أكراد العراق.. من الحكم الذاتي إلى استفتاء الانفصال

مهرجان الدعوة‌ الی الاستفتاء في أربيل
أكراد العراق انتفضوا مرات عديدة للحصول على مطلبهم (الجزيرة)

انتقلت مطالب أكراد العراق البالغ عددهم 5.2 ملايين نسمة، بحسب موقع حكومة إقليم كردستان على شبكة الإنترنت، من الحكم الذاتي إلى استفتاء الانفصال من جانب واحد عن العراق، أملا في بناء دولتهم المستقلة.

وللكرد في إقليم كردستان العراق تاريخ طويل في النضال من أجل تقرير مصيرهم، فانطلاقا من "انتفاضة" الشيخ عبد السلام البارزاني مطلع القرن العشرين، ووصولا إلى أحداث عام 1991، ومرورا بكل العمليات المسلحة التي قادها الملا مصطفى البارزاني وباقي القادة الكرد، كان لأصحاب القضية دوما مطالب تتأرجح بين الانفصال وتشكيل الدولة المستقلة ومجرد بعض الحقوق المدنية.

الحكم الذاتي
انتفض أكراد العراق مرات عدة للحصول على مطالبهم، وفي 11 مارس/آذار 1970 تحقق حلمهم عندما تم تثبيت حقهم في الحكم الذاتي في الوثيقة التي أصدرتها الحكومة التي كان يقودها حزب البعث في العراق، وفي مارس/آذار 1974 صدر قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق، إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الملا مصطفى البارزاني رفض القانون ولجأ إلى السلاح.
 
وإثر الغزو الأميركي للعراق في مارس/آذار 1991 انتفض الأكراد بوجه السلطات العراقية، واستولوا على المدن الرئيسية بما فيها كركوك، وغادرت القوات العراقية المدن الشمالية (السليمانية وأربيل ودهوك وكركوك)، وأصبحت منطقة كردستان العراق مستقلة بحكم الأمر الواقع.
 
كما قامت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ودون اللجوء إلى الأمم المتحدة بإعلان منطقتي شمالي خط 32 وجنوبي خط 37 مناطق محمية من قبلهما، ومنع الطيران العراقي من التحليق فوقها. وهكذا أصبحت كل من أربيل والسليمانية ودهوك مناطق خارج إدارة السلطة المركزية.
 
وبعد سقوط نظام صدام حسين في أبريل/نيسان 2003، تحولت منطقة الحكم الذاتي إلى إقليم كردستان العراق ضمن الكيان غير الاتحادي، وانتخب مؤسساته الرسمية، لكن الخلاف على كركوك ظل مستمرا.
 

وأصبح الإقليم يتمتع بصلاحيات واسعة مقررة في دستور العراق، وجاء في المادة الرابعة من الدستور العراقي "نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي فدرالي ديمقراطي تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية".

اقرأ أيضا تغطية خاصة:
أحزاب الكرد وخرائطهم

وأوردت المادة 53 من الدستور العراقي أنه "يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 مارس/آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى".

الاستفتاء
في ظل خلافات متراكمة مع حكومة بغداد، قرّر رئيس الإقليم مسعود البارزاني إجراء استفتاء في الإقليم يحدد فيه الشعب مصير علاقته مع بغداد.

فقد أقر الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية العراقية السابق جلال الطالباني، مطلع أبريل/نيسان 2017 العمل على تشكيل لجنة موسعة لتحديد وقت وآلية إجراء استفتاء شعبي بخصوص "تحديد مصير واستقلال" كردستان العراق.

وفي بداية يونيو/حزيران 2017، قالت رئاسة كردستان العراق في بيان إنه "اختير يوم 25 سبتمبر/أيلول لتنظيم الاستفتاء"، وذكرت أن الاستفتاء سيجري بالإقليم والمناطق التابعة لكردستان وغير الخاضعة لسلطات الإقليم، في إشارة إلى مناطق في شمالي العراق، لا سيما محافظة كركوك الغنية بالنفط التي يتنازعها بها الأكراد والحكومة العراقية الفدرالية.

وفي 25 سبتمبر/أيلول 2017 بدأت عملية الاستفتاء في أربع محافظات بالإقليم، هي أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة، فضلا عن محافظة كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد.

وقال البارزاني في مؤتمر صحفي بأربيل قبل يوم من الاستفتاء "لن نعود مطلقا إلى شراكة فاشلة" مع بغداد، مضيفا أن العراق أصبح "دولة دينية طائفية" وليس دولة ديمقراطية، حسب تعبيره، لكنه قال في المقابل إن الاستفتاء لا يعني إعلان الاستقلال فورا، وإنما هو بداية لما وصفها بمحادثات جادة مع بغداد لحل المشاكل العالقة، ومن بينها الحدود والنفط.

تهديد بغداد
في الجهة المقابلة، رفضت الحكومة العراقية استفتاء انفصال إقليم كردستان، وحذر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم 16 سبتمبر/أيلول 2017 القيادة الكردية من "اللعب بالنار".

وفي خطاب نقله التلفزيون العراقي يوم 24 سبتمبر/أيلول 2017، قال العبادي إن الاستفتاء قد يؤدي إلى تمزيق وحدة العراق، محذرا مما وصفها بعواقب وخيمة لهذه الخطوة.

وبالتزامن مع إجراء الاستفتاء، دعا المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي الذي يرأسه العبادي حكومة إقليم كردستان لتسليم المعابر الحدودية والمطارات إلى الحكومة الاتحادية، كما طالب الدول الأجنبية بوقف تجارة النفط مع الإقليم.

 ولم يقتصر رفض الاستفتاء على حكومة بغداد فقط، فالدول الإقليمية وبالتحديد تركيا وإيران أعلنتا رفضهما له، ووصفته أنقرة بأنه "خطأ فادح"، وأعلن الرئيس رجب طيب أردوغان في سبتمبر/أيلول 2017 رفضه "قيام دولة مستقطعة من العراق"، ولوّح بفرض عقوبات على الإقليم.

في رد عملي على شروع إقليم كردستان العراق بإجراء استفتاء الانفصال، فرضت تركيا إجراءات مشددة على الحدود. من جهتها، أعلنت إيران إغلاق المجال الجوي أمام الإقليم.

كما أعلنت قوى دولية أخرى على رأسها الإدارة الأميركية معارضتها للاستفتاء، بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الاستفتاء "سيصرف الانتباه عن الحاجة لهزيمة" تنظيم الدولة الإسلامية وإعادة بناء المناطق المستعادة من التنظيم.

undefined

المصدر : الجزيرة