إكس ليبان

Moroccan politician Mehdi Ben Barka (1920 ? 1965, second from left) arrives at Aix les Bains, France, with members of his nationalist opposition party, Istiqlal, circa 1955. (Photo by Keystone/Hulton Archive/Getty Images) - الموسوعة
المهدي بن بركة (الثاني من اليسار) رفقة بعض المشاركين في مفاوضات إكس ليبان (غيتي)

إكس ليبان هي مفاوضات جمعت وفدا من الحكومة الفرنسية مع وفد من الشخصيات الحزبية والسياسية والوجهاء المغاربة عام 1955، وضعت معالم حصول المغرب على استقلاله عن فرنسا عبر إنهاء نظام الحماية، وبلورة تصور للعلاقات المستقبلية بين البلدين.

مهدت تلك المفاوضات لعودة السلطان محمد الخامس إلى عرشه بعد منفاه الذي بدأ في أغسطس/آب 1953، وأضحت في المقابل محطة تاريخية مثيرة للجدل حيث يعتبرها بعض المهتمين تكريسا لمرحلة جديدة من السيطرة الفرنسية على مقدرات البلاد وخياراته بشكل غير مباشر.

السياق التاريخي
على خلاف توقعاتها، لم يحقق نفي السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر ابتداء من 20 أغسطس/آب 1953 الأهداف المرجوة من قبل المستعمر الفرنسي في إخضاع البلاد وإخماد كل حركة مقاومة لمخططاته، بل نشطت خلايا العمل الوطني وتشكلت ألوية جيش التحرير.

في هذا السياق عيّن رئيس المجلس الفرنسي بيار مينديس فرانس جيلبيرت كراندفال مقيما عاما لفرنسا في الرباط. كان كراندفال شخصية معتدلة أوكلت إليها مهمة تهدئة الأوضاع بطرق سياسية أساسا، لكن النتائج كانت محدودة أمام ازدياد الاحتقان لدى المقاومة من جهة، وتطرف المعمرين الفرنسيين الرافضين لعودة محمد الخامس ولاستقلال المملكة من جهة أخرى.

وتزامن هذا الوضع الميداني مع اشتداد ضربات الثورة الجزائرية، وصولا إلى الانتكاسة العسكرية الشهيرة للجيش الفرنسي في معركة ديان ببان فو في الهند الصينية وذلك في مايو/أيار 1955. كلها سياقات تضافرت لتجعل من استمرار الاستعمار المادي للمغرب مهمة مكلفة وحان أوان التخفف منها.

فكان القرار الفرنسي عزل الحالة المغربية والتونسية عن المسألة الجزائرية وبالتالي مباشرة الترتيبات لإنهاء الوجود الاستعماري في كلا البلدين.

المشاركون
جاءت تشكيلة الوفدين الفرنسي والمغربي اللذين شاركا في المباحثات مثيرة للجدل. فمقابل وفد فرنسي منسجم يضم رئيس الحكومة إدغار فور ووزير الشؤون الخارجية بيناي والجنرال كوينغ وزير الدفاع وروبرت شومان وبيير جولي، جاء الوفد المغربي متنافر العناصر، حيث ضم شخصيات تمثل أحزاب الحركة الوطنية، وخصوصا حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، إلى جانب شخصيات نافذة مقربة من السلطة الفرنسية.

ويعتبر كثير من المراقبين الذين عايشوا هذه المرحلة والمؤرخين أن سلطات باريس عومت الصف الوطني في وفد من 37 عنصرا، ضم ممثلي المصالح الفرنسية بالمغرب، مما جعل نتائج المفاوضات لا تخرج عن مرامي فرنسا المتطلعة إلى رفع يدها عن المغرب برموزها السيادية، دون أن تفرط في مصالحها الاقتصادية والثقافية والاستراتيجية بالمملكة.

في هذا السياق يروي السياسي والكاتب الراحل عبد الهادي بوطالب، الذي كان ضمن الوفد المغربي عن حزب الشورى والاستقلال في لقاءات "إكس ليبان"، أن فرنسا كانت تريد "أن يكون مؤتمر حوار مغربي، أي بين التقليديين والوطنيين ليصلوا إلى وفاق بينهم في موضوع العرش على أرضية مشتركة يمكن أن يستقر عليها الطرفان بالتراضي".

أكثر من ذلك كانت فرنسا تريد أن يضم الوفد بعض الوجهاء المعروفين بولائهم للمستعمر وعدائهم للوطنيين على غرار الباشا الكلاوي باشا مراكش القوي. يقول عبد الهادي بوطالب "لما وصلنا إلى إكس ليبان يوم 22 غشت (أغسطس/آب) 1955 قيل لنا إن الباشا التهامي الكلاوي والقادة الآخرين موجودون بالمدينة. فامتنعنا عن لقائهم وقلنا: نرفض هؤلاء، فهم ليسوا معنيين بالأمر. هم عملاء للإقامة العامة".

واضطر الفرنسيون بعد تلكؤ ثم بإمعان النظر إلى القبول بوجهة نظر الوفد المغربي، فأرجعوا في نهاية الأمر القواد الموالين للإقامة العامة إلى المغرب.

تداعيات
انتهت المفاوضات في مرحلة أولى بتعيين مجلس للوصاية للإشراف على العرش بعد إزاحة السلطان غير الشرعي الذي نصبته فرنسا والمعروف بابن عرفة. لكن، تحت ضغط الأوضاع، قبلت فرنسا عودة السلطان محمد الخامس إلى المغرب في 1955، وتوقيع اتفاقية الاستقلال في 2 مارس/آذار 1956 مع فرنسا.

وكانت فرنسا -وبعض رجالها- تحاول فصل عودة السلطان محمد الخامس عن مسار استقلال البلاد، لكن أعضاء الحركة الوطنية تشبثوا بمطلب عودة السلطان شرطا لاستكمال المسلسل السياسي. وأذعنت فرنسا أخيرا لتحط طائرة محمد الخامس على أرض المملكة يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1955 بمطار الرباط سلا.

ردود أفعال
لم يكن جيش التحرير والمقاومة المسلحة راضيين عن مفاوضات إكس ليبان التي اعتبروها مجرد خدعة لتجميل وجه الاستعمار وتكريسه من خلال أعوان فرنسا في المملكة، وقد وصف العالم المغربي المهدي المنجرة المفاوضات بأنها "خيانة" للوطن.

ومن القاهرة، جاء صوت الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي في رسالة نشرتها صحيفة "كفاح المغرب العربي" يوم 7 يناير/كانون الثاني 1956 حيث قال "وقد اقتدت جماعة الرباط بجماعة تونس المستسلمة فأبرزت اتفاقية إكس ليبان إلى حيز العمل والتنفيذ، وأخذت تناور وتدلس وتغري الشعب المغربي بالكلام المعسول. وهي سائرة في نفس طريق اتفاقية تونس وستطالب المناضلين بإلقاء السلاح، بعدما طلبت منهم الهدوء بحجة أن المفاوضة لا تكون إلا في الهدوء، والهدوء لا يكون إلا بإلقاء السلاح وتسليمه لهذه الجماعة الرباطية الجالسة على عروشها حين يتفرغ الأعداء للقضاء على الجزائر. فحذار من السقوط في الفخ المنصوب، وإننا على يقين من أن الشعب المغربي سوف يستمر في الكفاح والنضال إلى أن يخرج من بلاد المغرب بل من شمال أفريقيا كلها آخر جندي فرنسي يحمل السلاح من جماعة المستعمرين".

بل إن القيادي البارز في حزب الاستقلال عبد الرحيم بوعبيد (الذي أصبح لاحقا الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) أقر أمام انتقادات أعضاء حزب الاستقلال في مؤتمره الاستثنائي الأول عام 1955، بأن الحزب تعرض للحيف من حيث تمثيليته في الحكومة الأولى لمغرب الاستقلال. وقال "لقد قبلنا على مضض".

أما المفكر الراحل محمد عابد الجابري فيعتبر مفاوضات إكس ليبان تكريسا لميلاد ما يسميها القوة
"الثالثة" (بين الملكية والحركة الوطنية) التي رجحت لاحقا كفة الاتجاه اليميني المحافظ في وجه الحركة الديمقراطية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية