الصحافة في لبنان.. من "الأخبار" إلى إغلاق "السفير"

العدد الأخير لصحيفة السفير
جريدة السفير التي تأسست عام 1974 أغلقت نهاية عام 2016

ظلت الصحافة اللبنانية متميزة طوال تاريخها، ولطالما شكّلت مصدرا للقلق وكابوسا لأنظمة عربية حاكمة، لكنها واجهت انتكاسة مع تخبط عدد من المؤسسات الصحفية بسبب الأزمة المالية والمنافسة الشرسة من التكنولوجيا الحديثة. وقد أغلقت جريدة "السفير" نهاية عام 2016 بعد 42 عاما من صدورها.

وكانت أول صحيفة سياسية لا تمثل السلطة في المشرق انطلقت من العاصمة بيروت، وهي جريدة "الأخبار" للصحفي خليل الخوري، مطـلع يناير/كانون الثاني 1858.

وفي بلد عربي يرفع دستوره لواء حرية التعبير ضمن نظام ديمقراطي برلماني، بات لبنان والصحافة توأمان لا ينفصلان، كون لبنان منبرا حرا تصدح منه الأصوات الناقدة حتى قبل تأسيسه.

إصدارات متوالية
أصدر الصحفي بطرس البستاني صحيفة "نفير سوريا" عام 1860، فحملت نصائح وطنية، وتلتها صحيفة "النشرة الشهرية" الدينية على يد المبشرين الأميركيين.

وفي بدايات القرن العشرين، صدرت صحف سياسية كثيرة، أهمها "لسان الحال" لخليل سركيس عام 1877، التي ظهر فيها أول إعلان مصور. وفي عام 1891، أصدر خليل بدوي جريدة "الأحوال"، وهي أول صحيفة يومية في السلطنة العثمانية.

في العام 1909، صدر قانون المطبوعات وفق الدستور العثماني، لتزداد الامتيازات الصحفية، وتتبعها حركات سياسية مختلفة الأهداف والأبعاد.

وازداد منذ هذه التواريخ عدد الصحف، منها ما هو ديني ومنها ما هو نسائي كمجلة "فتاة لبنان" لمنشئتها سليمة أبي راشد عام 1914.

وفي عام 1921 صدرت أول صحيفة رسمية باللغة العربية والفرنسية باسم "جريدة لبنان الكبير الرسمية"، فضلا عن صحيفة " الشرق" عام 1923، و"النهار" للصحفي جبران تويني عام 1933.

كما شهدت الصحافة في لبنان إصدارات حزبية عدّة مع "صوت الشعب" للحزب الشيوعي عام 1937، و"العمل" لحزب "الكتائب" عام 1939، إضافة إلى صحيفة "الحياة" لكامل مروة عام 1946.

وعايشت الصحافة اللبنانية مراحل عديدة من التاريخ العربي، ورغم أن كثيرين اعتبروها الأجرأ في العالم العربي، فإنها لم تخل من عقبات ومواجهات مع أنظمة حاكمة، خصوصا في سوريا منذ حكم الرئيسين السوريين شكري القوتلي وحسني الزعيم، ونظام الوحدة السورية المصرية حتى حكم حزب البعث.

اضطهاد واغتيال
وقد قدم أهل الصحافة في لبنان تضحيات دفاعا عن الوطن والاستقلال والعروبة، فمنهم من دخل السجن وواجه الاضطهاد الفكري دون يأس، ناشرين صحفا عدة أبرزها، مجلة "الحوادث" التي اغتيل رئيس تحريرها سليم اللوزي عام 1980، فاعتبر "شهيد الصحافة والصحفيين".

 

ومع إعلان الجنرال الفرنسي هنري غورو عام 1920 "دولة لبنان الكبير"، بعد فصله عن سوريا بموجب اتفاقية "سايكس بيكو" بين فرنسا وبريطانيا، انقسمت المواقف في الصحافة، التي باتت وسيلة لدعم الموقف السياسي والاجتماعي، فصدرت "الإنسانية" ثم "صوت العمال" لفؤاد الشمالي عام 1930، لمواكبة الحركات العمالية.

وإثر اعتقال سلطات الانتداب الفرنسي (1920-1943) رجال الاستقلال في "قلعة راشيا" عام 1943، أُطلقت صحيفتان، إحداهما تحمل شعار علامة الاستفهام (؟)، والأخرى شعار علامتي استفهام (؟؟)، لتعبئة الشعب اللبناني ضد الانتداب، وبالفعل جرى إطلاق سراحهم يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، الذي يعتبر يوم الاستقلال اللبناني.

ورغم أن الصحف استمرت في النهوض خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، إذ لم تتوقف حينها عن الإصدار، وانتظر اللبنانيون افتتاحياتها للتعرف على الجو السياسي العام، فإن عمليات القمع والتقييد ازدادات بعد عام 2000 بسقوط عدد كبير من أطلق عليهم شهداء الصحافة، أبرزهم سمير قصير وجبران تويني عام 2005.

وخارج حدود لبنان، أسس الإخوان بشارة وسليم تقلا جريدة "الأهرام" بمصر، وأسس الكاتب والمؤرخ جرجي زيدان مجلة "الهلال"، كما أسس نسيب عريضة وغيره من اللبنانيين صحفا في الأميركتين من أشهرها جريدة "الهدى".

إغلاق "السفير"
غير أن الصحافة اللبنانية التي تطورت مع السنوات، وواكبت تجليات عصر العولمة بظواهره المتعددة، عرفت انتكاسة كبيرة.

وقد جرى إغلاق جريدة السفير التي تأسست عام 1974 في نهاية عام 2016، في خطوة أرجعها ناشر الصحيفة ورئيس تحريرها طلال سلمان إلى الأزمة المالية، حيث تراجع الدخل من المبيعات والاشتراكات والإعلانات.

واعتبر سلمان في رسالة إلى زملائه في الصحيفة ولقرائها، أن هذه الأزمة الخطيرة تهدد الصحافة في العالم أجمع وفي الوطن العربي عموما، وهي أزمة تمتد من أرقام التوزيع إلى الدخل الإعلاني (وهو الأساس) إلى إقفال الأسواق العربية عموما في وجه الصحافة اللبنانية.

المال السياسي
ويرى خبراء أن أزمة الكثير من الصحف اللبنانية تتمثل في اعتمادها بشكل أساسي على "المال السياسي" من دول في المنطقة، وهو مصدر -ربما- تفقده بتغير السياسات في تلك الدول، لا سيما مع عدم سعي تلك الصحف إلى تنويع مصادر دخلها.

وقال صحفي سابق في السفير -مفضلا عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت إن الصحيفة -التي حملت منذ عددها الأول شعار "صوت الذين لا صوت لهم"- شهدت تحولات كبيرة في سياستها التحريرية من ناطقة باسم التيار الناصري واليسار اللبناني والعربي والثورة الفلسطينية وحركات التحرر في العالم، إلى داعمة لثورة الخميني، ولاحقا مشروع حزب الله في لبنان، وصولا إلى دعمها النظام السوري رغم ما وجهت له من انتقادات وكشف لعيوبه السياسية والإصلاحية في بدايات الثورة السورية عام 2011، وفق تعبير المتحدث ذاته.

المديرة التنفيذية لمؤسسة مهارات لحرية الصحافة في لبنان رولا مخايل قالت للجزيرة نت إن أبرز ما تواجهه الصحف اللبنانية هو المال السياسي والتغيرات في دول المنطقة التي كانت مصدرا أساسيا لتمويل الجرائد.

المصدر : الجزيرة + وكالة الأناضول