إيدهي "ملاك الرحمة": أنا راض عن حياتي

عبد الستار إيدهي باكستاني قضى حياته في العمل الخيري وأنشأ مؤسسة ضخمة للرعاية والإغاثة تقدم خدماتها داخل باكستان وخارجها ولديها أسطول ضخم من سيارات الإسعاف، ارتضى حياة الكفاف والعيش في شقة متواضعة رغم الأموال الطائلة التي مرت بين يديه، رفض السفر إلى الخارج للعلاج مفضلا المستشفى العمومي المحلي، وتوفي في التاسع من يوليو/تموز 2016. 

المولد والنشأة
ولد عبد الستار إيدهي عام 1928 في منطقة صغيرة بقرية بانتفا بالقرب من جونا غار في ولاية غوجارات الهندية.

تزوج عبد الستار عام 1965 من السيدة بلقيس، وهي ممرضة اشتغلت إلى جانبه في المؤسسة الخيرية التي كان يشرف عليها وحملت اسمه، وله منها أربعة أطفال: بنتان وولدان.

المسار الخيري
بدأ اهتمام عبد الستار بالعمل الخيري في الـ11 من عمره عندما أصيبت أمه بالشلل، ثم بمرض عقلي لاحقا، حيث تكلف بتنظيفها وتغيير ملابسها وتغذيتها بيده، فقد كانت تعتمد عليه كليا في كل شؤونها الخاصة، مما اضطره للتخلي عن الدراسة وتكريس كل وقته لأمه التي لقيت ربها وعمره آنئذ 19 عاما.

وكانت تلك تجربة أثرت فيه بشكل بالغ، حيث بدأ إيدهي يفكر في آلاف الحالات المشابهة لحالة أمه، خاصة ممن لا يجدون من يعتني بهم.

كما فكر أيضا في أن إنشاء سلسلة مستشفيات ومراكز صحية كفيل بأن يخفف معاناة المرضى وعائلاتهم، ووضع حد للمعاملة السيئة التي يتلقاها الذين يعانون من أمراض عقلية، تحديدا داخل المراكز المفترض أنها مخصصة للاستشفاء.

انتقل إيدهي برفقة أسرته إلى باكستان عام 1947 بعد الانفصال عن الهند، وشرع يعمل بائعا متجولا في مدينة كراتشي.

وبعد نحو سنتين قرر أن ينشئ مركزا صحيا صغيرا بدعم من بعض من معارفه، وبذلك اقتحم عالم العمل الخيري التطوعي، ثم سرعان ما أنشأ وكالة متخصصة في العمل الخيري حملت اسمه "إدهي تراست" (Edhi Trust).

وبعد إطلاق نداء لجمع التبرعات حصل إيدهي على مبلغ محترم خصصه لإنشاء مركز للولادة، وتجهيز المركز الصحي بسيارة إسعاف، مما شكل نافذة مهمة لسكان كراتشي ومحيطها وتقديم الخدمة الصحية لأكثر من عشرة ملايين شخص.

ومع كل تبرع جديد كانت خدمات إيدهي الصحية تتوسع وتتنوع حتى أطلق عليه الناس لقب "ملاك الرحمة".

شملت أنشطة مؤسسة إيدهي الخيرية الأطفال المهملين، وإلى جانب مركز الولادة أسس إيدهي قسما لرعاية اليتامى الذين كانوا يطلقون عليه لقب "نانا" وتعني "الجد".

وكان يسوق سيارة الإسعاف بنفسه ويطوف على أحياء مدينة كراتشي بنفسه لتقديم المساعدة الضرورية لمن يحتاجها.

وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي كانت تمر بين يديه بفضل تبرعات المحسنين فإن إيدهي حافظ على مستوى بسيط من العيش، وكان يقطن مع أسرته في شقة من بيتين ملاصقة للمقر الرئيسي لمؤسسته الخيرية، ولم يكن لا هو ولا زوجته يحصلان على أي راتب من المؤسسة.

أكثر من ذلك، فقد خاطب الجميع من خلال حوار صحفي عام 1991 قائلا "أطلب من الناس عدم المناداة علي للمشاركة في افتتاح مشاريع أو حضور مناسبات، فهذا مضيعة للوقت، وأنا في أشد الحاجة إليه لخدمة الناس".

كما تقدم المؤسسة الدعم لضحايا الكوارث مثل الحرائق والفيضانات، وتساعد على تزويج الفقراء، إلى جانب تقديم دورات تدريبية لمساعدات الناس على تنمية مواهبهم لمواجهة مصاعب الحياة، وتقدم أيضا دروسا ودورات تربوية دينية.

وقد توسع عمل مؤسسة إيدهي الخيرية ليشمل مدنا باكستانية أخرى بما يناهز 330 مركز رعاية، مما جعل مؤسسته تحمل رقما قياسيا في عدد سيارات الإسعاف التي يملكها (نحو 1500 سيارة إسعاف)، ويملك كذلك إسعافا جويا وبحريا.

وبحسب تقارير إعلامية، فقد تجاوز عدد الأيتام الذين قدم لهم الرعاية خمسين ألف يتيم، وأنقذ وربى أكثر من عشرين ألف لقيط، ودرب أكثر من أربعين ألف ممرض وممرضة.

وفي 2016 بلغ عدد الموظفين بمؤسسة إيدهي ألفي موظف، نحو خمسمئة منهم من النساء. ولم يقتصر دعم مؤسسة إيدهي على الباكستانيين، بل قدمت المساعدة في بنغلاديش وأفغانستان وإيران وسريلانكا وكرواتيا وإندونيسيا والولايات المتحدة بعد إعصار كاترينا.

الجوائز والأوسمة
حصد عبد الستار إيدهي ومؤسسته على جوائز وأوسمة كثيرة، من بينها جائزة رامون ماغسايساي لدعم الخدمة العامة وذلك في مانيلا بالفلبين عام 1986، إلى جانب جائزة بالزان الدولية عام 2000 في روما بإيطاليا وذلك لدعمه العمل الاجتماعي الخيري التطوعي.

كما دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية عام 2000 لضمه أكبر أسطول سيارات إسعاف تطوعية في العالم (نحو 1500 سيارة إسعاف)، وحصل أيضا على جائزة السلام في مومباي الهندية عام 2004، وجائزة أخرى مماثلة للسلام في حيدر آباد عام 2005.

وفي عام 2009 حصل إيدهي على جائزة لجنة مادنجيت التابعة لليونسكو لدعمه للسلام، كما حصل عام 2007 على جائزة غاندي للسلام عام 2007 في دلهي الهندية.

ورشح مرارا لنيل جائزة نوبل للسلام، وكانت لسمعته أصداء كبيرة في باكستان وهي دولة يقطنها 190 مليون نسمة ويتفشى الفساد داخل حكومتها وتتسم الصحة العامة وخدمات الرعاية فيها بالضعف.

الوفاة
توفي عبد الستار إيدهي في التاسع من يوليو/تموز 2016 بعد معاناة مع مرض الفشل الكلوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عمره، وأعلن رئيس الوزراء نواز شريف الحداد الوطني مدة يوم، وأمر بتنظيم جنازة رسمية للراحل أقيمت في كراتشي، وحضرها الآلاف وسط حراسة أمنية مشددة.

وقال شريف في بيان إنه "إذا كان هناك أحد يستحق أن يلف بعلم الوطن الذي خدمه فإنه هو بالتأكيد، كنت أتمنى لو أنه حظي بقدر أكبر من التقدير في حياته، ولكن أقل ما يمكننا فعله هو أن نكرم حياة كان ملؤها العطف والرحمة".

وظل الرجل مريضا لسنوات نتيجة إصابته بالفشل الكلوي، وعرضت حكومة شريف نقله جوا للعلاج في الخارج لكنه رفض قائلا إنه يرغب في العلاج بمستشفى عام في بلده.

وفي فبراير/شباط 2016 قال إيدهي لوكالة الأنباء الفرنسية وقد بدا عليه الوهن "لقد عملت كثيرا، أنا راض عن حياتي".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية