اتفاقية أنقرة.. مستند تركيا للمشاركة في معركة الموصل

Turkish soldiers passing Syrian border with tanks as they prepare for a military operation at the Syrian border as part of their offensive against the Islamic State (IS) militant group in Syria, Karkamis district of Gaziantep, Turkey, 25 August 2016. The Turkish army launched an offensive operation against IS in Syria's Jarablus with its war jets and army troops in coordination with the US led coalition war planes.
تركيا تعتمد على "اتفاقية أنقرة" في سعيها للتدخل العسكري في شمال العراق لـ"حماية" أمنها القومي (الأوروبية)

"اتفاقية أنقرة" وقعتها تركيا مع بريطانيا والمملكة العراقية عام 1926 لتسوية نزاعها معهما بشأن السيادة على ولاية الموصل شمالي العراق، فقضت بتبعية الولاية للعراق على أن تحصل تركيا على امتيازات بينها نسبة من عائدات نفطها مدة ربع قرن، ورسّمت الحدود بين البلدين. لكن أنقرة تصر على اعتبار المعاهدة أساسا لمكافحة تهديدات أمنها القومي القادمة من العراق.

السياق التاريخي
قضت اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين فرنسا وبريطانيا عام 1916 بتبعية ولاية الموصل (تشمل آنذاك مدن الموصل وكركوك والسليمانية) شمالي العراق للنفوذ الفرنسي، ثم نصت "اتفاقية مودروس" (هدنة وُقعت في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1918 وانتهت بموجبها الحرب العالمية الأولى إثر هزيمة الدولة العثمانية) على فصل قرابة 90% من أراضي ولاية الموصل بالعراق عن الدولة العثمانية بعد قرون من خضوعها لها.

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 احتلت بريطانيا الموصل لعلمها المسبق بوجود النفط فيها، وألحقتها ببقية أراضي العراق التي احتلتها أثناء الحرب، مما أثار احتجاج فرنسا التي ما لبثت أن تنازلت عن مطالبتها بالموصل لبريطانيا -بموجب "معاهدة سيفر" الموقعة في 10 أغسطس/آب عام 1920- مقابل حصول فرنسا على لواء إسكندرون شمال غربي سوريا.

لم تسلم الدولة العثمانية بالأمر الواقع الذي فرضه الإنجليز مدعين أن جيش تركيا انسحب طوعا من الولاية، وظلت أنقرة تطالب بإعادة الموصل إلى سيادتها حتى بعد إلغاء معاهدة سيفر والتوقيع على "معاهدة لوزان 2″ بينها وبين بريطانيا وفرنسا عام 1923.

تولد عن نزاع الدولتين ما أصبح يسمى "مسألة الموصل"، وقد تبنتها أولا "عصبة الأمم" وبذلت مساعي لتسويتها بالتراضي إلا أنها لم تستطع، فاتخذت -في 16 ديسمبر/كانون الأول 1925- قرارا بعودة الموصل إلى العراق (لم ينفذ رسميًا إلا في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1932).

ثم دخلت بريطانيا والدولة العثمانية في مفاوضات ثنائية لحل نزاعهما بشأن الموصل أسفرت عن "اتفاقية أنقرة" التي وقعها الجانبان والمملكة العراقية آنذاك بالعاصمة التركية يوم 5 مايو/أيار عام 1926.

أبرز المضامين
من أهم النقاط التي نصت عليها "اتفاقية أنقرة" ما يلي:

– تبعية ولاية الموصل للعراق وتنازل تركيا عن أي ادعاءات بشأنها.

– ترسيم الحدود بين البلدين بشكل نهائي طبقا لما يسمى "خط بروكسل" واعتبارها غير قابلة للانتهاك (أعلنت تركيا اعترافها الرسمي بالدولة العراقية في 15 مارس/آذار 1927).

– حصول تركيا على نسبة 10٪ من عائدات نفط كركوك في الموصل لمدة 25 سنة (تقول أنقرة إن الدفع تواصل فقط خلال 1931-1950).

– إعطاء تركيا حق التدخل العسكري في الموصل وشمالي العراق لحماية الأقلية التركمانية القاطنة هناك إذا تعرضت لأي اعتداء، أو لحق بوحدة الأراضي العراقية أي "تخريب".

توظيف متجدد
رغم أن "مسألة الموصل" انتهت من الناحية القانونية بإبرام "اتفاقية أنقرة" التي اعترفت فيها أنقرة بالحدود الدولية الحالية بين تركيا والعراق؛ فإن مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وعد نواب البرلمان المعترضين على الاتفاقية بالعمل على "استعادة الموصل في الوقت المناسب..، أي حين يأتي وقت نكون فيه أقوياء".

ومن الذرائع التي يقدمها الأتراك للاهتمام بالموصل وجود أكثر من مليون تركماني فيها لا سيما في منطقة كركوك النفطية، وهو ما دعا الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال (1989-1993) إلى المطالبة بـ"إنشاء دولة خاصة بهم" هناك.

وقد دأب الساسة الأتراك على العودة إلى "اتفاقية أنقرة" للتذكير بـ"حقهم" في التدخل العسكري في شمال العراق لمنع "تهديدات" أمن بلادهم القومي القادمة من هناك. ويقولون إنهم تركوا ولاية الموصل وفق اتفاقية 1926 لـ"عراق موحد"، ولهذا يجب أن يبقى العراق كذلك  وإلا فإن "الاتفاقية ملغاة".

فقد طالب الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل في مايو/أيار 1995 بضرورة "تعديل" الحدود العراقية التركية لأسباب أمنية مؤكدا أن الموصل "ما زالت تابعة لتركيا". وقال الرئيس التركي السابق عبد الله غل -عندما كان وزيرا للخارجية-  في أغسطس/آب 2003 "سنأخذ حق تركيا من البترول هناك (محافظة الموصل) ضمن إِطار حقوقي".

وفي 13 سبتمبر/أيلول 2016 صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -خلال ندوة نُظمت في إسطنبول– بأن "العراق بحاجة إلى عمل (عسكري) مشابه لـ‘درع الفرات‘ (التي نُفذت في سوريا)، فحل مشكلة الموصل يمر من خلال الإصغاء إلى المنظور العقلاني لتركيا..، ونحن نفكر في إطلاق عملية مماثلة في العراق، ونطلب من كافة القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم لفكرتنا".

وأضاف أردوغان: "لقد سئمنا من الدول المخادعة التي تقف وراء المنظمات الإرهابية الناشطة في منطقتنا، هذه الدول متورطة في الدماء التي تُسال في منطقة الشرق الأوسط، فالمسألة لم تعد متعلقة بسوريا والعراق بل أصبحت مسألة بقاء للمنطقة برمتها، ولذا فإن تركيا اتخذت قرارا بزيادة فعاليتها ووجودها بشكل أكبر في الميدان".

وكشفت مصادر إعلامية أن الحكومة التركية تستعد لعملية عسكرية ستنفذها -بالتعاون مع قوات البشمركة الكردية ومقاتلي الحشد الوطني من أبناء العشائر السنية- في الموصل لاستعادتها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر عليها منذ يونيو/حزيران 2014، وأن خطط العملية جاهزة وتستند إلى "اتفاقية أنقرة" مع بريطانيا عام 1926.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية