اليمين المتطرف بأوروبا 2017.. عام من ذهب

epa06393662 (L-R) Marine Le Pen, head of French far-right National Front (FN) party, Tomio Okamura, leader of Czech far-right Freedom and Direct Democracy party and Dutch far-right politician Geert Wilders of the PVV party attend a press conference during a conference of European right-wing party ENF, Europe Nations and Freedom, in Prague, Czech Republic, 16 December 2017.
زعماء اليمين المتطرف بأوروبا اجتمعوا في براغ يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2017 ودعوا لتوحيد الصفوف لمواجهة الأخطار المشتركة (الأوروبية)

يرسّخ اليمين المتطرف تقدمه في أوروبا منذ العقد الأول من القرن الحالي، وأكدت عمليات انتخابية مهمة جرت عام 2017 هذا الاتجاه في فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا، حيث يسرع نجاح الأحزاب الشعبوية المشككة في البناء الأوروبي والمعادية للهجرة إعادة تشكيل المشهد السياسي في القارة.

نتائج تاريخية
حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة نتائج تاريخية رغم عدم حلولها في المراتب الأولى لاستلام زمام الحكم، وهو ما يراه خبراء إنجازا لم يتحقق منذ 1945.

وحل حزب الحرية الهولندي بزعامة خيرت فيلدرز في مارس/آذار الماضي ثانيا، وبات أكبر قوة في البرلمان الهولندي خلف الليبراليين بـ20 مقعدا من أصل المقاعد الـ150، مضيفا إلى رصيده خمسة نواب.

وفي فرنسا، تأهلت رئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبان للجولة الرئاسية الثانية في الربيع مع مضاعفة عدد الأصوات التي حصل عليها والدها مؤسس الحزب جان ماري لوبان قبل 15 عاما.

وحصلت مارين على 33.94% من الأصوات، في وقت سبق لأبيها أن حصل عام 2002 على 17.79%، مقابل 82.21% وقتها لجاك شيراك في الدور الثاني.

وكانت الصدمة الأخرى في الانتخابات التشريعية الألمانية في سبتمبر/أيلول الماضي مع اختراق غير مسبوق حققه حزب بديل لألمانيا ودخوله البوندستاغ مع 12.6% من الأصوات، مقابل 4.7% قبل أربع سنوات.

كما أنهى حزب الحرية النمساوي، الأقدم بين حركات الأسرة اليمينية الأوروبية، الموسم الانتخابي مقتربا من سجله القياسي يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم مع 26% من الأصوات، ونجح في الوصول للحكم ضمن ائتلاف مع حزب المحافظين النمساوي.

 أما في إيطاليا والسويد، حيث من المتوقع أن تجري الانتخابات التشريعية عام 2018، فإن اليمين القومي يبدو عالقا في كمين.

دغدغة المشاعر
وبحسب الخبراء، فإنه رغم اختلاف التجارب في كل بلد، فإن نجاح اليمين المتطرف يرجع بشكل عام إلى تركيزه على قضايا انعدام الأمن والهجرة والإرهاب والتقلبات الاقتصادية، وهي قضايا تدغدغ مشاعر فئات من الرأي العام المتخوف من المستقبل، والذي يعتقد بأن الآخر هو الجحيم، على بساطة الفكرة وسذاجتها.

وحقق حزبا بديل لألمانيا والحرية النمساوي نجاحهما في بلدين كانا بين الدول الأوروبية التي استقبلت أكبر عدد من المهاجرين منذ عام 2015، مما أدى إلى جدل بشأن كلفة ذلك وإمكانية اندماج الوافدين الجدد في المجتمع.

لكن وجود المهاجرين لا يوضح وحده أداء اليمين القومي الذي يستفيد أيضا من الاستياء تجاه الأحزاب والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية.

وفي خطوة لتأكيد تقدمها وقوتها المتنامية، عقدت أحزاب أوروبية متطرفة اجتماعا هاما لها بالعاصمة التشيكية براغ يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2017، حضره كل من مارين لوبان وخيرت فليدرز، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث نظمت مظاهرات ضد كره الأجانب بتزامن مع انعقاد اللقاء.

وشارك في اللقاء -الذي رفع شعار "من أجل أوروبا للأمم ذات السيادة"- لورنزو فونتانا من رابطة الشمال الإيطالية، وغيورغ ماير من حزب حرية النمسا، والبلجيكي جيرولف أنيمانز، والبولندي ميشال ماروسيك، وماركوس بريتسل من حزب بديل لألمانيا، وجانيس أتكينسون التي كانت عضوا في "حزب استقلال المملكة المتحدة" (يوكيب).

وتوضح تلك الأحزاب المتطرفة أنها متحالفة في "أوروبا الأمم والحريات"، وهي المجموعة السياسية التي تأسست عام 2015 داخل البرلمان الأوروبي، وتؤكد أنها تعمل على التعاون في أوروبا خارج أطر الاتحاد الأوروبي.

المهاجرون وبينهم المسلمون ما فتئوا يحذرون من خطر اليمين المتطرف بأوروبا على الحريات وحقوق الإنسان (الأوروبية)
المهاجرون وبينهم المسلمون ما فتئوا يحذرون من خطر اليمين المتطرف بأوروبا على الحريات وحقوق الإنسان (الأوروبية)

المشاركة بالحكومات
مع واقع إنجازات اليمين المتطرف بأوروبا، تتراوح خيارات الأحزاب الأخرى حيال هذا الأمر بين الابتعاد، واستنساخ الخطاب دون تغيير كامل للمبادئ، والتعاون في ظل تنامي قوة اليمين المتطرف الذي يرغم الآخرين على تكييف إستراتيجياتهم إزاءه.

وأدى اختيار المستشار النمساوي الشاب سيباستيان كورتز التنافس مع حزب الحرية على مواضيع الهجرة ومكانة الإسلام في المجتمع والأمن إلى توقيع اتفاق بينهما.

ففي 17 ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن عن دخول حزب اليمين المتطرف الحكومة النمساوية، وتوليه ثلاث وزارات سيادية هي الدفاع والخارجية والداخلية، وبحسب رئيس الحزب هاينز كريستيان شتراخه فإنه لن يلجأ إلى الاستفتاء الشعبي لحسم الخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك استجابة منه لطلب رئيس الحكومة سيباستيان كورتز.

غير أنه بالمقابل أكد أن التعاون مع أوروبا مطلوب وخاصة في مجالات الأمن والحدود، واستدرك بالقول "ينبغي منح الدول مزيدا من السلطات في كل مرة يبدو فيها ذلك ممكنا".

وفى بلغاريا، يحكم حزب يمين الوسط بزعامة رئيس الوزراء بويكو بوريسوف منذ مارس/آذار الماضي مع ائتلاف من الأحزاب القومية.

وفي فرنسا، لا تزال الأحزاب التقليدية تستبعد التحالف مع اليمين المتطرف، كما هي الحال في ألمانيا وهولندا.

وتبرز الاضطرابات الداخلية التي شهدتها الجبهة الوطنية وحزب بديل لألمانيا منذ صعودهما الانتخابي صعوبة وضع خلافات داخلية مرتبطة بالخيارات الأيديولوجية أو التناحر الفردي جانبا لفترة طويلة.

وشهد عام 2017 أيضا انهيار الحزب الشعبوي الفنلندي الذي يواجه صعوبات بسبب ممارسة السلطة منذ عام 2015 ضمن ائتلاف مع الوسطيين والمحافظين.

المصدر : الجزيرة + الفرنسية