مقتدى الصدر.. زعيم شيعي مارس السياسة واعتزلها

Iraqi Shi'ite radical leader Muqtada al-Sadr delivers a sermon to worshippers during Friday prayers at the Kufa mosque near Najaf, Iraq September 23, 2016. REUTERS/Alaa Al-Marjani
ولد مقتدى الصدر في الكوفة بمدينة النجف جنوب بغداد في 12 أغسطس/آب 1973 لأسرة شيعية محافظة (رويترز)

مقتدى الصدر زعيم شيعي عراقي، ولد بمدينة النجف لأسرة شيعية محافظة، استمد الكثير من نفوذه من عائلته، وسطع نجمه بعد سقوط نظام صدام حسين، أسس "جيش المهدي" لمقاومة الاحتلال الأميركي عام 2003، قبل أن يُجمّد أنشطته عام 2008.

أصبح لتياره نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة منذ عام 2005، لكن نوابه انسحبوا من البرلمان في يونيو/حزيران 2022، واقتحم أنصاره مقر مجلس النواب رافضين تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة، قبل أن يعلن اعتزاله النهائي للحياة السياسية في 29 أغسطس/آب 2022.

المولد والنشأة

ولد مقتدى الصدر في الكوفة بمدينة النجف جنوب بغداد في 12 أغسطس/آب 1973 لأسرة شيعية محافظة تنحدر من جبل عامل في لبنان، وهو الأصغر بين إخوته مصطفى ومرتضى ومؤمل.

والده هو الزعيم الشيعي محمد صادق الصدر، الذي اغتيل في فبراير/شباط 1999 مع اثنين من أبنائه بعد انتقاده الصريح للرئيس الراحل صدام حسين، كما اغتيل أيضا ابن عم والده محمد باقر الصدر، المفكر الشيعي البارز الذي أعدمه صدام مع شقيقته نور الهدى ربيع العام 1980.

أما أمه فهي ابنة "محمد جعفر الصدر" ابنة عم أبيه، وتزوج مقتدى الصدر عام 1994 من إحدى بنات محمد باقر الصدر، لكنه لم ينجب أطفالا.

الدراسة والتكوين

بعد إتمامه المرحلة الإعدادية، التحق الصدر بالمدرسة الشيعية في النجف، لكنه لم يكمل دراسته.

لا يحمل الصدر بعد درجة مجتهد، وهي الدرجة التي تخوله الإفتاء وتسبق لقب "آية الله" وفقا لتقاليد المذهب الشيعي.

أوائل عام 2007، توارى الصدر عن الأنظار حيث انقطع لطلب العلم في الحوزة العلمية بمدينة قم الإيرانية، وهناك فرض على نفسه نوعا من الابتعاد المؤقت عن السياسة، حيث أكمل خلال هذه الفترة دراسته الفقهية، غير أنه عاد للواجهة السياسية من جديد في العام 2010.

الوظائف والمسؤوليات

منذ مقتل والده، يشرف الصدر على الحوزة الدينية في النجف، وقد أوكل إليه والده رئاسة تحرير مجلة "الهدى" وعمادة جامعة الصدر الإسلامية.

التجربة السياسية

لم يكن الصدر معروفا فعليا خارج العراق قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية عام 2003، لكن سرعان ما أصبح رمزا لمقاومة الاحتلال الأجنبي، مستمدا الكثير من نفوذه من عائلته.

يحظى الصدر بدعم قوي، خاصة في مدينة الصدر ببغداد، إحدى ضواحي بغداد الفقيرة الي يبلغ عدد سكانها مليوني شيعي، والتي كانت تعرف سابقًا باسم "مدينة صدام" أو "مدينة الثورة"، لكن تم تغيير اسمها على اسم "الصدر الأكبر".

بحلول نهاية عام 2003، ترأس الصدر حركة سياسية شيعية عُرفت باسم "التيار الصدري" واجتذب الملايين من الأتباع الشيعة في جميع أنحاء العراق، خاصة الشباب والفقراء والمضطهدين، الذين قدم لهم مجموعة متنوعة من الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية، كما حافظ على إجراءات أمنية مشددة على المناطق التي سيطر عليها وأنشأ نظام محاكم على أساس المذهب الشيعي الذي يدين به.

في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2005، وقف أعضاء "التيار الصدري" إلى جانب الأحزاب الشيعية الأخرى كجزء من الائتلاف العراقي الموحد، الذي فاز بأغلبية المقاعد (128 من أصل 275) في البرلمان.

فاز التيار الصدري -الذي دعم نوري المالكي من حزب الدعوة لرئاسة الوزراء (عام 2006-2014) بـ32 مقعدا، لكن في أبريل/نيسان 2007 انسحب 6 وزراء من التيار الصدري من حكومة المالكي بعدما لم يستجب المالكي لمطالبهم بجدول زمني لسحب القوات الأجنبية.

انتقل الصدر إلى إيران عام 2007 أيضا، حيث دخل إلى مدرسة دينية في قم بينما استمر في توجيه أتباعه في العراق.

في عام 2010، وبعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، دخل العراق في شهور من الجمود السياسي حيث عجزت الفصائل الرئيسية عن التوافق لتشكيل حكومة، غير أن الصدر مهد (وهو خارج البلاد) الطريق للحل من خلال الموافقة -بعد مفاوضات- على ترشيح المالكي لمنصب رئيس الوزراء.

ومع بداية عام 2011، وبعد نحو 4 سنوات قضاها في منفى اختياري بإيران، عاد الصدر إلى العراق مع تزايد نفوذ التيار الصدري في البرلمان وبدء انسحاب القوات الأميركية.

أجرى الصدر تغييرات كبيرة في إستراتيجيته السياسية، وتوترت علاقته بإيران، حيث اعتبر أنها أصبحت أكبر مصدر للتدخل الأجنبي في السياسة العراقية.

كما طالب الكتل السياسية العراقية بسحب دعمها لفكرة تولي نوري المالكي منصب رئيس الوزراء لفترة ثالثة، وتقديم مرشحيها للرئاسات الثلاث، وإشراك كل القوى السياسية العراقية.

في 26 فبراير/شباط 2016، قاد الصدر مظاهرة قوامها مليون شخص في ساحة التحرير ببغداد احتجاجا على "الفساد في العراق وفشل الحكومة في تنفيذ الإصلاحات"، واقتحم أنصاره البرلمان داخل المنطقة الخضراء الحصينة في بغداد.

وأمر أنصاره بإنهاء اعتصامهم عند بوابات المنطقة الخضراء بعد أن قدم رئيس الوزراء حيدر العبادي تشكيلة وزارية جديدة قال إنها "تهدف إلى محاربة الفساد".

وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/أيار 2018 حقق ائتلاف"سائرون" بزعامة الصدر نتائج مفاجئة، حيث أصبحت الكتلة الأكبر عددا في البرلمان بـ52 مقعدا.

ومنذ انتخابات 2018، شغلت قيادات من التيار الصدري مناصب عليا بوزارات الداخلية والدفاع والاتصالات.

واكتسحت الكتلة الصدرية الانتخابات البرلمانية عام 2021، وحلت في المركز الأول، وزاد عدد المقاعد التي حصلت عليها إلى 73 مقعدا في البرلمان المؤلف من 329 مقعدا.

وفي 13 يونيو/حزيران 2022، استقال 73 نائبا من كتلة الصدر من البرلمان وسط أزمة سياسية كبرى شهدتها البلاد.

تنظيمات مسلحة

ركز الصدر في البداية على مقاومة المحتل سلميا، ودعا أنصاره لذلك، إلا أن هذا التوجه تغير فترة من الزمن عندما قتلت القوات الأميركية متظاهرين من أنصاره محتجين على إغلاق صحيفة الحوزة الناطقة باسم الصدر، التي أغلقت بتهمة "التحريض على الإرهاب".

"جيش المهدي"

أواخر عام 2003، أسس مقتدى الصدر "جيش المهدي"، وهو تنظيم شيعي مسلح بهدف القتال ضد القوات الأميركية في العراق.

بدأت المعارك بين القوات الأميركية وجيش المهدي في 14 مايو/أيار 2004 في مدينة النجف، وبالتحديد في مقبرة المدينة، في محاولة من القوات الأميركية للقبض على الصدر الذي تتهمه بالضلوع في اغتيال عالم الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي، وأصدرت بحقه مذكرة توقيف، وقالت إن الصدر "مطلوب حيا أو ميتا".

اتسعت دائرة المواجهات بين الطرفين وشملت مدنا عديدة كالنجف والبصرة والناصرية والعمارة، فضلا عن مدينة الصدر في بغداد، واستمرت شهورا قبل أن تنتهي بتدخل المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، الذي قدّم مبادرة سلام انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار وتسليم مفاتيح الصحن الحيدري إلى المرجعية الشيعية.

وعقب انتهاء الأزمة، ظهر تحول في موقف الصدر بإعلان قبوله الانضمام إلى العملية السياسية الجارية في العراق، ودعوة أنصاره إلى وقف القتال في جميع أنحاء العراق، لكن "جيش المهدي" ظل موجودا، واتهم بالضلوع في عمليات تطهير طائفي ضد سنة العراق في عدد من المناطق.

وفي أغسطس/آب 2007، وتزامنا مع زيادة القوات الأميركية في العراق أمر الصدر أتباعه المسلحين بوقف جميع أنشطتهم لمدة 6 أشهر، تم قام بتمديد هذا التعليق لجميع الأنشطة العسكرية في أواخر فبراير/شباط 2008 لـ6 أشهر أخرى، حتى أغسطس/آب من العام نفسه.

وفي 25 مارس/آذار عام 2008 أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بشن هجوم كبير لسحق "جيش المهدي" في مدينة البصرة الجنوبية، بعد أن اتهمه بتشكيل فرق اغتيال لخطف وقتل شخصيات سنية، وفي 30 مارس/آذار، بعد مفاوضات مع مسؤولين حكوميين، أمر الصدر بوقف إطلاق النار.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، أمر الصدر بوقف العمليات المسلحة وأكَّد براءته ممن يحمل السلاح ضد حكومة نوري المالكي، وأعلن أن "جيش المهدي" سيتحول إلى منظمة ثقافية واجتماعية، لكنه قال إنه سيحتفظ بوحدات النخبة القتالية لمقاومة الأميركيين إذا لم يتم تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية.

"سرايا السلام"

مع سيطرة مسلحين من العشائر العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية على بعض المناطق العراقية، وأبرزها الموصل، في يونيو/حزيران 2014، عاد الصدر إلى الواجهة مجددا.

وفي 11 يونيو/حزيران 2014، دعا الصدر إلى تشكيل "سرايا السلام"، للدفاع عن المراقد والمساجد والحسينيات والكنائس بالتنسيق مع الجهات الحكومية.

"القبعات الزرقاء"

في أثناء المظاهرات التي اندلعت بالعراق أواخر عام 2019، وأدَّت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وجَّه الصدر أنصاره ضد إيران من مدينة قُم الإيرانية نفسها في مفارقة لافتة.

وقتها أعلن الصدر تشكيل ما عُرف باسم "القبعات الزرقاء" من الجناح العسكري للتيار الصدري لحماية ساحات الاعتصام، غير أنه سُرعان ما دعا إلى إنهاء الاحتجاجات التي نُظِر إليها بوصفها ثورة على الأحزاب والفصائل الشيعية المدعومة من إيران.

محاولة اغتيال

في 25 مارس/آذار 2006، كان الصدر في منزله ونجا من هجوم بقذائف الهاون، حيث سقطت القنبلة على بعد نحو 50 مترًا من منزله.

زيارات خارجية

في الأول من مايو/أيار 2009، قام الصدر بزيارة مفاجئة إلى أنقرة التقى خلالها بالرئيس التركي عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان آنذاك، حيث أجرى محادثات ركزت على "العملية السياسية".

وفي عام 2017، فاجأ الصدر الكثيرين عندما أجرى زيارتين للسعودية ثم الإمارات التقى خلالهما بوليي العهد في كلا البلدين.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية