ألويس ألزهايمر.. الطبيب الرسام الذي اكتشف مرضا حمل اسمه

الموسوعة - ألويس ألزهايمر Alois Alzheimer، مكتشف مرض خرف الشيخوخة.
ألويس ألزهايمر تخصص في الأمراض العقلية والنفسية وأسس مختبرا خاصا بها (الصحافة الألمانية)

ألويس ألزهايمر عالم نفس وأعصاب ألماني، ولد عام 1864 ببلدة صغيرة في فرانكونيا السفلى قرب مدينة فورتسبورغ، يرجع إليه الفضل في اكتشاف وتوثيق أول حالة للمرض الذي حمل اسمه "ألزهايمر".

تزوج من سيدة غنية وورث عنها ثروة كبيرة بعد وفاتها، مما أتاح له التفرغ للبحث العلمي والعمل باستقلالية، وكان يشتري المعدات والأجهزة للمختبر الذي يديره في ميونخ من ماله الخاص ويدفع أجور المصورين والرسامين، وتخرج في هذا المختبر العديد من علماء الأعصاب المشهورين.

الولادة والنشأة

ولد ألويس ألزهايمر يوم 14 يونيو/حزيران 1864 ببلدة ماركتبريت في فرانكونيا السفلى قرب مدينة فورتسبورغ، ينحدر من عائلة كاثوليكية، وكان والده كاتب عدل ملكيا في مملكة بافاريا.

توفيت زوجة والده الأولى بسبب حمى النفاس بعد وضع ابنها الأول، فتزوج من أختها وأنجب منها 6 أطفال، كان أكبرهم ألويس.

تزوج ألويس من سيسيليل جيشنهايمر في أبريل/نيسان 1894 وأنجبا 3 أطفال بين عامي 1895 و1900.

كانت زوجته غنية وسليلة عائلة يهودية، مما جعله شخصا مستقلا ماديا ويحظى بحياة الرفاهية، وتقول المصادر إنها كانت تذهب كل يوم بسيارتها إلى المدينة لتشتري التحف والأعمال الفنية، وكانت دائما تنظم حفلات عشاء واستقبال في منزلهما.

توفيت زوجته عام 1901 بعد بضعة أشهر من ولادة طفلهما الثالث، وكان عمرها 41 عاما، وانتقلت إحدى شقيقاته إلى فرانكفورت لمساعدته على رعاية أطفاله الثلاثة.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى ألويس ألزهايمر تعليمه الأساسي في المدرسة الابتدائية في ماركتبريت ثم المدرسة الثانوية في أشافنبورغ، وفيها ظهر شغفه بالعلوم.

بدأ دراسة الطب في جامعة فورتسبورغ لقربها من منزله، ثم أرسله والده إلى برلين قبلة الطب حينئذ، وفيها بدأ دراساته عن مسببات مرض الكوليرا، لكنه غادرها بعد فصل واحد وعاد أدراجه إلى جامعة فورتسبورغ.

خلال فترة دراسته كان مهتما بعلم التشريح وتعلم استخدام المجاهر، وحضر بعض المحاضرات عن الطب النفسي الشرعي، لكنه خلال التدريب السريري أبدى ميولا وانشغالا بجميع التخصصات السريرية باستثناء الطب النفسي.

حصل على شهادة الطب عام 1887 بامتياز بعد أن أعد أطروحة في موضوع الغدد المنتجة للشمع في الأذن، كان رساما بارعا، وقد استخدم براعته هذه في رسم أجزاء من الخلايا بدقة ووضوح لتفسير أطروحته.

المسار المهني

بعد تخرجه في كلية الطب لم يكن يخطط لممارسة مهنة الطب النفسي، لكن حدثا عارضا أثر على مساره المهني.

كانت العائلات الألمانية الثرية في نهاية القرن الـ19 تتبع أسلوبا غير معتاد في رعاية أقاربها المرضى عقليا، إذ كانت تستعين بخدمات طبيب شاب لمرافقة المريض في رحلة سفر طويلة.

تلقى ألويس عرضا لمرافقة مريضة عقلية، وسافر معها 5 أشهر من مايو/أيار إلى أكتوبر/تشرين الأول 1888، وبعد عودته من هذه الرحلة تقدم بطلب لشغل منصب مساعد في مستشفى للمرضى النفسيين ومرضى الصرع في بلدية فرانكفورت، وكان عمره وقتها لا يتجاوز 24 سنة.

قُبل في هذه الوظيفة مقابل 1200 مارك في السنة وغرفة للسكن ووجبة يومية، وخلال عمله في فرانكفورت لم يهمل اهتمامه بعلم التشريح الذي بدأ خلال فترة دراسته، وقد تعزز هذا الاهتمام أكثر بفضل تشجيع الطبيب الشهير فرانز نيسل الذي جاء من ميونخ للعمل في هذا المستشفى بعد عام من التحاق ألزهايمر به.

كان نيسل قد عمل على علم التشريح العصبي وعلم الأمراض العصبية عندما كان طالبا، واكتشف تقنية خاصة لنقع الخلايا العصبية في اللون الأحمر الأرجواني لجعل بنيتها مرئية، وهي التقنية التي أطلق عليها اسم "بقعة نيسل".

أصبح نيسل وألزهايمر زميلين وصديقين مقربين، وشجعه على مواصلة البحث إلى جانب عمله السريري، فعمل على موضوعات مثل الشلل الجزئي لدى الأطفال والشباب، وضمور الدماغ لدى المرضى الذين يعانون من تصلب الشرايين الدماغية والصرع والخرف، كما كانت لديه أفكار رائدة عن علاقة القشرة الدماغية ببعض الأمراض الذهانية.

في عام 1895 انتقل نيسل إلى هايدلبرغ للانضمام إلى الطبيب النفسي الألماني الشهير إميل كريبلين، وعين ألزهايمر خلفا له ومساعدا أول ونائبا لمدير المستشفى، وهو المنصب الذي شغله لمدة 7 سنوات.

MANASSAS, VA - NOV21: Consuela Rivera, 88, dances in her wheelchair with activity aide Tina Burhans-Robinson, during karaoke at Birmingham Green, an elder care residence in Manassas, VA, November 21, 2014. With the U.S. population aging and Alzheimer's more widespread, science is looking for ways to slow or delay the onset of dementia in aging Americans. Among the approaches is trying to determine whether art, music and dance or movement can also alleviate the problems attendant with dementia. The federal government is funding a study at Birmingham Green with George Mason University to see whether there is a scientific basis to believe that art is actually medically beneficial.
عام 1911 نشر ألزهايمر مقالة علمية عن أعراض الخرف في مرحلتي ما قبل الشيخوخة والشيخوخة (غيتي إيميجز)

نقطة التحول

كان عام 1901 نقطة تحول صعبة في حياته بعد وفاة زوجته، فأغرق نفسه في العمل في المستشفى وفي علاج المرضى وتوثيق الحالات التي ترد عليه، إلى أن فحص يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1901 المريضة أوغست ديتر التي كانت تبلغ من العمر 51 عاما، ووضعه هذا الفحص السريري على بداية منعطف جديد في حياته.

كانت أوغست تعاني من التشوش والاضطراب وبارانويا الشك، إذ كانت تعتقد أن زوجها على علاقة بسيدة ما، وفي بعض الأحيان كانت لا تتذكره، فذهب بها هذا الأخير إلى المستشفى النفسي في فرانكفورت بعد أن لم يعد قادرا على رعايتها بالمنزل، وهناك بدأ ألزهايمر توثيق تطور الأعراض عندها.

حسب سجلات المريضة، قدم لها الطبيب ألزهايمر مقتنيات حقيبتها، وهي عبارة عن قلم رصاص وقلم جاف ومفتاح وسيجارة، وكانت قادرة على تسميتها جميعا، ولكن عندما طلب منها بعد ذلك أن تذكر أسماءها دون أن تراها نسيت كل شيء، وطلب منها في المرة الثانية أن تكتب "السيدة أوغست"، وبعد أن كتبت "السيدة" نسيت تماما ماذا عليها أن تكتب بعد ذلك، وشخصت بأنها مصابة بمرض غير معروف.

انتقل ألزهايمر في نهاية 1902 للعمل في مستشفى هايدلبرغ بدعوة من عالم الأعصاب إميل كريبلين، وهو من أوائل مؤسسي الطب النفسي الحديث وصاحب نظرية وجود سبب بيولوجي للأمراض النفسية مقابل أفكار سيغموند فرويد الرائجة عن التحليل النفسي.

بعد شهر واحد انتقل معه إلى ميونخ للإشراف على إكمال بناء جامعة حديثة ومستشفى جامعي كبير للطب النفسي فيه مختبر حديث لعلم التشريح المرضي، ومزود بأحدث الأجهزة والمجاهر، مما مكن ألزهايمر من مواصلة أبحاثه التشريحية، لكنه بقي على تواصل مستمر مع مدير مستشفى فرانكفورت ومتابعا مسار تطور حالة مريضته أوغست إلى أن توفيت عام 1906.

بعد وفاتها أجرى تشريحا لدماغها واكتشف تقلصات وترسبات وتجاعيد غريبة فيه إلى جانب تشابك الأعصاب الليفية، وهو شيء لم يشاهده من قبل في حياته، وعرض حالتها في المؤتمر العلمي للأطباء النفسيين الألمان في خريف 1906 في توبنغن.

وصف ألزهايمر كل الأعراض التي أصابت مريضته، وخلص إلى أنها مصابة بمرض غريب يصيب القشرة الدماغية، ولم يكن التفاعل مع عرضه إيجابيا من العلماء والأطباء الحاضرين، حتى أن المحاضرة التي قدمها في المؤتمر لم تنشر إلا بعد عام من انعقاده.

ومع ذلك، لم يتخل عن بحثه واستمر في تعقب حالات مماثلة، وفي عام 1907 تابع حالة مريض في الـ65 من عمره حتى وفاته، وكانت تظهر عليه الأعراض نفسها التي كانت لدى مريضته الأولى، ثم ظهرت حالة ثالثة مماثلة.

في عام 1911 نشر ألزهايمر مقالة علمية موسعة عن أعراض الخرف في مرحلتي ما قبل الشيخوخة والشيخوخة، ووصف حالة مريضه الذي توفي بعد 3 سنوات من ظهور الأعراض عليه، وقبلها بعام كان إميل كريبلين قد ذكر هذه الحالة في كتابه المدرسي المعنون "الطب النفسي الإكلينيكي"، وأطلق على تلك الأعراض اسم مكتشفها ألزهايمر تكريما له.

البحث بلا مقابل

بعد افتتاح المستشفى في ميونخ في نوفمبر/تشرين الثاني 1904 عيّن ألزهايمر مساعدا أول لعالم الأعصاب كريبلين ومديرا لمختبر التشريح المرضي، ولم يتلق عن منصبه هذا أي أجر على الرغم من أنه كرس كل وقته للبحث، حتى أنه كان يدفع ثمن شراء معدات المختبر وأجور الرسامين والمصورين الفوتوغرافيين، إذ مكنته الثروة التي ورثها عن زوجته الغنية من الاستقلالية المهنية وتخصيص جل وقته للبحث بكل حرية.

تولى ألزهايمر رئاسة مختبر التشريح المرضي حتى عام 1912، وخلال هذه السنوات تدرب تحت إشرافه عدد من العلماء الشباب من مختلف بلدان العالم، وأصبحوا في ما بعد علماء مشهورين في أمراض الأعصاب أو أطباء نفسيين سريريين، ومن بينهم:

  • فريدريك لوي: يرجع إليه الفضل في اكتشاف كتل في الدماغ حملت اسمه وتعد مؤشرا على الإصابة بمرض باركنسون.
  • هانز جيرهارد كوتزفيلد وألفونس جاكوب: وصفا مرضا حمل اسميهما، وهو "مرض كروتزفيلد جاكوب"، وينتج عن تغير جين طبيعي يسمى بروتين البريون الخلوي ويصبح مسببا للمرض، حيث يتراكم في الدماغ ويؤدي إلى موت خلاياه تدريجيا.
  • يوغو سيرليتي: مخترع العلاج بالصدمة الكهربائية لمرضى انفصام الشخصية.
  • غيتانو بيروسيني: كان تلميذا ومعاونا لألزهايمر، وشارك معه في أبحاثه في اكتشاف وتعريف مرض ألزهايمر.

وفي 16 يوليو/تموز 1912 عيّن ألزهايمر أستاذا بجامعة الطب النفسي في بريسلاو ببولندا، لكن تدهور صحته جعله يخصص وقته لتكثيف دراساته العلمية وأبحاثه السريرية.

بهذا الأسلوب يمكن التخفيف من علامات الشيخوخة، مادة وراثية، جينات
العالم الألماني قدّم مساهمات علمية مختلفة في موضوعات الأمراض العصبية (دويتشه فيله)

مساهماته العلمية

إلى جانب اهتمامه بالمرض الذي حمل اسمه كانت له مساهمات وأبحاث علمية في موضوعات عصبية أخرى، مثل:

  • الهذيان الكحولي الحاد.
  • التصلب الكاذب الذي أطلق عليه لاحقا مرض ويلسون.
  • الخرف المبكر.
  • التشخيص التفريقي لأورام المخ.
  • الشلل التدريجي للصغار.
  • الصرع.
  • التهاب السحايا الصفراوي والتهاب الدماغ (الزهري العصبي).
  • الدباق النجمي.
  • مرض هنتنغتون.
  • الشلل الجزئي العام.
  • الشلل البصلي الهستيري.

الوفاة

بعد تعيينه أستاذا للطب النفسي والأعصاب في بريسلاو أصيب بنزلة برد حادة ومعقدة خلال رحلة سفره إلى مكان عمله الجديد لم يتعاف منها تماما، وظلت صحته تتدهور إلى أن توفي يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 1915 وهو في الـ51 من عمره جراء قصور في القلب.

دُفن بجانب زوجته بالمقبرة اليهودية في فرانكفورت، دون أن يدرك أن المرض الذي شخص أعراضه سيؤثر على حياة الملايين ويؤدي إلى إطلاق جهود بحثية دولية ضخمة.

وعلى الرغم من مرور أزيد من قرن على اكتشاف المرض فإن تشخيصه لا يزال يعتمد على أساليب البحث نفسها التي استخدمها ألزهايمر عام 1906.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية