محمد علي كلاي.. الملاكم "الأعظم" الذي رفض المشاركة في حرب فيتنام

محمد علي كلاي، ملاكم أميركي مسلم تميّز في مجاله وحصد جوائز عدة، نال لقب "الأعظم" بعدما صار من كبار أساطير اللعبة عبر التاريخ وسيد فئة الوزن الثقيل، والوحيد الذي فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل في 3 مناسبات، واستمر على عرش هذه الرياضة لما يقارب من 20 عاما.

عاش كلاي مسارا رياضيا حافلا، خاض خلاله 61 نزالا، حقق فيها 56 انتصارا، 37 منها بالضربة القاضية. دافع عن حقوق الإنسان، وكرس حياته لمكافحة التمييز والعنصرية ونصرة الإسلام، رفض الانخراط في حرب فيتنام، فجُرد من لقبه، وصدرت في حقه عقوبة سجنية، ومنع من ممارسة الملاكمة مدة 4 سنوات.

المولد والنشأة

ولد كاسيوس ماركوس كلاي في 17 يناير/كانون الثاني 1942، ونشأ رفقة أخيه الأصغر في لويزفيل، كبرى مدن ولاية كنتاكي الأميركية، لعائلة سوداء من الطبقة المتوسطة، وسمي على اسم أحد دعاة إلغاء عقوبة الإعدام البارزين في القرن الـ19.

كان والده كاسيوس مارسيلوس كلاي ميثودي العقيدة (الميثودية طائفة مسيحية بروتستانتية ظهرت في القرن الـ18)، ويشتغل في رسم اللوحات الإعلانية واللافتات، في حين ربته على المذهب المعمداني والدته أوديسا غرادي كلاي التي عملت خادمة منزلية. غير اسمه إلى محمد علي عندما بلغ الـ22 بعد اعتناقه الإسلام.

الحياة الشخصية

تزوج محمد علي كلاي لأول مرة عام 1964 من سونجي روي، التي انفصل عنها بعد أقل من عام، ثم تزوج عام 1967 من بيليندا بويد، التي غيرت اسمها إلى خليلة بعد اعتناقها الإسلام، وأنجبا 4 أبناء قبل طلاقهما عام 1976.

وفي عام 1977 عقد كلاي قرانه للمرة الثالثة على فيرونيكا بورشي، بعد لقائهما في زائير (الكونغو الديمقراطية) عام 1974، وأنجب منها ابنتين، لكنهما انفصلا عام 1986. وفي العام نفسه تزوج زوجته الرابعة يولاندا ويليامز.

بدايته في الملاكمة

لولا إغراء الطعام المجاني، لربما لم يكن محمد علي كلاي قد مارس الملاكمة على الإطلاق، فقد انطلق الطفل البالغ من العمر 12 عاما، راكبا دراجته الهوائية ذات اللونين الأحمر والأبيض في اتجاه معرض لويزفيل "هوم شو"، الذي أعلن عن توزيع الفشار والنقانق والحلويات على الحاضرين مجانا.

وعند مغادرته المعرض لم يعثر محمد علي كلاي على دراجته المركونة، فاقترح عليه أحد الأشخاص بأن يبلغ شرطيا كان في المكان، فذهب إليه وكان حينها الشرطي يدير صالة للألعاب الرياضية في مدينة كولومبيا بمقاطعة أدير (كنتاكي)، وبعدما أخبر علي كلاي الشرطي بالأمر طلب منه أن يدعه يضرب السارق، فأجابه الشرطي "عليك أن تتعلم كيف تقاتل قبل أن تتحدى العالم".

وذكر كلاي لاحقا في سيرته الذاتية التي عنوانها "الأعظم" قائلا "ركضت إلى الطابق السفلي وأنا أبكي، لكن مشاهد وأصوات ورائحة الملاكمة أثارتني كثيرا لدرجة أنني كدت أنسى أمر الدراجة".

وعندما كان على وشك المغادرة، ربتَ الشرطي مارتن على كتفه قائلا "بالمناسبة، إننا نمارس الملاكمة كل ليلة، من الاثنين إلى الجمعة، من السادسة إلى الثامنة، إليك طلبا في حالة رغبت الانضمام إلينا’.

بدأ كلاي ممارسة الملاكمة عام 1954، وشغف بها داخل صالة مدرب الملاكمة جو مارتن، وهو لا يزال في الـ12 من عمره، وخاض نزالا للمرة الأولى التي يدخل فيها إلى الحلبة ضد مقاتل يكبُره سنا، فتعرض لضرب عنيف، وفي غضون دقيقة واحدة تلطخ أنفه بالدماء، فسحبه المدرب للخارج.

وبعد مرور 6 أسابيع، عاد كلاي وفاز بأول مباراة له بقرار منقسم ضد منافس مبتدئ يدعى روني أوكيف، وبعد ذلك تألق كهاو، فأعلن والده كاسيوس كلاي أن ابنه سيكون بطلا للعالم في الوزن الثقيل.

على مدى السنوات الخمس التالية، ازدهرت مسيرة كلاي الرياضية وهو دون سن الـ18، إذ فاز بعدد من الجوائز والألقاب على المستويين المحلي والوطني، زمنها بطولة القفازات الذهبية للأبطال في عام 1959.

أولمبياد روما

شارك كلاي في دورة الألعاب الأولمبية عام 1960 ممثلا الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن بدأ حياته الرياضية تحت إشراف مجموعة لويزفيل الراعية، وهي نقابة مكونة من 11 رجلا أبيض ثريا، وحصل على أول ميدالية ذهبية في روما عن فئة الوزن الثقيل والخفيف، على الرغم من صعوبة ما واجهه في المباراة النهائية أمام البولندي زبيغنيو بيترزيكوفسكي الحائز على الميدالية البرونزية عام 1956.

وبعد هذه التجربة ارتقى كاسيوس من رياضي هاو إلى بطل حائز على الميدالية الذهبية الأولمبية، لكنه ألقى ميداليته مباشرة بعد تتويجه بها في نهر أوهايو، وذكر في مذكراته أنه ألقاها للإحباط الذي شعر به من واقع المجتمع الأميركي المنفصل آنذاك، إذ طرد من أحد مطاعم كنتاكي، وكان يرتدي ميداليته الذهبية، بسبب لون بشرته السوداء.

بطل العالم

وبعد أن صار ملاكما محترفا في أكتوبر/تشرين الأول 1960، استطاع محمد علي كلاي الفوز في 19 نزالا، 15 منها بالضربة القاضية، وألحق الهزائم بعدد من الأبطال الذين كان نجمهم ساطعا وقتها، أمثال جورج فاغنر ودون وارنر وهنري كوبر.

وفي 25 فبراير/شباط 1964، أذهل كلاي العالم بعدما تمكن من وضع حد لهيمنة سوني ليستون في فئة الوزن الثقيل، وانتصر عليه في نزال شهير دارت أطواره بميامي بيتش في ولاية فلوريدا، في وقت كان يُعتبر فيه ليستون خصما قويا لم يخسر إلا نزالا وحيدا من أصل 36 قتالا له حتى ذلك الحين، وهو الفائز بلقب الوزن الثقيل العالمي عام 1962 بعدما هزم فلويد باترسون.

مع بداية النزال سيطر كلاي على الجرس الافتتاحي، ورفع يديه ورقص رقصة صغيرة في وسط الحلبة، ولعبت خفة حركته وأسلوبه في تفادي الضربات دورا كبيرا في إفقاد خصمه توازنه.

فاستطاع إصابته بالكثير من اللكمات والتركيبات التي تركت ليستون في حالة ذهول وارتباك، حتى استسلم في الجولة السادسة، وأشار إلى إصابة في كتفه، ففاز كلاي بالضربة القاضية، ورقص رقصة الانتصار، وتوج بطلا للعالم في الوزن الثقيل.

بعد الإعلان عنه بطلا جديدا للعالم في الوزن الثقيل، أدلى الشاب البالغ من العمر (22 عاما) بتصريحات للصحافة أمام حشد من 8297 شخصا في قاعة المؤتمرات.

من كاسيوس إلى محمد علي

عقب فوزه المثير على منافسه سوني ليستون عام 1964، أعلن كاسيوس كلاي اعتناق الإسلام وانضمامه إلى جماعة أمة الإسلام مع مالكوم إكس، فكان هذا الإعلان بمثابة صدمة للرأي العام وللملايين من محبيه ومعجبيه عبر العالم.

تعرض البطل الشاب إلى موجة من الانتقادات، وهاجمه بعضهم ورفضوا الاعتراف باسمه الجديد "محمد علي كلاي" مواصلين مناداته بكاسيوس، وإضافة إلى ذلك، سحبت إحدى شركات التسجيل ألبوم "الأعظم" الذي يلعب فيه كلاي دور البطولة.

كما تم إلغاء برنامج حواري كان من المقرر أن يحل فيه محمد علي كلاي ضيفا على النجم جاك بار، في وقت قادت فيه الصحافة بقيادة جيمي كانون، عميد صحفيي الملاكمة، حملة عنيفة ضد الملاكم الشاب.

"طلبت من الله الثروة فأعطاني الإسلام، لا يهم ما إذا كنت مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، عندما تؤمن بالله ينبغي أن تعتقد أن جميع الناس جزء من عائلة"، لقد اعتبر محمد علي كلاي اعتناقه للإسلام جزءا من تحوله الروحي والديني، مدركا أن الإسلام يمثل بالنسبة له وسيلة لتعزيز هويته وتوجيه حياته وجهوده الرياضية بما يتناسب مع قيمه ومعتقداته، فخصص دخلا سنويا للأنشطة التي تخدم الإسلام، وحول قصره إلى مسجد ومدرسة لتعليم القرآن الكريم، وبنى أكبر مسجد في شيكاغو تحول بعد ذلك إلى مركز إسلامي.

خلال 5 عقود، ومنذ أن خسر جاك جونسون لقبه أمام جيس ويلارد في هافانا عام 1915 وحتى 1966 لم يُسجل التنافس على لقب الوزن الثقيل إلا مرتين خارج أميركا، ومع ذلك، فعندما وجد كلاي صعوبة في القتال داخل الولايات المتحدة، أخذ حزامه الثقيل، وسافر به إلى كندا للتغلب على جورج تشوفالو، ثم إلى إنجلترا للتخلص من هنري كوبر (مرة أخرى)، قبل أن يقفز إلى ألمانيا ليهزم كارل ميلدنبرغر، حيث اختارته منظمة الملاكمة آنذاك سفيرا للنوايا الحسنة في الأراضي الأجنبية، وذلك نظرا للشعبية التي أضحى يتمتع بها من قبل جمهور الملاكمة، الذي لم يعد يكترث لمعتقداته.

عاد محمد علي كلاي إلى أميركا، وقدم أحد العروض المرئية الرائعة في حياته الرياضية، وأوقف ويليامز "القط الكبير" في 3 جولات.

حرب فيتنام

وعام 1964 كان محمد علي كلاي قد رسب للمرة الثانية في الاختبارات المؤهلة للالتحاق بالجيش الأميركي، بسبب عدم تمكنه من مهارات الكتابة واللغة، وأشير إلى أن درجة ذكائه حينها كانت أقل بكثير من المستوى المطلوب للتجنيد، وهو ما رد عليه كلاي بالقول "قلت إنني الأعظم ولست الأذكى". لكن وبعد مرور عامين، فوجئ بطل العالم بالملاكمة بقبوله في الجيش، جراء التخفيف من معايير الانتقاء، الأمر الذي جعله مؤهلا للتجنيد.

أثار محمد علي اهتماما دوليا بسبب رفضه الخدمة العسكرية في 28 أبريل/نيسان 1967، واعتراضه أيضا على المشاركة في حرب فيتنام باعتبارها "حربا غير مبررة، ولا تتناسب مع دينه"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه لا خلاف له مع الفيتكونغ (المقاتلون الفيتناميون).

وفي سياق ذلك قال بطل العالم "ضميري لن يسمح لي بأن أطلق النار على أخ لي، أو أناس أكثر سمرة، أو بعض الفقراء الجوعى في الوحل من أجل أميركا القوية الكبرى"، ولم يكتف بذلك بل تزعم العديد من المظاهرات الرافضة لهذه الحرب.

وبسبب موقفه جرد محمد علي كلاي من اللقب العالمي، وقدم للمحاكمة بتهمة رفض التجنيد، وصدر في حقه حكم بالسجن 4 سنوات وغرامة قدرها 10 آلاف دولار، وبقي حرا خلال فترة استئناف القرار، لكنه مُنع من ممارسة الملاكمة في هذه الفترة التي امتدت 3 سنوات، قبل أن تصدر المحكمة العليا حكما جديدا عام 1971، يقضي بأن "رفض علي كلاي لأداء الخدمة العسكرية لم يكن جريمة، بل إن معارضته للحرب كانت بسبب ضمير أخلاقي يتعلق بعقيدته".

الانتقام الأعظم

عاد محمد علي كلاي لارتداء القفازات من جديد، وتمكن في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1970 من هزم جيري كواري بالضربة القاضية الفنية في أتلانتا، وفي الثامن من مارس/آذار 1971 واجه منافسه جو فريزر في معركة أطلق عليها "نزال القرن"، نظرا لعدم تعرض الملاكمين معا لأي هزيمة من قبل، وانتهى النزال بفوز فريزر بالنقاط وبإجماع الحكام.

وفي 31 مارس/آذار الماضي تعرض محمد علي للخسارة الثانية بالنقاط أمام كين نورتون، ثم عاد بعد 6 أشهر، وفاز عليه في مباراة جديدة جمعتهما، ثم عاد في يناير/كانون الثاني 1974 لينتقم من فريزر في نزال جديد، بعد أن فقد هذا الأخير لقبه لصالح جورج فورمان، واستطاع كلاي تحقيق لقب البطولة.

وفي إحدى أقوى المباريات في تاريخ الملاكمة، تمكن محمد علي كلاي من كسب "نزال الأدغال" في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1974 في كينشاسا عاصمة زائير (الكونغو الديمقراطية حاليا) أمام خصمه "المخيف" جورج فورمان، بعد أن تغلب عليه بالضربة القاضية في الجولة الثامنة وفاز باللقب.

وبمانيلا، تمكن علي كلاي في أكتوبر/تشرين الأول 1975 من هزم فريزر في مباراة إعادة ثانية لم يتمكن فيها خصمه من خوض الجولة الأخيرة، ثم خسر لقبه بعد 3 سنوات بالنقاط أمام مواطنه ليون سبينكس (25 عاما)، لكنه سرعان ما استعاده بعد بضعة أشهر (15 سبتمبر/أيلول 1978) بالنقاط وبإجماع الحكام، وأصبح أول ملاكم يتوج بالبطولة في 3 مناسبات. وأعلن محمد علي كلاي اعتزاله في سن الـ36 قائلا "لقد عانيت وضحيت أكثر من أي وقت مضى، لم يتبق لي أي شيء لأكسبه من خلال القتال".

كغيره من الملاكمين لم يستطع محمد علي الابتعاد عن الملاكمة، وسرعان ما سجل عودته للحلبة في سن الـ38 من أجل مواجهة البطل الجديد لاري هوملز عام 1980، لكن لياقة علي ومهارته هذه المرة بدت ضعيفة بصورة واضحة، مما أرغم مدربه أنجيلو دندي على إيقاف النزال بعد 10 جولات، لتصبح المرة الأولى في مسيرة كلاي التي ينهي فيها نزالا مريرا له بهذه الطريقة، قبل أن يخسر وهو في سن الأربعين في آخر مباراة له في مشواره أمام تريفور بيربيك في 11 ديسمبر/كانون الأول 1981.

undefined

الجوائز والإنجازات

الميدالية الذهبية الأولمبية. بطل العالم في فئة الوزن الثقيل 3 مرات (1964-1974-1978). ميدالية الحرية تكريما له على ما قدمه من مساعدات إنسانية خيرية. جائزة القيادة العالمية لدوره القيادي في دعم القضايا الإنسانية. عضو قاعة مشاهير الملاكمة الدولية منذ عام 1990. ملاكم العام أعوام 1963، 1972، 1974، 1975 و1978.

الوفاة

وفي الرابع من يونيو/حزيران 2016 أعلن عن وفاة بطل الملاكمة العالمي محمد علي كلاي بمستشفى فينيكس في ولاية أريزونا الأميركية عن عمر ناهز (74 عاما)، بعد صراع طويل مع مرض الشلل الرعاش (باركنسون).

وكان قد أدخل إلى المستشفى قبل وفاته بأيام لمعالجته من مشاكل تنفسية. وبعد الوفاة دفن في مسقط رأسه مدينة لويفيل بولاية كنتاكي.

وقد بدأت أعراض مرض الشلل الرعاشي تظهر على محمد علي عام 1984، وفي عام 2013 قال أخوه رحمان علي للصحافة إن محمد لم يعد قادرا على الكلام.

المصدر : الجزيرة