البشير الإبراهيمي

البشير الإبراهيمي

أحد أبرز علماء الجزائر دعوة وجهادا، كان واسع المعرفة بالفقه والتشريع وعلوم اللغة والأدب، ترأس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد وفاة مؤسسها العلامة عبد الحميد بن باديس، سخّر علمه وقلمه لخدمة وطنه وللدفاع عن اللغة العربية، وقد كانت مواقفه الجريئة سببا في وضعه تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته.

المولد والنشأة
ولد البشير الإبراهيمي يوم الخميس 14 شوال 1306هـ الموافق 13 يونيو/حزيران 1889م، في قرية رأس الوادي بالشرق الجزائري ونشأ في عائلة عريقة في العلم.

الدارسة والتكوين
بدأ في حفظ القرآن الكريم في الثالثة من عمره على يد عمه الشيخ المكي الإبراهيمي، الذي كان له الفضل الأكبر في نشأته وتربيته. في التاسعة من عمره أتم حفظ القرآن، وحفظ ألفية ابن مالك وابن معط الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السير والأثر، وبعد وفاة عمه تولى تدريس طلبته وهو في الرابعة عشرة من عمره، وظل على ذلك حتى بلغ العشرين.

في أواخر 1911 هاجر إلى المدينة المنورة على إثر والده متخفيا، خوفا من بطش الاحتلال الفرنسي، ومر في طريقه بالقاهرة وحضر فيها عدة مجالس علم في الأزهر.

 بعد وصوله المدينة المنورة لازم كلا من الشيخ العزيز الوزير التونسي، والشيخ حسين أحمد الفيض أبادي الهندي، وعلى أيديهما استزاد من علم الحديث رواية ودراية، ومن علم التفسير على يد الشيخ إبراهيم الأسكوبي، وهناك التقى بالعلامة عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الإصلاحية بالجزائر.

التوجه الفكري
تبنى البشير الإبراهيمي التوجه الإسلامي الوطني، ودافع عن ذلك في مقالاته وكتبه وخطبه أيام الاستعمار وبعد الاستقلال، وقد ضاقت حكومة ما بعد الاستقلال بانتقاداته لتخليها عن المبادئ الإسلامية، وقررت عزله عن الناس ووضعه في الإقامة الجبرية.

المسار
في شتاء 1917، خرج البشير الإبراهيمي رفقة والده باتجاه دمشق امتثالا لقرار صدر عن الحكومة العثمانية بترحيل سكان المدينة إلى دمشق، ولم يمض على إقامته شهر حتى انهالت عليه العروض للتدريس في المدارس الأهلية، كما عدي إلى إلقاء دروس بالجامع الأموي في رمضان.

بعد خروج الأتراك من دمشق وقيام حكومة الاستقلال العربي، دعته الحكومة للتدريس بالمدرسة السلطانية وهي المدرسة الثانوية الوحيدة آنذاك، مشاركا للأستاذ اللغوي عبد القادر المبارك.

عرض عليه الأمير فيصل بن الحسين تولي إدارة المعارف بالمدينة المنورة، لكنه رفض ذلك وقرر العودة إلى الجزائر عام 1920. أقام بمدينة سطيف وأنشأ فيها مسجدا ومدرسة، ورفض وظيفة عرضت عليه من طرف السلطات الفرنسية واكتفى بممارسة التجارة رفقة أبنائه.

وفي 1931 تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأصبح البشير الإبراهيمي نائبا لرئيسها العلامة عبد الحميد بن باديس، وفي عام 1933 اختار ولاية تلمسان في الغرب الجزائري لممارسة نشاطه، وفيها أنشأ مدرسة "دار الحديث" عام 1937.

 نفته السلطات الفرنسية عام 1940 إلى منطقة أفلو بالجنوب الغربي للجزائر، وبعد أسبوع من نفيه مات الشيخ بن باديس، وتم انتخابه رئيسا لجمعية العلماء المسلمين وتولى رئاستها عن بعد لمدة ثلاث سنوات، إلى حين إطلاق سراحه عام 1943.

في عام 1945 زُجّ بالإبراهيمي في السجن العسكري الفرنسي ولاقى ألوانا من التعذيب، وبعد إطلاق سراحه في 1946 أنشأ جريدة البصائر وتولى رئاسة تحريرها، كما أسس معهدا ثانويا أطلق عليه اسم الشيخ عبد الحميد بن باديس.

أسهم الإبراهيمي بجهده وعلمه في التعريف بالقضية الجزائرية، وكان نشاطه في رئاسة جمعية العلماء بارزا من خلال تأسيس مراكز ومدارس خرجت قادة الثورة المسلحة، وقد أنشأ 73 مدرسة وكتابا في عام واحد.

سافر إلى المشرق العربي عام 1952 سعيا لدى الحكومات العربية لقبول بعثات طلابية جزائرية وللتعريف بالقضية الجزائرية، وزار كلا من مصر والسعودية والعراق وسوريا والأردن والكويت وباكستان.

مع اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في 1954، وجه نداء للشعب الجزائري لدعم الثورة المسلحة. وبعد الاستقلال في 1962 اضطر للتقليل من نشاطه بسبب تدهور صحته وسياسة الحكومة التي حاصرت الشخصيات الإسلامية، وكان من أبرز نشاطاته إلقاء أول خطبة في جامع كتشاوة وسط العاصمة بعد الاستقلال.

في 16 أبريل/نيسان 1964 أصدر بيانا انتقد فيه تخلي الحكومة عن المبادئ الإسلامية في عهد الرئيس أحمد بن بلة، فصدر قرار بوضعه في الإقامة الجبرية وبقي كذلك إلى أن وافته المنية.

المؤلفات
ترك البشير الإبراهيمي العشرات من المؤلفات منها "شعب الإيمان"، و"حكمة مشروعية الزكاة في الإسلام" و"الاطراد والشذوذ في العربية"، و"أسرار الضمائر العربية" و"كاهنة الأوراس"، و"الأخلاق والفضائل"، وغيرها. جمعت مقالاته بمجلة البصائر في كتاب "عيون البصائر". وله "ملحمة شعرية" في تاريخ الإسلام، تضم نحو 36 ألف بيت.

الوفاة:
توفي البشير الإبراهيمي في منزله، وهو رهن الإقامة الجبرية يوم الخميس 20 مايو/آذار 1965.

المصدر : الجزيرة