الشيخ عبد الحميد كشك.. داعية عانى بسجون عبد الناصر والسادات

عبد الحميد بن عبد العزيز بن محمد كشك، عالم وواعظ وداعية مصري، فقد بصره وهو في سن السابعة عشرة، عارض اتفاقية كامب ديفيد واتهم حكومة مصر آنذاك بـ"خيانة الإسلام"، واشتهر بخطبه ضد الفساد. تعرض للاعتقال ومنع من الخطابة وعاش بقية حياته تحت الإقامة الجبرية في منزله.

يعد الشيخ عبد الحميد كشك أحد أشهر دعاة وخطباء القرن العشرين في مصر والعالم العربي والإسلامي، إذ لقب بـ"فارس المنابر" و"محامي الحركة الإسلامية"، وعرف بدفاعه الدائم عن حوائج البسطاء.

ترك وراءه رصيدا غنيا بالعلم والمعرفة يقدر بأكثر من 2000 خطبة مسجلة، وما يزيد عن 100 كتاب في مواضيع التربية والدعوة، إضافة إلى كتاب من عشر مجلدات بعنوان "في رحاب التفسير".

المولد والنشأة

ولد الشيخ الداعية والخطيب عبد الحميد كشك في 10 مارس/آذار 1933 في بلدة شبراخيت، ‏أحد مراكز محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية، وكان سليما معافى إلى أن أصيب برمد صديدي في عينيه، مما أفقده نور إحدى عينيه وهو لايزال في الثالثة عشرة من العمر، وفي السابعة عشرة فقد نور عينه الأخرى.

ونشأ عبد الحميد كشك في عائلة ذات مستوى معيشي متواضع، حيث كان والده تاجرا صغيرا في بلدته. وعلى الرغم كل ذلك استطاع أن يتغلب على إعاقته، ويميز نفسه بين أفضل خطباء العالم على مر العصور.

كثيرا ما كان يقول عن نفسه، مستشهدا بقول الصحابي عبد الله بن عباس: إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما.. ففي فؤادي وعقلي عنهما نور، مشيرا بإيمانه العظيم إلى أن الله أذهب بصره وأبدل هذا النور بنور القرآن الذي أضاء قلبه.

عبد الحميد كشك
الشيخ عبد الحميد كشك فقد بصره هو في الـ17 من عمره (الصحافة المصرية)

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى كشك تعليمه الابتدائي في المعهد الأزهري بالإسكندرية، والتحق بإحدى جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وهو صغير، فأتم حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ العاشرة من عمره.

ثم واصل تعليمه بالمعهد الديني بالإسكندرية، ومنه إلى المدرسة الثانوية الأزهرية إلى أن تخرج في القسم الثانوي بنيله االمركز الأول على المستوى الوطني بالرغم من كونه كفيف البصر.

والتحق كشك بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وتمكن من الحصول على أعلى تقدير طوال فترة دراسته بالكلية، لدرجة أنه بناء على طلب أساتذته كان يقوم بشرح بعض المواد الدراسية لزملائه في الفصل، ونال الشهادة العالميّة في عام 1961، ثم تخرج في كلية أصول الدّين من الأوائل عام 1964.

الوظائف والمسؤوليات

وبعد تخرجه من الأزهر، عين كشك معيدا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، لكنه سرعان ما استقال من الوظيفة لرغبته الملحة في ارتقاء المنابر التي واظب عليها منذ سن الثانية عشرة من عمره.

ومثل كشك الأزهر في عيد "العلم" عام 1961، ثم عمل إماما وخطيبا بعدة مساجد في القاهرة إلى أن صدر قرار تعيينه إماما بمسجد عين الحياة بمنطقة حدائق القبة بنفس المدينة.

مؤلفاته

تميز الشيخ كشك بأسلوبه الملفت في الوعظ، الذي يخاطب العقل، فبلاغته وقوة صوته، وجمال أسلوبه، وصدق كلماته، فتحت قلوب المتتبعين.

وللشيخ كشك عدة مؤلفات منها فتاوى، وما يزيد عن 100 كتاب وكتيب تتناول قضايا التربية والدعوة، وآلاف الأشرطة الصوتية المسجلة، وله بشكل خاص كتاب من عشر مجلدات بعنوان "في رحاب التفسير" يفسر فيه القرآن الكريم كاملا، إضافة إلى خطب استمرت لمدة 40 سنة.

الشيخ عبد الحميد كشك
الشيخ عبد الحميد كشك اعتقل أكثر من مرة في سجون النظاام المصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

البلاء مناجاة لله

"البلاء مناجاة لله" بهذه الكلمات ودع الشيخ عبد الحميد كشك والده الذي كان يدعو الله قبل وفاته بأن يعيد البصر لابنه، الذي قضى حياته مؤمنا بنعمة الابتلاء، ذاكرا غايات نزوله على المؤمن لما فيها من خيرات ورحمات، ورفع للدرجات وزيادة للحسنات.

وفي ذلك يقول الشيخ كشك "يوم نام أبي على فراش الموت كنت بجانبه، وكان يقول وهو يبكي كنت أود أن أتركك وأنت بصير العينين، فكنت أقول له يا أبتاه لعل الله يغفر لك بسبب صبرك على بلائي، فالبلاء مناجاة لله".

كشك والنظام

خاض الشيخ كشك العديد من المعارك ضد أهل السياسة في مصر ووجه سهام نقده لرؤسائها، فرغم تكريمه في عيد "العلم" عام 1961 من طرف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فإنه لم يتردد في انتقاد سياسته واعتقالاته في حق المعارضين السياسيين وكذلك إعدامه للداعية سيد قطب.

وقال كشك إنه تلقى تعليمات ليفتي بأن دم سيد قطب حلال لكنه رفض، مما أدى إلى اعتقاله بعدها بأيام قليلة، حيث قضى بموجب ذلك عامين ونصف العام في السجن.

وفي أوائل السبعينيات من القرن العشرين، بدأت تسجيلات الأشرطة السمعية لخطب الشيخ عبد الحميد كشك ودروسه تنتشر في جميع أنحاء مصر، وعند حلول أواخر السبعينيات أصبح الداعية الأكثر شعبية في العالم العربي، حيث ارتفع عدد الحضور في مسجده بشكل كبير.

وعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، قال الشيخ كشك إن "الحكومة خائنة للإسلام والسادات في ضلال مبين"، فهاجمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات بنفسه في خطاب 5 سبتمبر/كانون الأول الشهير 1981.

وتسبب ذلك في اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شنها السادات في السنة نفسها، فيما يعرف بقرارات سبتمبر/كانون الأول ضد المعارضين السياسيين، وأطلق سراحه عام 1982 بعد اغتيال السادات وتولي محمد حسني مبارك الرئاسة، وكان خروجه مباشرة إلى البيت، وتم منعه من الدعوة والخطابة.

وفي عهد الرئيس حسني مبارك تم منع الشيخ كشك من الخطابة ولم يسمح له بارتقاء المنبر حتى وفاته عام 1996.

الزنزانة 19

"ورأيتني أدور في زنزانة لأول مرة أدخلها ورجع بي شريط الذكريات لماذا أتواجد هنا، والمنافقون يأكلون ويرتعون ويتمتعون، وعلمت أنني بدأت أدفع ثمن الكلمة التي قلتها، وخلعت عمامتي ووضعتها وسادة تحت يدي، وخلعت جبتي وافترشتها على بلاط الزنزانة رقم 19 في معتقل القلعة، ومرت ساعات الليل وأنا أذكر الله، الذين اطمأنت قلوبهم ألا بذكر الله تطمئن القلوب".

هكذا خاطب الشيخ كشك أتباعه بعد خروجه من المعتقل، بحيث لم يخف مدى استغرابه من قرار اعتقاله، وشرع يسرد في قصص التعذيب الكثيرة التي عاشها في فترة اعتقاله، وبدأ يستعرض الانتهاكات الخطيرة التي تدور مجرياتها خلف قضبان السجون في مصر حينها.

ويقول كشك إن المعتقلين آنذاك كانوا يعانون من سوء التغذية ويروون عطشهم من مياه المجاري، علاوة على حرمان المصابين منهم من المساعدة الطبية المطلوبة.

وذكر كشك بأن السجن الحربي في عهد مديره حمزة البسيوني كان "قطعة من جهنم"، وأن العلماء والدعاة والمدنيين والسياسيين تعرضوا لممارسات تعذيب قاسية، وبكل وحشية تمثلت في الضرب المتكرر والجلد بالسياط والصعق بالكهرباء.

وتابع كشك أنه من أنواع التعذيب التي رآها في السجن الحربي أن الحراس كانوا يطفئون أعقاب السجائر في أجساد المساجين ويحبسون الكلاب المتوحشة في زنزانة واحدة مع السجين لتنهش جسده، هذه الكلاب التي وصفها الشيخ كشك ب "الكلاب الأعلى من الحمير" وأنهم كانوا يطعمونها أفخر أنواع اللحوم على حد قوله.

الوفاة

توفي عبد الحميد كشك في يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول من عام 1996 عن عمر يناهز 63 عاما، وكان الشيخ معروفا جدا في جميع أنحاء العالم بخطبه الحماسية يوم الجمعة، وموقفه الصريح ضد "الظلم والفساد والقمع في مصر والعالم الإسلامي".

كان عبد الحميد كشك كثيرا ما يدعو الله أن يقبض روحه وهو ساجدا يصلي حسب ما تروي عائلته، وتقول إنه في يوم وفاته تحقق له دعاؤه وانتقل إلى جوار ربه ساجدا في الركعة الثانية أثناء أدائه نافلة صلاة الضحى.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية