أربعة ملفات "استعمارية" تعكر العلاقات الجزائرية الفرنسية

A visitor looks at a soldier costume and a French national flag which reads
مسؤولون فرنسيون اعترفوا بالانتهاكات التي ارتكبتها بلادهم خلال استعمارها للجزائر لكنهم يرفضون الاعتذار (رويترز)

تعكر صفو العلاقات الجزائرية الفرنسية ملفات عديدة مرتبطة أساسا بالتاريخ الاستعماري لفرنسا (1830-1962)، أبرزها مطالبة الجزائر فرنسا بالاعتذار عما تصفه بالجرائم الاستعمارية، وقضية التجارب النووية الفرنسية بالجزائر، واستعادة الأرشيف، وممتلكات من يوصفون بـ"الأقدام السوداء".

وفيما يلي أبرز الملفات الخلافية بين الجزائر وفرنسا:

الاعتراف والاعتذار
تطالب الجزائر منذ استقلالها عام 1962 باعتراف فرنسي رسمي بجرائم الاستعمار العديدة  وبالاعتذار عنها، وبينها حملة الإبادة التي ارتكبتها القوات الفرنسية في ولايات سطيف وقالمة وخراطة بشرقي الجزائر، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى في الثامن من مايو/أيار 1945.

ويطالب الجزائريون أيضا بأن تعترف فرنسا وتعتذر عن أحداث 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 التي توصف بالمجزرة التي ارتكبتها فرنسا ضد متظاهرين جزائريين خرجوا في مظاهرات سلمية بباريس احتجاجا على حظر التجول الذي فرض على الجزائريين في العاصمة الفرنسية عام 1961.

وبمناسبة الذكرى 55 لاستقلال البلاد في الخامس من يوليو/تموز 1962، قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الخامس من يوليو/تموز 2017 إن شعبه ما زال مصرّا على اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية في الجزائر، وهو التذكير الذي جاء متزامنا مع وصول إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم في باريس، الذي يوصف في الجزائر بالسياسي الذي له مواقف "جريئة" من الملف الاستعماري.

وتصر باريس يمينها ويسارها على رفض فكرة الاعتذار عن ماضيها الاستعماري في الجزائر، في وقت يرى البعض أنها محاولة لتفادي مواجهة القضاء الدولي.

وأقر بعض المسؤولين الفرنسيين بالانتهاكات التي ارتكبتها بلادهم خلال استعمارها للجزائر، لكنهم يرفضون الاعتذار، وخلال زيارة للجزائر في فبراير/شباط 2017 كمرشح للرئاسة، قال ماكرون إن "الاستعمار الفرنسي للجزائر تميز بالوحشية وشهد جرائم ضد الإنسانية".

وأضاف "لكن لا يمكن أن نطلب من الشعب الفرنسي أن يعتذر للجزائريين".

وسبق للرئيس السابق فرانسوا هولاند أن تحدث يوم 19 مارس/آذار 2016 عن التعذيب والتهجير الذي لحق بالجزائريين خلال الفترة الاستعمارية، وقال إن جميع المؤرخين يقرون بأن فرنسا "أساءت لمفاهيم العدالة والحرية وقامت بنهب الجزائر وتدمير أجزاء منها".

كما أقرت السلطات الفرنسية بمسؤولية باريس عن مقتل مئات المتظاهرين الجزائريين على يد الشرطة الفرنسية خلال مظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 بباريس.

غير أن الجمعية الوطنية الفرنسية قد قامت قبلها، وبالضبط عام 2005، بتمرير قانون يمجّد الاستعمار، وعدّ ذلك استفزازا لمشاعر الجزائريين.

التجارب النووية
تعد التجارب النووية الفرنسية بالجزائر خلال فترة الاحتلال من القضايا الخلافية الكبرى بين البلدين، وقد سعى الجزائريون منذ استقلالهم إلى تحريك هذا الملف لمحاكمة فرنسا وحملها على تعويض ضحايا تلك التجارب، علما أن كثيرا من الجزائريين يرون أن هذا التحرك لم يكن بالمستوى المطلوب.

الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أعلنت من جهتها في فبراير/شباط 2017 عن رفع دعوى قضائية ضد فرنسا أمام كل الهيئات الدولية ضد "الجرائم المنافية للإنسانية من أجل رد الاعتبار لضحايا التجارب النووية الفرنسية".

وكشفت الرابطة في بيان لها عن وجود مساع وتنسيق مع المنظمات المعنية في العديد من دول العالم من أجل محاكمة الدولة الفرنسية في قضايا التفجيرات النووية "باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

وبحسب الرابطة، فقد أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في صحراء الجزائر ابتداء من 13 فبراير/شباط 1960 حتى عام 1966، أي أربع سنوات بعد الاستقلال، وتسببت في مقتل الآلاف (تتحدث بعض الأرقام أن عدد القتلى بلغ 42 ألفا) وإصابة آلاف آخرين بإشعاعات نووية، علاوة على الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبيئة والسكان وتدمير حياة الكائنات الحية فوق الأرض وتحتها، وتدوم آثارها آلاف السنين.

وقالت مجلة "الجيش" (التي تصدرها وزارة الدفاع الجزائرية) عام 2010 إن 150 جزائريا استُخدموا كفئران تجارب في التفجير الأول، حيث عُلقوا على أعمدة في محيط التجربة لدراسة تأثير الإشعاعات على الإنسان.

الأرشيف
تختلف فرنسا والجزائر أيضا بشأن التراث الوطني الجزائري، ويقول الجزائريون إن الاحتلال الفرنسي لم يخرج خالي الوفاض، بل حمل الجنود الفرنسيون معهم قطعا فنية وكتبا وخرائط تاريخية، وهو تراث وطني ما زال موجودا في المكاتب الفرنسية حتى اليوم، وتقول الجزائر إن على فرنسا أن تعيد ذلك.

وتذكر السلطات الجزائرية أن القوات الاستعمارية رحلت نحو فرنسا بعد دخولها الجزائر عشرات الآلاف من الوثائق التي تعود إلى الحقبة العثمانية بالجزائر.

في المقابل تنظر فرنسا للمسألة من زاوية مختلفة، وقال مدير الأرشيف الوطني الفرنسي إيرفيه لوموان إنه تم التوصل إلى اتفاق عام 1966 لإعادة الأرشيف التاريخي للجزائر، خاصة الوثائق التي تعود للعهد العثماني ووثائق فنية من عام 1830 إلى عام 1962، لكن الجزائر عادت وطالبت بالمزيد بعد هذا الاتفاق.

ولهذا الخلاف تداعيات عملية بالنسبة للجزائر لأن بعض الوثائق الموجودة في المؤسسات الفرنسية تحتوي على بيانات فنية وخرائط لشبكات الصرف تحت الأرض وأنابيب الغاز وخطوط الكهرباء.

"الأقدام السوداء"
يثير ملف "الأقدام السوداء" الكثير من الجدل والاتهامات المتبادلة بين الجزائر وفرنسا، حيث تطالب الأخيرة بتمكين رعاياها الذين غادروا الجزائر بعد 1962، وتركوا وراءهم أملاكا وعقارات، من ممارسة حقهم في الملكية حسب ما ينص عليه القانون.

و"الأقدام السوداء" لقب يطلق على الفرنسيين الذين ولدوا أو عاشوا في الجزائر لأجيال متتالية خلال احتلال فرنسا للجزائر.

ورفعت جمعيات تدافع عن الفرنسيين الذين استوطنوا الجزائر، قضايا لدى محاكم فرنسية تطالب الجزائر بتعويض "الأقدام السوداء" عن ممتلكاتهم التي تركوها هناك بعد مغادرتها.

مع العلم أنه في مايو/أيار 1968 أصدرت الحكومة الجزائرية قرارًا يقضي بتأميم ممتلكات "الأقدام السوداء" الذين غادروا الجزائر واعتبارها ملكًا للدولة.

وفي يوليو/تموز 2016 وعشية إحياء ذكرى عيد الاستقلال، حسم الرئيس الجزائري بوتفليقة الموضوع بقوله صراحة إنّ "الأقدام السوداء لن يسترجعوا أملاكهم في الجزائر" باعتبار أن الاستعمار جرّد بدوره آلاف الجزائريين من ممتلكاتهم وأراضيهم.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية