خافيير بيريز دي كوييار.. أول أمين عام للأمم المتحدة من أمريكا اللاتينية

خافيير بيريز دي كوييار ساهم في حل النزاع بين العراق وإيران أثناء توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة. (الفرنسية)

خافيير بيريز دي كوييار، محام ورجل دولة ودبلوماسي بيروفي، ولد في ليما بالبيرو عام 1920، وشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة لفترتين متتاليتين كانت ما بين 1982 و1991، وساعد في حل عدد من النزاعات عبر العالم أثناء توليه لهذا المنصب، أبرزها إنهاء الحرب بين إيران والعراق التي دامت لـ8 سنوات، وتأمين انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، وإنهاء النزاعات في السلفادور وكمبوديا ونيكاراغوا وغيرها. توفي عام 2020 عن عمر ناهز الـ100عام.

المولد والنشأة

ولد خافيير بيريز دي كوييار إي دي لا غويرا يوم 19 يناير/كانون الأول 1920 في ليما بالبيرو. لرجل أعمال ذي أصول إسبانية من مدينة سيغوفيا، وهاجر أجداده من إسبانيا في القرن الـ16. وتوفي والده وهو في الرابعة من عمره.

تزوج دي كوييار أثناء استقراره في باريس من إيفيت روبرتس، وأنجبا ابنهما فرانسيسكو وابنتهما أغيدا كريستينا، وانتهى هذا الزواج بالطلاق. وفي عام 1975 تزوج دي كوييار مرة ثانية بمارسيلا تمبل سيميناريو التي توفيت عام 2013.

الدراسة والتكوين العلمي

تعلم دي كوييار اللغة الفرنسية من مربيته، ودرس في مدرسة سان أجوستين في ليما، ثم في الجامعة البابوية الكاثوليكية بنفس المدينة، حيث درس المحاماة واشتغل بها بعد حصوله على شهادة في القانون عام 1943.

خافيير بيريز دي كوييار يعد الأمين العام الخامس في تاريخ الأمم المتحدة (الفرنسية)

التجربة السياسية والدبلوماسية

التحق دي كوييار بالسلك الدبلوماسي في بيرو عام 1944، وكان عضوا في وفد بيرو لأول اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عقد في لندن عام 1946، وسرعان ما عُيّن سكرتيرا في سفارات بيرو في كل من فرنسا والمملكة المتحدة وبوليفيا والبرازيل.

عاد دي كوييار بعد هذه التجربة إلى ليما في عام 1961، ورٌقّيَ إلى رتبة سفير وشغل عددا من المناصب الوزارية رفيعة المستوى. فعيّن أمينا عاما للعلاقات الخارجية (أي نائب وزير) في وزارة العلاقات الخارجية البيروفية عام 1966، ثم مستشارا قانونيا في الوزارة نفسها عام 1981.

تقلد دي كوييار منصب سفير بيرو في سويسرا ما بين 1964 و1966، ثم أول سفير بيروفي لدى الاتحاد السوفيتي وبولندا ما بين 1969 و1971، وفنزويلا ما بين 1977 و1979.

في عام 1971 شغل دي كوييار منصب الممثل الدائم لبيرو لدى الأمم المتحدة، وترأس وفدها في جميع دورات الجمعية العامة حتى عام 1975.

وما بين سنتي 1973 و1974 مثّل بلده في مجلس الأمن، وكان في الوقت ذاته رئيس المجلس، تزامنا مع الأحداث التي عاشتها جزيرة قبرص ما بين يوليو/تموز 1974 وسبتمبر/أيلول 1975، وعين ممثلا خاصا للأمين العام حينها كورت فالدهايم إلى كل من قبرص وأفغانستان وغيرها من النقاط الساخنة.

بعدها عينه فالدهايم عام 1978 في منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية الخاصة، وظل في هذا المنصب حتى عام 1981، وبهذه الصفة، ذهب ببعثات دبلوماسية إلى الهند الصينية وأفغانستان.

بعد ذلك استقال بيريز دي كوييار وعاد إلى بلاده واشتغل في وزارة خارجية بلده، وظل يمثل الأمين العام للأمم المتحدة فيما يخص الوضع في أفغانستان، وكان متوقعا أن يعين سفيرا في البرازيل؛ لكن مجلس الشيوخ في بيرو رفض التصديق على تعيينه.

فشل الترشيح في الفوز بموافقة مجلس الشيوخ (الذي استاء أعضاؤه من مشاركة بيريز دي كوييار في أداء اليمين الدستورية للمجلس العسكري الذي أطاح ببيلاوندي تيري عام 1968) لكن دي كوييار أكد أنه بصفته أمينا عاما لوزارة الخارجية البيروفية في ذلك الوقت، كان يتوجب عليه بموجب البروتوكول المشاركة في الحفل على الرغم من أنه لم يكن لديه ميول مؤيد للمجلس العسكري.

بعدها بدأ الرئيس البيروفي آنذاك فرناندو بيلاوندي تيري حملته لانتخاب دي كوييار أمينا عاما للأمم المتحدة؛ لكن الأخير رفض إعلان ترشيحه أو حتى العودة إلى نيويورك من أجل الترويج لاسمه لنيل المنصب.

وقد شكّل تحفظه على الترشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة أمرا غريبا لتوافر جميع المقومات فيه لشغل هذا المنصب، فقد كان دبلوماسيا مثقفا ووسيطا ماهرا، ويتقن 3 لغات، الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، كما كان وسيطا ماهرا في حل النزاعات.

وفي عام 1981 بدأ السباق نحو اختيار الأمين العام الذي ستوكل له مهمة قيادة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وانخفضت المنافسة إلى مرشحين اثنين بعد انسحاب بقية المرشحين فكانت المنافسة بين النمساوي كورت فالدهايم، المدعوم من قبل الاتحاد السوفيتي، ولكن لم يكن مرغوبا به من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. والمنافس الثاني سليم أحمد سليم وزير خارجية تنزانيا المدعوم من قبل الصين والدول النامية الراديكالية.

وصل المجلس إلى طريق مسدود لتعيين الأمين العام الجديد، حيث استخدمت الصين حق النقض ضد فالدهايم ومنعت الولايات المتحدة سليم، وكان بيريز دي كوييار هو الحل الوسط بين المرشحين ليعين في ديسمبر/كانون الأول عام 1981 أمينا عاما للأمم المتحدة.

واتصفت فترة ولايته الأولى التي استمرت 5 سنوات بالصعوبة لتزامنها مع الحرب السوفياتية في أفغانستان، والحرب الإيرانية العراقية، وحروب أهلية في كمبوديا والسلفادور وموزمبيق وأنغولا.

لكن دي كوييار دائما ما كان يقنع الأعضاء الـ5 الدائمين في مجلس الأمن، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا والصين، بالاجتماع بطريقة منتظمة بشأن هذه المشاكل المشتركة.

وفي سنة 1986 ترشح دي كوييار مرة أخرى لإعادة انتخابه أمينا عاما للمنظمة العامة للأمم المتحدة للمرة الثانية، وربح هذا التحدي بعدما نال ثقة أغلب المصوتين.

وتميزت فترة ولايته الثانية بالإنجازات وامتدت من عام 1987 إلى 1991، وساعدته في ذلك الظروف السياسية التي كان يعيشها العالم في تلك الفترة، منها انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي فتح أبوابا للتعاون بين الشرق والغرب.

واستطاع دي كوييار من الوصول لاتفاق وإنهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، كما ساهم في انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، وكذلك انسحاب القوات الكوبية من أنغولا التي دخلت هناك لوقف الاقتتال على خلفية الحرب الأهلية في أنغولا إضافة إلى استقلال ناميبيا الذي أصبح ساري المفعول عام 1990.

وفي عام 1989 ساهم دي كوييار في إطلاق مفاوضات لوقف إطلاق النار في الحروب الأهلية في نيكاراغوا والسلفادور، وأطلق محادثات باريس للسلام التي أديت عام 1991 إلى تسوية شاملة في كمبوديا التي عانت من أهوال الإبادة الجماعية في السبعينيات والحروب الأهلية في الثمانينيات.

إضافة إلى ذلك اشتغل دي كوييار كثيرا خلف الكواليس بشأن قضية الرهائن الغربيين الذين كانوا محتجزين في لبنان في بداية التسعينيات من القرن الـ20، حتى أطلق سراحهم بما في ذلك آخر رهينة أميركي محتجز وهو الصحفي تيري أندرسون الذي أطلق سراحه في 4 ديسمبر/كانون الأول 1991.

وفي الأيام الأخيرة من ولايته الثانية أمينا عاما للأمم المتحدة نجح دي كوييار في إبرام اتفاقات السلام التي رعاها بين حكومة السلفادور والمتمردين اليساريين يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 1991.

بعد 4 سنوات ترشح بيريز دي كوييار للانتخابات الرئاسية في بيرو عام 1995، لكنه انهزم أمام منافسه الزعيم الاستبدادي ألبرتو فوجيموري الذي انهار نظامه في نوفمبر/تشرين الثاني 2000 وسط فضائح فساد.

وهكذا لعب بيريز دي كوييار دورا حاسما في عدد من النجاحات الدبلوماسية، أبرزها استقلال ناميبيا، وإنهاء الحرب العراقية الإيرانية، والإفراج عن الرهائن الأميركيين المحتجزين في لبنان، واتفاق السلام في كمبوديا، واتفاق السلام التاريخي في السلفادور الذي أبرمه في الأيام الأخيرة من ولايته الثانية كأمين عام للأمم المتحدة.

اشتغل دي كوييار أيضا أستاذا للقانون الدولي في الأكاديمية الدبلوماسية في بيرو وأستاذا للعلاقات الدولية في أكاديمية الحرب الجوية في بيرو.

وفي سن 80، عاد بيريز دي كوييار من التقاعد في باريس إلى بيرو لتولي مهمة وزير الخارجية ورئيس مجلس الوزراء للرئيس المؤقت فالنتين بانياغوا في عام 2000إلى 2001، وبعد 8 أشهر طلب منه الرئيس المنتخب حديثا آنذاك أليخاندرو توليدو أن يتولى مهمة سفير بلاده في فرنسا، من عام 2001 إلى 2004. كما شغل منصب السفير الدائم لبلاده لدى منظمة اليونيسكو سنة 2004.

توفي خافيير بيريز دي كوييار في 4 مارس/ آذار عام 2020 في ليما عن عمر ناهز الـ100 عام (الفرنسية)

المؤلفات

  • أصدر خافيير بيريز دي كوييار طيلة حياته مؤلفين اثنين أحدهما باللغة الإنجليزية والآخر باللغة الإسبانية، وهما:
  • كتاب مذكرات "الحج من أجل السلام" (Pilgrimage for Peace) سنة 1997.
  • "دليل القانون الدبلوماسي" (Manual de Derecho Diplomatico) سنة 1964.

الإنجازات

  • منحه ما يقارب 25 بلدا درجة الدكتوراه الفخرية طيلة مسيرته الدبلوماسية.
  • حصل على عدد من الجوائز والأوسمة من طرف رؤساء ومؤسسات دولية مختلفة في مقدمتها جائزة أمير أستورياس لتعزيز التعاون الأيبيري الأمريكي، وجائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي وغيرها.
  • وفي عهده فاز حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام لعام 1988 نظير مجهوداتهم في موزمبيق وأنغولا.

الوفاة

توفي خافيير بيريز دي كوييار في 4 مارس/ آذار عام 2020 بالعاصمة البيروفية ليما عن عمر ناهز الـ 100 عام.

قالوا عنه

أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة: "بيريز دي كوييار رجل دولة بارع ودبلوماسي ملتزم وملهم شخصي ترك تأثيرا عميقا على الأمم المتحدة وعالمنا".

بان كي مون أمين عام سابق للأمم المتحدة: "بيريز دي كويلار يعد أحد أعظم الدبلوماسيين في القرن العشرين".

أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو: "يغمرني عميق الأسى لوفاة خافيير بيريز دي كوييار، الذي كان أحد أبرز المساهمين في أعمال اليونسكو. فقد كان لما يتحلّى به من كاريزما وبسالة سياسية وفكرية أسهمت في إبراز الدور الأساسي للثقافة والتنوع الثقافي كركيزتين من ركائز تحقيق السلام والتنمية المستدامة".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية