مصطفى صادق الرافعي

مصطفى صادق الرافعي - الموسوعة

أديب سوري الأصل مصري المولد، من أمراء النثر الفني في القرن العشرين، ومن أشهر المنافحين عن الفصحى وإعجاز القرآن، له مذهب أدبي خاص شايعه عليه ثلة من أدباء مصر والعراق والشام. اشتهر بأصالة الفكر وجزالة اللغة وقوة البيان حتى لقب "معجزة الأدب العربي".

المولد والنشأة
ولد مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي يوم 1 يناير/كانون الثاني 1880 في قرية بهتيم (محافظة القليوبية) بمصر، وأصيب بالصمم في ريعان شبابه.

كان أبوه قاضيا شرعيا ورئيسا لكثير من محاكم مصر، وكان من عادة أسرته أن تنشّئ أبناءها تنشئة إسلامية ذات ثقافة تقليدية، فنشأ في ذلك الجو وتعلم شيئا من الدين وحفظ أجزاءً من القرآن، ووعى نـُبَذا من أخبار السلف.

الدراسة والتكوين
لم يتجاوز في التعليم النظامي شهادة الابتدائية من مدرسة المنصورة، فقد ألمّ به مرض عضال أفقده السمع، لكنه كان واسع الطموح شديد الاعتداد بالنفس عظيم الهمة، فاندفع يقرأ في أمهات التراث الأدبي والديني، مستعيضا عن نعمة السمع بنعمة النبوغ، فاستظهر "نهج البلاغة" قبل أن يبلغ العشرين.

الوظائف والمسؤوليات
عمل الرافعي كاتبا في محكمة طلخا الشرعية سنة 1899، وانتقل بعد ذلك إلى محكمة إيتاي البارود الشرعية، ثم استقر به المقام في محكمة طنطا الأهلية، ولم يكن انتظامه في العمل مرضيا عند رؤسائه، لكن الأدب وتاريخ الأسرة القضائي كانا شافعيْن له في الاستمرار في الوظيفة التي يراها حقا له على الدولة.

التجربة الأدبية
بدأ الرافعي شاعرا مشبوب العاطفة جزل الأسلوب مشرق العبارة يتقفى آثار الأولين وينسج على منوالهم، وكان قوي الأمل عظيم الطموح لا ينال شيئا إلا تاق إلى ما هو أفضل منه، وكان همه الأول أن يتربع على عرش الشعر، ويتوج بتيجان القوافي، وكانت عدته لذلك موهبة فنية راسخة مكينة، وعزيمة ماضية ذللت له الصعاب وجمعت عليه أطراف المعرفة وشتات العلوم وشوارد الأدب.

بدأ يقول الشعر ولما يبلغ العشرين، وصدر ديوانه الأول وهو في الثالثة والعشرين، وقدم له بمقدمة مدهشة بسط فيها القول في نشأة الشعر وفنونه ومذاهبه، وكانت غريبة في بابها حتى توهم شيخ العربية في ذلك الوقت الشيخ إبراهيم اليازجي أن الرافعي إنما انتحل تلك المقدمة وسطا عليها من كتب الأقدمين، لأنها لا تشبه لغة عصره في شيء.

بعدها أصبح حديث الناس، فكتب إليه الشيخ محمد عبده وأطراه لطفي السيد وامتدحه حافظ إبراهيم، وقرّظ العقاد أسلوبه على ما كان بينهما من تباغض أدبي وتنافر مذهبي.

لكن تجربته الشعرية لم تطل، فقد كان له قدر مع النثر الفني قصصا بديعا ومقالات سائرة، ثم أصبح له "أنصار" يدافعون عن مذهبه وفنه بقيادة الشيخ علي الطنطاوي، ومحمود شاكر "أبو فهر".

معارك عنيفة
خاض الرافعي أكثر من معركة أدبية على أكثر من صعيد، فهاجم سلامة موسى نصرة للمذهب القديم في الأسلوب الأدبي، وانتقد "ديوان الأربعين" للعقاد بقوة وقسوة فثار عليه العقاد وأنصاره، وخاض معركة أخرى مع لطفي السيد حول "تمصير" اللغة العربية.

وكان في كل معاركه كما قال كاتب سيرته سعيد العريان: "ناقدا عنيفا حديد اللسان لا يعرف المداراة ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكان فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة من جهة الحرص على الدين".

تميز أسلوبه بالقوة والصلابة وبثراء اللغة وكثرة المجازات والاستعارات، والتفنن في ابتكار الاشتقاق من الأفعال، والذهاب بها كل مذهب في فضاء البيان الرحب.

وكان يرى أن اللغة العربية بخصائصها المميزة هي روح الأمة، وهي قوام فكرها ووعاء ثقافتها، ويجب أن تصان عن الإسفاف والابتذال.

ورغم شهرته بمناصرة المذهب القديم فقد دعا إلى التجديد في فنون الشعر وقوافيه -على مذهب أهل الأندلس في الموشحات- حتى لا يضيق القول على شعراء العربية المعاصرين.

يرى الرافعي أن الشعر يجب أن يكون وحيا منبجسا من النفس ممتزجا بدم الشاعر، محمّلا بأوجاع القلب وأنّات الروح، وكان شديد السخط على زخرف القول وقعقعة الألفاظ. كما كان يشترط في المتصدي للنقد سعة الاطلاع وعمق المعرفة، والإحاطة بالآداب وفنونها، حتى لا يكون الحكم على نتائج القرائح صادرا عن انطباع شخصي أو مزاج متقلب.

من أقواله: "أنا لا أعبأ بالمظاهر والأغراض التي يأتي بها يوم وينسخها يوم آخر، والقبلة التي أتجه إليها في الأدب إنما هي النفس الشرقية في دينها وفضائلها، فلا أكتب إلا ما يبعثها حية ويزيد في حياتها وسمو غايتها، ويمكّن لفضائلها وخصائصها في الحياة، ولذا لا أمسُّ من الآداب كلها إلا نواحيها العليا، ثم إنه يخيل إلي دائما أني رسول لغوي بعثت للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه، فأنا أبدا في موقف الجيش تحت السلاح".

المؤلفات
ألف كتبا عديدة منها: وحي القلم، وتاريخ آداب العرب، وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وتحت راية القرآن، وكتاب المساكين، وعلى السفود، ديوان النظرات، والسمو الروحي الأعظم والجمال الفني في البلاغة النبوية، وحديث القمر، وأوراق الورد.

الوفاة
في يوم الاثنين 10 مايو/أيار 1937 استيقظ مصطفى الرافعي لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن وشعر بألم في معدته فتناول دواء، ثم عاد إلى مصلاه ومضت ساعة ثم نهض وسار لكنه سقط في البهو على الأرض، ولما هب أهل الدار لنجدته، وجدوه قد أسلم الروح إلى بارئها. ودفن في اليوم نفسه بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة بطنطا.

المصدر : الجزيرة