يحيى عياش.. مهندس العمليات الاستشهادية ضد إسرائيل

 يحيى عياش مهندس فلسطيني وأحد قادة كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية، ولد عام 1966، وانضم إلى المقاومة خلال الانتفاضة الأولى، شغل الاحتلال الإسرائيلي في حياته نتيجة قدرته على تصنيع العبوات الناسفة والمتفجرة، ووقوفه وراء عدد من العمليات الاستشهادية التي خلفت قتلى إسرائيليين. اغتاله الاحتلال عام 1996، وأطلقت كتائب القسام اسمه على صاروخ "عياش 250".

المولد والنشأة

ولد يحيى عبد اللطيف ساطي عياش يوم 6 مارس/آذار 1966 ببلدة رافات غرب مدينة سلفيت بشمال الضفة الغربية، لأسرة متدينة بسيطة لها باع في الساحة الجهادية.

عمل والده عبد اللطيف ساطي محمود عياش في الزراعة والنقش على الحجر. وتطوع للخدمة جنديا في سلاح المشاة في الجيش الأردني بين عامي 1955 و1963، إذ ترك الجيش حينها وعاد إلى مهنة الزراعة ونقش الحجر في قريته، وتزوج بإحدى قريباته وتدعى عائشة عياش. ورزقا بثلاثة أبناء وهم يحيى ومرعي ويونس.

نشأ الابن البكر يحيى في قريته وعاش في وسط متدين، فبدأ الصلاة في المسجد منذ الرابعة من عمره، وعُرف بهدوئه واتزانه وتميزه منذ صغره مقارنة بأقرانه، كما كان ابنا بارا بأهله. مارس في شبابه هواية فك وتركيب الأجهزة الكهربائية، إذ كان سكان القرية يرسلون إليه أجهزتهم المعطلة ليصلحها.

تزوج المهندس ابنة خالته، هيام عياش، بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول 1991م، ورزق بعدها بعامين في 1993م بابنه البكر براء، ولاحقا بابنه عبد اللطيف (الذي سمي فيما بعد بيحيى ليُذكر بأبيه).

عرف بالتزامه وتدينه وعمق التفكير، كما أنه كان كتوما، وقد وصفه أحد مسؤولي جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" بأنه "ذكي ومتملص بارع يحرص على استبدال مخبئه بوتيرة عالية"، وقال إنه "كالسحر أو الكابوس كلما اقتربنا منه تنشق الأرض وتبتلعه".

الدراسة والتكوين العلمي

التحق عياش بمدرسة رفات الابتدائية وهو في سن السادسة، وأكمل تعليمه الإعدادي في مدرسة الزاوية، ثم انتقل إلى مدرسة بديا الثانوية في قرية بديا، ومنها حصل على شهادته الثانوية بمعدل 92.8% في القسم العلمي، ووفقا لشهادة أبيه فقد كان الأول على صفه في كافة مراحله المدرسية. حفظ القرآن الكريم وأصبح مجازا بحفظه من وزارة الأوقاف الفلسطينية ودرس العلوم الشرعية.

سعى للسفر إلى الأردن لإكمال دراسته الجامعية، ويقال إنه منع من السفر لأسباب أمنية، فيما تشير بعض الروايات إلى أنه آثر العودة بسبب عدم قدرته على توفير المصاريف، والتحق بجامعة بيرزيت، وتخرج فيها مهندسا كهربائيا في مارس/آذار عام 1993 بعد 8 سنوات من الإضرابات والإغلاقات المستمرة.

التجربة السياسية والعملية

انضم عياش إلى لكتلة الإسلامية التي تمثل الإطار الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في جامعة بيرزيت في أكتوبر/تشرين الأول عام 1984.

وفي عام 1985-1986 أصبح عضوا في إحدى مجموعات الإخوان المسلمين في مدينة رام الله. ثم برز قياديا بين الفصائل الفلسطينية في رافات خلال فترة الانتفاضة الأولى وتحديدا من 1988 إلى 1992.

كما انضم يحيى عياش إلى كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس خلال سنوات الانتفاضة الأولى، وبدأ تصنيع المواد المتفجرة بالاعتماد على المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية، والمواد الأولية المتاحة كالفحم والأسمدة الزراعية، وبدأت قوات الاحتلال بمطاردته وتتبع أثره بعد أن فجر سيارة مفخخة في "رامات أفعال" بتل أبيب.

أصبح يحيى عياش أكثر المطلوبين لدى أجهزة الاحتلال الإسرائيلي، ونجح في التخفي عن الأعين التي تترصده، وفي عام 1993 انتقل إلى قطاع غزة بغرض الاختباء وكذا تدريب أعضاء كتائب القسام على صناعة المتفجرات.

يحيى عياش - الموسوعة
انضم عياش إلى كتائب عز الدين القسام خلال سنوات الانتفاضة الأولى(الجزيرة)

عمليات حملت بصمته

بدأ عياش مقاومته الأولى بالحجر في ظل الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، وانطلق بعدها للمقاومة الممنهجة بعد أن قدم للقسام تجربته الأولى في صناعة المتفجرات والتي باءت بالفشل، ليلحقها بتجربة ثانية حققت نجاحا كبيرا.

كانت أولى عملياته في نيسان/أبريل 1993 حين فجَّر الشهيد ساهر تمَّام سيارته المفخخة داخل مقهى يرتاده الجنود الإسرائيليون في مستوطنة "ميحولا" القريبة من مدينة بيسان فقتل 2 منهم وأصيب 8 بجراح.

وبتاريخ 6 أبريل/نيسان 1994 خطط عياش لعملية بسيارة مفخخة في محطة الحافلات المركزية بمدينة "العفولة" داخل الخط الأخضر، نفذها الفلسطيني رائد زكارنة، ردا على مجزرة المسجد الإبراهيمي، وأدت إلى مقتل 8 إسرائيليين.

أتبعها يوم 13 أبريل/نيسان 1994 بعملية نفذها عمار عمارنة بتفجير حقيبة في موقف للحافلات أدت إلى مقتل 7 إسرائيليين وجرح العشرات، ونفذ صالح نزال عملية تفجير في شارع "ديزنغوف" في تل أبيب وقتلت 22 إسرائيليا.

وفي يوليو/تمّوز 1993 زعزع عيّاش ورفاقه أمن المحتل الإسرائيلي في عملية أطلق عليها اسم "عملية التلة الفرنسية"، كانت تهدف لاختطاف حافلة صهيونية وأخذ ركابها رهائن لعقد صفقة تبادل، وعلى الرغم من أن العملية لم تنجح، إلا أنها شكلت نقطة محورية في تاريخ الأمن الإسرائيلي في مواجهة عمليات كتائب القسام.

كما فجر الشرطي الفلسطيني وأحد منتسبي كتائب عز الدين القسام أسامة راضي نفسه في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1994 قرب حافلة تقل جنودا في سلاح الجو الإسرائيلي في القدس، مما أسفر عن جرح 13 منهم.

وفي 22 يناير/كانون الثاني 1995 فجر فلسطينيان نفسيهما في محطة للعسكريين بمنطقة بيت ليد قرب نتانيا؛ مما أدى إلى مقتل 23 جنديا إسرائيليا، وجرح أربعين آخرين.  ونفذ يوم 9 من أبريل/نيسان 1995 هجومٌ أدى إلى مقتل 7 إسرائيليين ردّا على تفجير الاستخبارات الإسرائيلية منزلا في حي الشيخ رضوان في غزة.

وفي يوم 24 يوليو/تموز 1995 فجر أحد تلاميذ عياش نفسه داخل حافلة ركاب إسرائيلية في "رامات غان" بالقرب من تل أبيب، مما أسفر عن قتل 6 وجرح 33 آخرين.

تبعتها عملية يوم 21 أغسطس/آب 1995 استهدفت حافلة للركاب في حي "رامات أشكول" في مدينة القدس المحتلة؛ مما أسفر عن مقتل 5 وإصابة أكثر من 100 آخرين.

 المطاردة

وبسبب العمليات التي لم تستطع إسرائيل إيقافها أصبح عياش المطلوب رقم 1 لديها، وكانت عملية مطاردته مُرهقة لجهاز الشاباك، فقد أخذت عملياته تتعاقب وخلّف ذلك خوفا من ارتياد الحافلات والمقاهي، خاصة حين كشف عن خروجه من قرية رافات إلى غزة متنكرا بزي مستوطن إسرائيلي، وأشرف على إحدى العمليات متنكرا بزي حاخام يهودي، وقيل إنه تنكر طيلة إقامته في غزة بهيئة امرأة.

وقد فشلت 3 محاولات وشيكة لاغتياله على مدار 5 سنوات من المطاردة. وقال عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين: "أخشى أن يكون عياش جالسا بيننا في الكنيست".

وصرح رئيس المخابرات الإسرائيلي الأسبق يعقوب بيرس قائلا "أقر أن عدم القبض على المهندس يمثل أكبر فشل ميداني تواجهه المخابرات منذ إنشاء الدولة".

الاغتيال

بعد سنوات من المطاردة اغتال جهاز الشاباك الإسرائيلي عياش يوم الجمعة 5 يناير/كانون الثاني 1996 عبر وضع مواد متفجرة في جهاز هاتف محمول كان يتواصل منه مع والده بمساعدة عميل للاحتلال، وأثناء المكالمة تم تفجيره بطائرة عن بعد.

وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2019 سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشر تفاصيل بشأن عملية اغتيال عياش، ونشرت القناة 13 العبرية تسجيلا صوتيا لحظة اغتياله في مكالمته الأخيرة مع والده.

وأعلن عن اسم العميل الذي تعاون مع إسرائيل وهو "كمال حماد" خال أحد رفاق عياش "أسامة حماد" وزميله في الجامعة، وقد برأت ساحة أسامة في حين أدين "كمال حماد" وصدر في حقه حكم غيابي بالإعدام.

المصدر : الجزيرة