم فيها عناصر ثبت أنهم تدربوا في أفغانستان.

– اغتيال رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور رفعت المحجوب في أكتوبر/تشرين الأول 1990.

– محاولة اغتيال وزيري الداخلية حسن الألفي والإعلام صفوت الشريف عام 1993.

– محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك بإثيوبيا في يونيو/حزيران 1995 واتهم فيها القيادي مصطفى حمزة أحد أبرز الشخصيات في الأفغان العرب المصريين.

– تفجير السفارة المصرية بإسلام آباد في نوفمبر/تشرين الثاني 1995 الذي زاد على أثره التعاون الأمني بين مصر وباكستان والولايات المتحدة لملاحقة الأفغان العرب.

وقد نجم عن تضييق هامش الديمقراطية وعدم السماح للتيارات الإسلامية المعتدلة التي يمكن أن تغير من هذه الأفكار المتشددة والممارسات المتطرفة بالعمل العلني ومنحها الشرعية القانونية واقتصار التعامل مع هذا الملف على المنظور الأمني، دخول البلاد في دوامات من العنف تمثلت في استمرار مسلسل القتل والاغتيالات التي شملت مختلف الرتب من رجال الشرطة المصرية.

كما وقعت اغتيالات مضادة اتهمت تلك الجماعات الدولة بالقيام بها وخاصة فيما يتعلق بالإفراط في استعمال الذخيرة الحية أثناء القبض عليهم، واستمر هذا المسلسل إلى أن توقف إثر مبادرة إيقاف العنف التي وقع عليها القادة التاريخيون لهذه الفصائل والتنظيمات داخل السجون المصرية عام 1998.

ثانيا: في الجزائر
لعب "الأفغان العرب" في الجزائر دورا مهما في الأحداث التي شهدتها البلاد منذ تدخل الجيش لإلغاء نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في يناير/كانون الأول 1992، فقد ترافقت تلك الأحداث مع عودة الجزائريين من أفغانستان.

وانضم العديد منهم إلى الجماعة الإسلامية المسلحة (جيا) التي تأسست في العام نفسه. وفي العام التالي (1993) تولى قيادتها جعفر الأفغاني الذي شارك في الحرب على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

وانتهج "الأفغان" العرب في الجزائر نهجا عنيفا في التعامل مع الأحداث السياسية ونسب إليهم العديد من العمليات العسكرية أهمها:

– خطف أعضاء في السفارة الفرنسية بالجزائر عام 1993.

– محاولة اغتيال وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار.

– محاولة تفجير مطار هواري بومدين عام 1993.

– قتل 12 كرواتيا في الجزائر.

– تدمير العديد من المدارس وقتل أعداد كبيرة من المدنيين.

وبعد إعلان الجيش الإسلامي للإنقاذ عام 1997 هدنة بينه وبين قوات الأمن الجزائرية خفت بموجبها نوعا ما أعمال العنف، حاولت الجماعة تفعيل عملياتها المسلحة مرة أخرى عبر قيادة قمر الدين خربان الحاصل على اللجوء السياسي من بريطانيا، وذي العلاقة الوثيقة بأسامة بن لادن منذ أن كان مسؤولا عن مراكز تدريب الأفغان العرب في أفغانستان.

 

ثالثا: في السودان
بدأ تدفق "الأفغان العرب" على السودان عام 1990 حينما سمحت الحكومة السودانية بقيادة البشير والترابي للعرب والمسلمين بدخول السودان دون تأشيرة. ووصلها أسامة بن لادن عام 1992 بعد سقوط كابل، والتقى مع عدد كبير من الأفغان العرب المصريين من بينهم أيمن الظواهري وأبو حفص المصري ومصطفى حمزة.

وتميز نشاط الأفغان العرب في السودان بسمتين بارزتين:
1- النشاط الاستثماري:
حيث حول أسامة بن لادن جزءا من نشاطه التجاري إلى هناك واهتم بالمشاريع التنموية التي عمل فيها العديد من "الأفغان العرب"، وكان من أهم تلك المشاريع في السودان: إنشاء سد الروصيرص أحد أكبر السدود السودانية، وشق ترعتيْ كنانة والرهد، وبناء مطار بورتسودان الجديد، وإنشاء طريق التحدي للربط بين الخرطوم وشندي وعطبرة.

2- أعمال تنظيمية:
تمثلت في إنشاء معسكرات خاصة بالجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد للتدريب -حسب ما تؤكده مصر وإن كان ينفيه السودان- وقيام أفراد من "الأفغان العرب" بمحاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في يونيو/حزيران 1995 بأديس أبابا انطلاقا من الأراضي السودانية.

رابعا: في القرن الأفريقي
ظهر الأفغان في الصومال إلى جانب حركة الاتحاد الإسلامي و"أفغان القرن الأفريقي". وقد لفت غرق القائد العسكري لتنظيم القاعدة أبو عبيدة البنجشيري في مايو/أيار 1996 في بحيرة فكتوريا الأنظار إلى توغل "الأفغان العرب" في أفريقيا.

وتشير تقارير إلى اشتراك "الأفغان العرب" مع قوات التحالف الوطني الذي يرأسه محمد فارح عيديد في الحرب على القوات الأميركية التي نزلت الأراضي الصومالية تحت مسمى عملية إعادة الأمل في عام 1994، وقد أدت هذه الحرب إلى مقتل حوالي 20 جنديا أميركيا من القوات الخاصة، مما دفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الصومال.

أما في كينيا وتنزانيا فيبدو أن الأفغان العرب كانوا هناك أيضا، ومن أهم عملياتهم تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في تنزانيا ودار السلام في توقيت واحد في أغسطس/آب 1998.

خامسا: في بلاد الشام
ظهر "الأفغان العرب" في بلاد الشام أوائل عام 1993، ويبدو أن هناك تداخلا تنظيميا بينهم وبين تنظيم ما يعرف بـ"جيش محمد". وفي سوريا أعلنت السلطات هناك اعتقال مجموعة من "الأفغان العرب" الذين دخلوا البلاد بطريقة "غير قانونية" وحكمت عليهم بالسجن مددا مختلفة.

سادسا: في اليمن
سافر عدد كبير من اليمنيين إلى أفغانستان للاشتراك في الحرب على الاحتلال السوفياتي، وكان لهم في أفغانستان وبيشاور معسكرات خاصة بهم، وبرز منهم في الجانب العسكري طارق الفضلي الذي استوعبته الحكومة اليمنية فيما بعد وأصبح عضوا في حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، كما كان للشيخ عبد المجيد الزنداني دور ملحوظ في المجال الدعوي وقد كثر تردده على بيشاور.

وكان للأفغان العرب اليمنيين دور مهم بعد ذلك في الحرب الأهلية التي اندلعت بين اليمن الشمالي والجنوبي الذي كان يسيطر عليه الاشتراكيون عام 1994.

ومن التنظيمات اليمنية التي ضمت عددا كبيرا من "الأفغان العرب" تنظيم جيش عدن أبيَن الذي أعلن تأييده لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة عقب الضربة العسكرية الأميركية للسودان وأفغانستان عام 1998.

وكان من أهم أعمالهم تدمير المدمرة الأميركية "كول" في عدن أواخر عام 2000 التي أعلنت السلطات اليمنية أن بعض منفذيها هم من الأفغان العرب الذين تلقوا تدريبات متقدمة في أفغانستان.

سابعا: في السعودية
رغم استيعاب السعودية لعدد كبير من "الأفغان العرب" السعوديين الذين اشتركوا في الحرب على الاتحاد السوفياتي فإنها عانت من بعض العناصر الأخرى المعارضة للنظام. واتهمت سلطات الأمن السعودية هذه العناصر بالضلوع في بعض حوادث العنف التي شهدتها المملكة والتي كان من بينها:

– انفجار مكاتب البعثة العسكرية الأميركية في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 1995 الذي أسفر عن مقتل خمسة أميركيين وهنديَين وجرح 60 آخرين.

– انفجار الخُبر في الظهران يوم 25 يونيو/تموز 1996 الذي تسبب في مقتل 19 أميركيا وجرح 386 شخصا، من بينهم 17 سعوديا، و118 بنغاليا، و109 أميركيين، وأربعة مصريين وأردنيان، واعتبر ثاني أكبر عمل عسكري على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد انفجار بيروت عام 1983 الذي قتل فيه 241 جنديا أميركيا.

ثامنا: في ليبيا
برزت الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا منذ سنة 1995 وقامت باغتيال العديد من رجال الأمن الليبيين، ودخلت في مواجهات عديدة مع قوات الأمن والجيش الليبي خاصة في المنطقة الشرقية والوسطى مثل إجدابيا وبنغازي والبيضاء ودرنة، كما حاولت اغتيال العقيد القذافي قرب مدينة البيضاء.

تاسعا: العلاقة مع أميركا
مرت العلاقة بين الأفغان العرب والولايات المتحدة الأميركية بمرحلتين:

المرحلة الأولى
استمرت هذه المرحلة طوال عقد الثمانينيات أثناء الحرب على القوات السوفياتية في أفغانستان وتميزت بتقديم الدعم الواسع للمجاهدين الأفغان عموما ومن بينهم "الأفغان العرب"، وذلك كجزء من صراعها مع السوفيات إبان الحرب الباردة. وشجعت الولايات المتحدة بعض الأنظمة العربية على تقديم التسهيلات والدعم الرسمي والشعبي لهؤلاء المجاهدين.

المرحلة الثانية
بعد انسحاب الجيش السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي غيرت أميركا من إستراتيجيتها في التعامل مع "الأفغان العرب"، خاصة بعد أن ظهر ما أسمته "الإرهاب العابر للحدود" ومعاناة العديد من الأنظمة العربية الحليفة لها في منطقة الشرق الأوسط منه.

وبعد حرب الخليج الثانية وبقاء القوات الأميركية في المنطقة تحولت العلاقة إلى عداء ظاهر خاصة بعد أن أعلن "تنظيم القاعدة" عزمه على إخراج القوات الأميركية بالقوة من الجزيرة العربية، وتكوينه للجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين مطلع عام 1998، وإصداره فتوى غير مسبوقة تهدر دم الأميركيين وتبيح ضرب مصالحهم.

وكان من أشهر الأعمال التي اتهمت واشنطن بتنفيذها "الأفغان العرب":

– الهجمات العسكرية على القوات الأميركية في الصومال عام 1993، وأدت إلى مقتل 20 أميركيا وانتهت بانسحاب القوات الأميركية من هناك.

– التفجير الذي لحق بجزء من مركز التجارة العالمي في نيويورك وواشنطن في فبراير/شباط 1995، وأدى إلى مقتل ستة أميركيين وجرح نحو ألف شخص وخسائر قدرت بأكثر من مليار دولار. وكان المنفذان الرئيسيان له رمزي يوسف وأحمد عجاج قد تقابلا في أفغانستان أثناء الحرب مع السوفيات.

– انفجار مكاتب البعثة العسكرية الأميركية بالرياض الذي أدى إلى مقتل خمسة أميركيين وهنديَين وإصابة 60 آخرين في نوفمبر/شباط 1995.

– انفجار الخبر في الظهران ومقتل 19 أميركيا وإصابة 386 شخصا، بينهم 17 سعوديا و118 بنغاليا و109 أميركيين و4 مصريين وأردنيان.

– تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا يوم 17 أغسطس/آب 1998، أسفر عن مقتل 263 شخصا بينهم 12 أميركيا، وأعلن الجيش الإسلامي لتحرير المقدسات الإسلامية مسؤوليته عنه ويعتقد أنه الجناح العسكري لتنظيم القاعدة.

– تفجير برجيْ مركز التجارة العالمي يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك وجزء من مبنى وزارة الدفاع في واشنطن، الذي أكدت الولايات المتحدة الأميركية أن تنظيم القاعدة الذي يرأسه بن لادن وتؤويه حركة طالبان هو المشتبه به الرئيسي في تنفيذه.

ومنذ تلك التفجيرات والولايات المتحدة تحشد كل قواتها في حرب عسكرية ودبلوماسية واستخباراتية للقضاء على طالبان وحلفائها من "الأفغان العرب".

وقد بدأت هذه الحرب في أكتوبر/تشرين الأول عام 2001 حين غزت الولايات المتحدة مدعومة من دول أخرى أفغانستان، بينما قامت قوات "تحالف الشمال" (الجبهة الإسلامية القومية لتحرير أفغانستان) بخوض معارك برية أدت إلى إسقاط حكم طالبان نهاية العام نفسه.

وبعد احتلال قوات "تحالف الشمال" مدينتيْ مزار شريف وقندز في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، وثقت تقارير إعلامية وحقوقية عمليات إعدام وتنكيل -على يد قوات تحالف الشمال- في حق المئات من الأجانب بينهم "الأفغان العرب"، وهو ما اعتبر ثأرا وتصفية حسابات قديمة مع "الأفغان العرب" الذين يتهمهم التحالف باغتيال زعيمه أحمد شاه مسعود على يد عربيَين، قبل أيام من هجمات أميركا.

المصدر : الجزيرة