عصام العريان

Essam El-Erian, deputy head of the Freedom and Justice Party, speaks during Egypt's Shura Council meeting in Cairo in this May 25, 2013 file picture. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh/Files

طبيب وسياسي وأحد أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين، عُرف بمنهجه الوسطي وبمبادراته السياسية الجريئة، وهو خطيب مفوّه وطالب علم نَهِم، ومناضل تعرفه ساحات النضال وسجون الاستبداد. اعتقل بعد الانقلاب ووجهت له تهم عديدة، وصدرت في حقه أحكام كثيرة بينها المؤبد.

جامعات مصر في السبعينيات من القرن الماضي.. رحم واسع تتعارك فيه بذور التيارات والأفكار والانتماءات يسارية ويمينية.. شيوعيون وقوميون واشتراكيون وناصريون وحكوميون وإسلاميون في مباراة تنافسية مفتوحة لاستقطاب الطلبة في أخصب مراحل الوعي والتكوين من حياتهم.

الناصريون فاعلون، فلهم امتدادات قوية، داخل وخارج الجامعة، ويتقاسمون مع الشيوعيين وبقية فصائل اليسار حضورا إعلاميا، أما الحكوميون فيحميهم ظهيرهم "المباحثي". 

وحدهم الإسلاميون في مرحلة "سيولة" فالإخوان، وخصوصا القادة، موزعون على ذكرى أسماء أُعدمت أو قُتلت" فنالت الشهادة"، أو سجنت فبقيت في "خلوة"، أو نفيت طوعا أو كرها لتعيش "سياحة" إجبارية، لكنّ ثمة تغييرا طرأ على المشهد حين فتح الرئيس الراحل محمد أنور السادات الباب أمامهم للعمل الطلابي في مواجهة خصومه من التيارات المناوئة له. 

في ظل هذه الأجواء، وإلى كلية طب قصر العيني إحدى "كليات القمة" بمصر قَدِم الطالب عصام العريان من قرية ناهيا -التابعة لمركز إمبابة بمحافظة الجيزة- للدراسة، فساقته الأقدار إلى أن يكون أحد قيادات الإخوان التي ساهمت فيما يمكن تسميته بـ"التأسيس الثاني" للجماعة ويسجل حضورا لافتا منذ ذلك الوقت وحتى اعتقاله للمرة الخامسة. 

المولد والنشأة
ولد عصام العريان يوم 28 أبريل/نيسان 1954 بقرية ناهيا مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، وهو نفس العام الذي ولد فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن عصام يكبره بنحو سبعة أشهر حيث ولد السيسي يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه. 

وبينما تحفل سيرة ومسيرة العريان المدنية بالعديد من المعارك السياسية للجماعة التي انتمى إليها، تخلو سيرة السيسي من خوض أي معركة أو حرب عسكرية، فقد تخرج في الكلية الحربية عام 1977 أي بعد مرور أربعة أعوام على حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 التي أراد لها السادات أن تكون آخر الحروب، وقد كان. 

الدراسة والتكوين
من يعرف العريان عن قرب يشهد له بأنه "رجل لا يعرف الفراغ". وتؤكد هذه الشهادة سيرته العلمية والسياسية والنقابية، ويتعجب من يعرفه عن قرب من كيفية إدارته لوقته، وهذه المهام التي اضطلع بها. 

فهو يعمل طبيبا، في تخصص أمراض الدم والتحاليل الطبية، وحصل على ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكية، وسجل للدكتوراه في الطب بجامعة القاهرة لكنها أعيقت بسبب اعتقاله المتكرر والمضايقات الأمنية من ناحية أخرى. 

لم يكتف العريان بدراسة الطب فحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة بتقدير جيد جدا وليسانس الآداب قسم التاريخ من نفس الجامعة عام 2000 وبنفس التقدير أيضا، كما درس في الأزهر ونال الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من تلك الجامعة العريقة، وهو مسجل لنيل درجة الدبلوم في القانون العام بجامعة القاهرة. 

التوجه الفكري
عرف العريان بأنه من أصحاب المنهج الوسطي، واعتبره بعض المعنيين بشؤون الجماعة من دعاة الإصلاح الداخلي لجماعة الإخوان وبأنه منحاز لمبدأ الإصلاح المتدرج. 

وقد تعرض لانتقادات إخوانية داخلية، خصوصا قبيل الانتخابات الرئاسية عندما نعت عبد المنعم أبو الفتوح المنشق عن الجماعة والمرشح للرئاسة وقتئذ بـ"الأخ المجاهد". ورغم معارضة العريان لترشيح أي من عناصر الإخوان للانتخابات الرئاسية فإنه اختير مستشارا سياسيا لمرسي عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية. 

استقال العريان من منصبه بعد سلسلة من المواقف وبسبب تدويناته على الفيسبوك، أبرزها دعوته لليهود المصريين بالعودة لمصر وتعويضهم عن أملاكهم التي تم تأميمها، على أن يعود فلسطينيو الشتات لأراضيهم، كذلك تصريحاته بشأن الإمارات خلال عضويته بمجلس الشعب مما دفع حزب الحرية والعدالة ممثلا برئيسه سعد الكتاتني إلى تأكيد أن تصريحات العريان لا تعبر عن الحزب. 

الوظائف والمسؤوليات
سجل العريان خلال دراسته بكلية الطب -وحتى تخرجه عام 1977 بتقدير جيد جدا- حضورا ودورا لافتيْن فأصبح أميرا للجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة، ثم منسِّقا لـ"مجلس شورى الجامعات بالاتحاد العام للجمعيات والجماعات الإسلامية" في نهاية السبعينيات الذي ترأَّسه المرشد السابق لجماعة الإخوان عمر التلمساني

وقد أسهم لدى التحاقه بالجماعة عام 1974 في تشكيل أول "أسر" إخوانية بمحافظة الجيزة، وأصبح مسؤولا عن اتحاد طلاب جامعة القاهرة، وانتخب رئيسا للاتحاد العام لطلاب الجامعات المصرية. وتولى أمانة اللجنة الثقافية باتحاد طلاب طب القاهرة خلال الفترة من 1972 وحتى 1977.

نقابيا انتخب عضوا بمجلس إدارة نقابة أطباء مصر عام 1986، وشغل منصب الأمين العام المساعد، وقام بتشكيل مؤسسة شعبية بهدف الوقوف إلى جانب شعب فلسطين، تدعى "ملتقى التجمعات المهنية لمناصرة القضية الفلسطينية". 

أما برلمانيا فقد انتخب عضوا بمجلس الشعب (البرلمان) بالفصل التشريعي 1987-1990 عن دائرة إمبابة، وكان أصغر عضو برلماني بتلك الدورة التي تم حلها قبل استكمال مدتها الدستورية. 

وهو عضو مؤسس للمؤتمر الإسلامي القومي العربي، وعضو مؤسس بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وعضو مشارك بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية والسياسية على مستوى العالم، في أوروبا وأميركا والعالم العربي والإسلامي. 

وكتب العريان لعدة صحف ومجلات ودوريات محلية وعربية ودولية، في موضوعات مختلفة. 

وقبل تأسيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين حيث تولى العريان منصب الأمين العام ونائب الرئيس، كان عضوا بمكتب الإرشاد للجماعة ومسؤول المكتب السياسي. 

التجربة السياسية
اعتقل العريان بسبب نشاطه السياسي والنقابي أكثر من مرة، ولمدد بلغت في مجموعها سبع سنين، ففي المرة الأولى اعتُقل عاما واحدا قبيل اغتيال الرئيس السادات من بداية سبتمبر/أيلول 1981 حتى نهاية أغسطس/آب 1982، وبعد مرور 13 سنة على تلك التجربة أفضت محاكمة عسكرية استثنائية إلى سجنه خمس سنوات قضاها في الفترة من يناير/كانون الثاني 1995 وحتى الشهر نفسه من عام 2000 بسبب انتمائه للإخوان. 

واعتقل مرة أخرى يوم 18 مايو/أيار 2006 ضمن مظاهرات مناصرة القضاة بالقاهرة، وتم تجديد حبسه لفترات متعددة حتى تم الإفراج عنه يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2006. لكنه اعتقل في يوليو/تموز 2007 وأفرج عنه في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، كما اعتقل من دون اتهام قبيل جمعة الغضب يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011 إلى أن خرج من سجن وادي النطرون برفقة مجموعة من قيادات الجماعة بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي

عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، شن العريان هجوما حادا على أركان الانقلاب وقائده عبد الفتاح السيسي مما وضعه تحت طائلة القانون بتهمه "إهانة القوات المسلحة" إلى جانب تهم أخرى تتعلق بالتحريض على قتل المتظاهرين. 

ونجح العريان -وفق مصادر أمنية مصرية- في "الإفلات من الملاحقة الأمنية التي قامت بأكثر من مائة مأمورية ضبط وإحضار فاشلة". وكانت وسيلته للتواصل مع أنصار الجماعة تسجيل رسائل وبثها على عبر الإنترنت والقنوات الفضائية. 

غير أن سلطات الانقلاب نجحت في القبض على العريان فجر الأربعاء 30 أكتوبر/تشرين الثاني 2013 في شقة بالتجمع الخامس بالقاهرة، واعتبرته ضربه أمنية موجعة للجماعة التي أصبح أغلب قادتها داخل السجون. 

حوكم الدكتور العريان في قضايا عديدة، وصدرت بحقه أحكام كان من بينها المؤبد يوم 30 أغسطس/آب 2014 في القضية المعروفة باسم مسجد الاستقامة.

أحالت محكمة جنايات القاهرة في 16 مايو/أيار 2015 أوراقه إلى المفتي في قضيتي الهروب من سجن وادي النطرون، والتخابر مع حماس، وقضت في اليوم نفسه بإعدامه في القضية الأولى وبالسجن المؤبد في القضية الثانية.

نفس صوفي
لم يغب الملمح الصوفي في شخصية العريان، فطالما عرف به خصوصا لمن شاركوه محنة السجن حيث كان يختار لهم يوميا حكمة من حكم ابن عطاء الله السكندري، معرجا -مع الشرح- على معانٍ تحلق بهم بعيدا عن كآبة الحبس. 

وها هو ينقل -دون شرح- هذه المرة عن ابن عطاء قوله "لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه، لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك". 

واختار العريان هذه العبارة لتكون آخر تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) من خلال هاتفه المحمول الذي لم يكن لديه غيره لحظة القبض عليه، ليتبعها بعبارة "اطمئنوا وإلى لقاء".

المصدر : الجزيرة