أبو الكلام آزاد.. إمبراطور التعليم في الهند

الموسوعة - Abul Kalam Azad
زعيم إسلامي بارز قاوم الاحتلال البريطاني للهند ورفض فكرة تقسيمها، كما رفض فصل الدين عن السياسة. تولى وزارة المعارف وأسس نظاما تعليميا حديثا ببلاده، لقّب بأبي الكلام بسبب شهرته في الخطابة والكتابة، ولقب نفسه "آزاد" أي الحر.

المولد والنشأة
ولد أبو الكلام محيي الدين أحمد بن خير الدين آزاد عام 1888م في مكة المكرمة، لكنه غادرها إلى كلكتا مع أسرته عام 1890، وتوفيت والدته وهو في الثالثة من عمره.

الدراسة والتكوين
استقدم له أبوه في بيته العلماء المتخصصين ليتولوا تعليمه تحت رعايته وتوجيهه، لأنه كان يعتقد أن المناهج الغربية ستقضي على العقيدة الدينية.

حفظ القرآن الكريم، وتعمق في اللغتين العربية والفارسية، وأتقن الإنجليزية، وعكف على دراسة كتب الفلسفة والتاريخ والفقه الإسلامي والآداب الحديثة، وجدّ واجتهد، وبلغ في قوة البيان حدا بعيدا، وكان له أثر كبير في تطوير أسلوب النظم المنمق بالأوردية.

التوجيه الفكري
تأثر بالمصلح الهندي سيد أحمد خان، وتتلمذ على جمال الدين الأفغاني، وحمل روحه في الحرية ومقاومة الاستعمار وكراهية الإنجليز، وتعمق في فلسفات الشرق والغرب، وكان أبرز من تأثر به الشاعر الإسلامي الكبير محمد إقبال.

رحل إلى مصر عام 1908 وزار الأزهر، واتصل بقادة الفكر الإسلامي، وخاصة السيد محمد رشيد رضا، وظل على صلة طيبة به.

التجربة الفكرية والدعوية والسياسية
أسس بعد عودته من مصر "جماعة حزب الله" وشعارها الآية الكريمة "مَن أنصاري إلى الله"، ثم أسس مدرسة "دار الإرشاد" على نسق "دار الدعوة والإرشاد" التي أسسها الشيخ محمد رشيد رضا في القاهرة.

وكان شديد الاعتزاز بالإسلام وحضارته، ففي إحدى مرافعاته أمام المحكمة وقف قائلاً: "أنا مسلم وأعتز بإسلامي، وبأن تقاليد الإسلام تراثي، وتعاليم الإسلام وتاريخه وفنونه وآدابه وحضارته، هي غنائي وثروتي، وواجبي أن أحتفظ بهذا التراث وبهذه الثروة".

رفض فصل الدين عن السياسة، ورأى أن على المسلمين أن يفهموا دينهم فهما صحيحا حتى يعينهم على التخلص من الاستعمار، وقال "إنه ليس هناك ما هو أدعى للخزي والمهانة من أن يحني المسلمون رؤوسهم أمام أفكار غيرهم السياسية، إن الإسلام لا يسمح لهم بأن يكونوا ذيلاً لغيرهم في أفكارهم، بل عليهم أن يدعوا غيرهم إلى مشاركتهم واتباعهم، ولو أنهم خفضوا رؤوسهم لله تعالى لخفض العالم رأسه أمامهم".

وقال: "قرّ عزمي على الاشتغال بالسياسة بعد عودتي للهند، وانتهيت إلى ضرورة تربية الرأي العام بإصدار مجلة".

وتولى في ولاية لكنهو إنشاء مجلة "الندوة" لسان حال ندوة العلماء، ثم سار إلى مدينة أمريتسار بالبنجاب، وتولى إنشاء صحيفة "الوكيل" الأسبوعية، ثم سكن كلكتا وأصدر بها صحيفة "الهلال" باللغة الأوردية عام 1912 فكانت نسيج وحدها في الصحافة الهندية الإسلامية، ومن منبرها أخذ يدعو المسلمين إلى التحرر العقلي والسياسي.

وفي مقالة منشورة له بالهلال وضّح هدفها بقوله: لا هدف للهلال إلا أن يدعو المسلمين إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله في كل الأعمال والمعتقدات، فلما صادرتها الحكومة البريطانية عام 1914 أصدر صحيفة "البلاغ" فصادرتها وعطّلتها عام 1916 وسجنته بسبب مواقفه أربع سنوات، ثم أقصته عن ولاية البنغال، وألزمته الإقامة في ولاية بهار.

وفي عام 1920 انتقل أبو الكلام من مرحلة الدعوة والإثارة الفكرية إلى مرحلة العمل والتطبيق، وانطلق نحو الجهاد والثورة، وإعلان حركة العصيان المدني ضد الاستعمار البريطاني.

ودعا المسلمين إلى مقاطعة البضائع الإنجليزية، وأيّد دعوة غاندي إلى اللاعنف، ورافقه عندما احتضن حركة الخلافة وفكرتها، وأجّج هذه الحركة بخطبه ومقالاته.

وترأس مؤتمر الخلافة في أكرة، وأيّد مبدأ ترك موالاة الحكومة الإنجليزية حتى زجّ في السجن بين عامي 1339 و1342، وقاد المسلمين إلى الجهاد، ودعاهم إلى الاعتصام بالكتاب والسنة في كل الأعمال والمعتقدات، والوقوف إلى جانب الدولة العثمانية في جهادها ضد أعدائها بالمال والنفس.

وأكد أنه لا يصح إسلام بغير جهاد، ونبّه رجال الحكومة البريطانية إلى تجنب الصدام مع دولة الخلافة، لأن الشرع يحتم على مسلمي الهند أن يكونوا مع دولة الخلافة، وأنكر على بعض المفكرين العرب، دعوتهم إلى اللامركزية.

انتُخب أبو الكلام نائبا لزعيم حزب المؤتمر في البرلمان الهندي، وتولى وزارة المعارف بين عامي 1948 و1958، فوضع أسس نظام تعليمي حديث في الهند، ركز فيه على اعتماد التكنولوجيا ومسايرة المتغيرات فلُقِّب بـ"إمبراطور التعليم".

وقف بحزم أمام فكرة تقسيم الهند بين المسلمين والهندوس، ورأى فيها إضعافا للمسلمين لتوزعهم بين دولتين إسلامية وهندوسية.

طاف كثيرا من بلدان الشرق الأوسط وأوروبا، واتصل بأهل الرأي ورجال السياسة، واستطلع أحوال المسلمين، وعرض قضية المسلمين في الهند.

ارتبط تاريخه بحركة التحرير الهندية، وكان العقل المدبر الذي واجهت به الهند دهاقنة الساسة الإنجليز. ترأس حزب المؤتمر وقاد الهند في أحلك الظروف، وتولى مفاوضات الاستقلال حتى ظفرت البلاد به عام 1947.

وأشاد به الزعيم الهندي جواهر لال نهرو فقال: قد ولد رجال كثيرون وسوف يولد كثيرون في المستقبل، ولكن لن تظهر شخصية عظيمة مثل مولانا آزاد في الهند، أو في أي بلد آخر في العالم، وأثنى عليه قائلاً: "كانت آراؤه الحرة النيّرة دائما ناضجة، وذلك لأنه كان وراءها علم غزير وعقل ناضج، وتدبير حكيم، وفراسة نادرة". ورأى أنه قد أدى خدمة كبرى للإسلام حينما قال: "إنه لا يمكن تحرير البلاد الإسلامية من قبضة الاستعمار إلا إذا تحررت الهند".

المؤلفات
نشر في عام 1931 تفسيرا للقرآن الكريم بعنوان "ترجمان القرآن" في مجلدين تضمن 15 جزءا بالأوردية، وقف فيهما عند سورة "المؤمنون"، وهو مسجون. وهو أعظم آثاره الفكرية فقد عرض فيه ترجمة للقرآن وتفسيرا له.

وله بحث هام في تحقيق شخصية ذي القرنين الواردة في القرآن الكريم، والسد الذي بناه على نحو لم يعرفه كثير من المفسّرين، وحاول في تفسيره إيجاد أساس مشترك بين الإسلام والأديان الأخرى، وصنّف كتاب "من دلائل النبوة"، ورسالة "غبار خاطر"، و"كاروان خيال".

وكان في شبابه قد ترجم إلى الأردية كتاب "المرأة المسلمة" لمحمد فريد وجدي، ووصف أبو الحسن علي الندوي هذه الترجمة بأنها مثال جميل للترجمة، وقطعة أدبية رائعة، وأثنى عليه الندوي ووصفه باللباقة والتحفظ، والذكاء والنبوغ، وبأنه نادرة في التذكر.

كتب بأسلوب بليغ مؤثر ومنطق سديد، وكان معتزا بتعاليم الإسلام وفنونه وآدابه وحضارته.

وفي مقالة منشورة بالعدد الأوّل من "البلاغ" دعا إلى فتح باب الاجتهاد والتحرر العقلي من الجمود، والقضاء على البدع والخرافات، فقال: "لا إصلاح إلا بدعوة، ولا دعوة إلا بحجة، ولا حجة مع بقاء التقليد، فإغلاق باب التقليد الأعمى، وفتح باب النظر والاستدلال هو مرد كل إصلاح".

وعني بالثقافة العربية فأنشأ "المجلس الهندي للعلاقات الثقافية" عام 1950 وأصدر بالعربية مجلة "ثقافة الهند".

كتب سيرته الذاتية "تذكرة" في السجن، وسجّل فيها فلسفته الثورية، وعقيدته في السياسية.

الوفاة
توفي أبو الكلام آزاد عام 1955.

المصدر : الجزيرة