محاكمات الأطفال بمصر.. الطفولة على مذبح الانقلاب

الأطفال المعتقلون بمصر.. مطالب بحقوق إنسانية بعد اليأس في الحرية

شكل الانقلاب العسكري في مصر انعطافة في مجال الحقوق والحريات، فبالتزامن مع المحاكمات والاعتقالات وهي بالآلاف، تعددت أحكام الإعدام أو المؤبد الصادرة بحق المدنيين التي تتبارى في إصدارها المحاكم العسكرية والمدنية على السواء، و يخضع لها الأطفال والقصر في سوابق تاريخية لم تعرفها مصر في تاريخها من قبل.

إحصاءات وانتهاكات
في يوليو/تموز 2015 أكد تقرير فريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة أن الاعتقال ممنهج وواسع الانتشار في مصر، وأن عدد الأطفال المعتقلين في مصر -منذ 30 يونيو/حزيران 2013 وحتى نهاية مايو/أيار 2015- بلغ أكثر من 3200 طفل تحت سن 18 عاما، وأنهم تعرضوا للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة.

ويتعرض الأطفال في مصر لانتهاكات منهجية بحقهم لم تقتصر فقط على الاعتقال التعسفي أو الاحتجاز في أماكن غير مخصصة للأطفال والتعذيب داخل أماكن الاحتجاز، بل امتدت أيضاً لتشمل اعتداءات جنسية وحالات اختفاء قسري، وقتل خارج إطار القانون بإطلاق الرصاص الحي أثناء فض المظاهرات.

وبمناسبة اليوم العالمي للطفل 2014، كشف المرصد المصري للحقوق والحريات تصاعد عمليات قتل الأطفال بدم بارد وتعذيب المئات منهم، إلى جانب العشرات من الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال المعتقلين.

كما أكد المرصد أن تلك الممارسات تصاعدت عقب تولي وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، حيث قُتل خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه 12 طفلا بالرصاص الحي، واعتقل 144 طفلا وجرى تعذيب 72 طفلا داخل مقرات الاحتجاز، وتم الاعتداء جنسيا على 26 طفلا داخل مقرات الاحتجاز، وصدرت أحكام بالإعدام وأخرى بالسجن بحق أطفال قصّر، وهو أمر يخالف قانون الطفل والدستور المصري والمعاهدات الدولية.

ولم يتوقف الأمر عند الاعتقال والحبس الاحتياطي للأطفال أو وضعهم في مناطق احتجاز تعرضوا داخلها لسوء معاملة وتعذيب، لكن الأمر تطور إلى إحالتهم للقضاء العسكري وإصدار أحكام ضدهم في بعض القضايا، بدعوى ارتكابهم "جرائم" تتراوح بين استخدام مسطرة عليها شعار رابعة، أو رفع هذا الشعار، أو حمل بالون أصفر اللون.

المؤبد لابن الثالثة
في 17فبراير/شباط 2016 عاقبت محكمة غرب القاهرة العسكرية الطفل أحمد منصور قرني البالغ من العمر ثلاث سنوات وخمسة أشهر بالسجن المؤبد في القضية التي عرفت إعلاميا بـ"اقتحام مبنى المخابرات العامة ومديرية الصحة" بالفيوم مع 115 آخرين.

ووجهت المحكمة تهما لهذا العدد -وبينهم الطفل المذكور- بقتل أربعة مواطنين، والشروع في قتل ثمانية آخرين، وتخريب ممتلكات عامة أثناء "مظاهرة إخوانية" شاركوا فيها في مارس/آذار عام 2014 بمحافظة الفيوم جنوب القاهرة.
 
وبالرغم من تقديم المحامين شهادة ميلاد الطفل للمحكمة قبل جلسة الحكم، والتي تؤكد أن الطفل الذي أدانته المحكمة لم يتم عامه الرابع وأن تاريخ ميلاده هو 10 سبتمبر/أيلول 2012؛ فإنها لم تأخذ بها، وحكمت بالسجن المؤبد على الطفل -الذي كان عمره عامين فقط وقت المظاهرة- ضمن المتهمين الآخرين في القضية.

تعد حالة الطفل أحمد منصور أكثر الحالات فجاجة باعتبارها الأقسى حكما على أصغر الأطفال سنا، وقد سبقتها حالات أخرى يصعب حصرها تتفاوت فيها أعمار الأطفال والقصر المحكومين والمحتجزين على ذمة اتهامات وقضايا وجهتها وصاغتها سلطات الانقلاب لهم.

ومن هذه الحالات قضية أحمد جمال أحمد (15 عاما) الطالب في الصف الأول الثانوي، الذي قبض عليه في منزله في مدينة بني سويف بشمال الصعيد يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عقب منتصف الليل. اختفى ليلة واحدة علم أهله بعدها أنه قضاها في مبنى أمن الدولة في المدينة ثم ظهر بعد ذلك في مديرية الأمن.

والقضية المتهم فيها هو وسبعة قصر آخرين أكبرهم في السنة الأولى من الكلية، هي حرق مقر بوسطة بني سويف والسجل المدني والانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين. لم يرو أحمد لأهله سوى ما حدث له في اليوم الأول من القبض عليه، قائلا "غموا عنينا وجردونا من ملابسنا، ألقوا علينا المياه، وتركونا ننام على الأرض في الشتاء".

قضى أحمد عشرين يوما في مديرية الأمن وتغير مكان احتجازه إلى معسكر "أبو سليم" التابع للأمن المركزي، حيث الزيارة ممنوعة على أهالي المعتقلين ولا يسمح لهم بالدخول إلا مرة واحدة في الأسبوع لتوصيل الطعام.

تكرر نفس السيناريو في "القضية رقم 11 لسنة 2015 عسكري" بحق إسلام أحمد قرني (17 عاما) الذي حكم عليه بالسجن عاما، وقضى منه ثمانية أشهر ونصف شهر قيد الحبس الاحتياطي. وتعامل القاضي مع من لم يحضر الجلسة على الرغم من وجوده قيد الاحتجاز بأنه هارب، وصدر الحكم ضدهم غيابيا.

مسلسل شامل
حالات متكررة من المحاكمات العسكرية في محافظات مصرية مختلفة، ففي بورسعيد يخضع عدد من الأطفال للمحاكمة في عدة قضايا.

فقد قبض على مهند أنور عبد الرؤوف (16 عاما) في 7 أغسطس/آب 2014، وأخلي سبيله في القضية رقم 2642 لسنة 2014 بكفالة على ذمة القضية بعد قضاء شهر محتجزا في القسم، ثم رُحل إلى معسكر الأمن المركزي ببورسعيد، وبعد عدة أشهر علم مهند بتحويل القضية إلى القضاء العسكري من دون توجيه تهمة محددة إليه. 

وفي دمنهور بمحافظة البحيرة قبض على الطفل محمد عبد اللطيف (14 عاما) بصحبة صديقه في 14 أغسطس/آب 2014 أمام المعهد الديني بدمنهور أثناء ركوبه سيارة أجرة، ووجهت له تهم بقطع الطريق الزراعي والمشاركة في مظاهرات والشغب ترديد هتافات معادية للجيش والشرطة، والانتماء لجماعة، وعرضت صورته على التلفزيون المصري مع ثمانية أطفال قُبض عليهم في ذلك اليوم.

وفي فبراير/شباط 2015 أمرت سلطات الانقلاب بتحويل الطفل محمد مجدى طلب (8 أعوام) إلى المحكمة عسكرية في القضية المعروفة بحرق محولات الكهرباء في سنورس بالفيوم، وهي نفس القضية المتهم فيها والد الطفل المهندس مجدي طلب المعتقل في سجون الانقلاب.

وفي 17 مايو/أيار 2015 أصدرت المحكمة العسكرية بالإسكندرية حكما بإدانة ستة أطفال في قضية اتهم فيها 12 طفلا بـ"ارتكاب جرائم الاعتداء على الممتلكات العامة والترويع"، وتحمل القضية رقم 152/2014 جنايات عسكرية.

وقضت المحكمة التي عُقدت داخل إحدى الوحدات العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة ببراءة ثلاثة أطفال، وعدم الاختصاص بالنسبة لثلاثة أطفال آخرين، بينما أدانت الأطفال الستة الآخرين المتهمين في القضية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية