مناظرات مرشحي الرئاسة.. موسم الإقناع في أميركا

Manchester, New Hampshire, UNITED STATES : MANCHESTER, NH - FEBRUARY 06: (L-R) Republican presidential candidates Ohio Governor John Kasich, Jeb Bush, Sen. Marco Rubio (R-FL), Donald Trump, Sen. Ted Cruz (R-TX), Ben Carson and New Jersey Governor Chris Christie participate in the Republican presidential debate at St. Anselm College February 6, 2016 in Manchester, New Hampshire. Sponsored by ABC News and the Independent Journal Review, this is the final televised debate before voters go to the polls for the New Hampshire primary on February 9. Joe Raedle/Getty Images/AFP
إحدى مناظرات المتنافسين الجمهوريين على الترشيح للرئاسيات في الانتخابات الحزبية التمهيدية بولاية نيوهامبشير (الفرنسية)
مناظرات مرشحي الرئاسة الأميركية مواجهات تلفزية تجري مرة كل أربع سنوات بين المرشحين للرئاسة بأميركا، وقد أصبحت تمثل تقليدا حاسما في سعي المرشحين إلى البيت الأبيض بسبب تأثيرها الإعلامي والنفسي في الناخبين، سواء في مرحلة الانتخابات التمهيدية للمرشحين داخل قواعدهم الحزبية أو في مرحلة السباق النهائية بين مرشحي الحزبين الرئيسييْن للرئاسة.
 
وتنظم عادة ثلاث مناظرات بين المرشحين خلال الحملة الانتخابية تتناول السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة وتتميز بطابعها الاستعراضي الإعلامي، حيث يسعى المرشحان عادة خلالها لإعطاء انطباع بقدرة كل واحد منهما على الدفاع عن وجهة نظره وإقناع الجمهور بها، وتوضيح صفات القيادة لدى المرشح.
 
ويتم خلال المناظرات ضبط كافة التفاصيل بدقة من قبل مفاوضين كبار ممثلين للمرشحين الرئاسيين، من أجل الاتفاق على ترتيبات شكلية وتحديد مواضيع النقاش والتزامات الجانبين باعتبار أن الحدث سياسي وتلفزيوني، وأي خطأ في أداء المرشح سواء بكلمة أو حركة قد يكلفه منصب الرئاسة، مما يفرض على كلا المرشحين خوض تدريب على مواجهة الجمهور على أيدي خبراء في العلاقات العامة.
 
وقد استقطبت هذه المناظرات عبر تاريخها عددا كبيرا من المشاهدين، بلغ 66 مليونا عام 1960، و80 مليونا عام 1980، في حين سجلت السنوات الأخيرة تراجعا في أعداد المشاهدين إذ بلغت بلغ 46 مليونا عام 2000، ثم ارتفعت إلى 67 مليونا عام 2012.
 
محطات تاريخية
يؤرخ لأشهر مناظرة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية -قبل ظهور جهاز التليفزيون- بالمناظرة التي جرت في انتخابات عام 1860 بين عضو الكونغرس الجمهوري إبراهام لنكولن وعضو مجلس الشيوخ الديمقراطي ستيفن دوغلاس.

ففي الوقت الذي دافع فيه دوغلاس أمام الجمهور عن حق تمييز البيض عن السود، أكد لنكولن ضرورة الالتزام ببنود الحرية والمساواة الواردة في وثيقتيْ إعلان الاستقلال والدستور، وهو ما قاده حينها إلى الفوز برئاسة البلاد فأعلن قانون تحرير العبيد.

وقد بدأت أول مناظرة تلفزيونية منقولة مباشرة إلى الجمهور في انتخابات عام 1960 بين الديمقراطي جون كينيدي -الذي اغتيل وهو في سدة الحكم عام 1963- والجمهوري ريتشارد نيكسون، وتابعها 66 مليون مشاهد وساهمت في نجاح كينيدي، مما جعل نيكسون يرفض لاحقا المشاركة في مناظرات انتخابات 1968 و1972، وقبله رفض الديمقراطي ليندون جونسون مناظرة الجمهوري باري غولبتر في انتخابات 1964.

جرت المناظرة التلفزيونية الثانية عام 1976 بين الديمقراطي جيمي كارتر والجمهوري جيرالد فورد، وتواجه في المناظرة الثالثة عام 1980 الديمقراطي كارتر مع الجمهوري رونالد ريغان، وتقابل في الرابعة عام 1984 ريغان والديمقراطي والتر موندي.

وفي المناظرة الخامسة عام 1988 واجه الجمهوري جورج بوش الأب الديمقراطي مايكل دوكاكيس، وفي انتخابات 1992 جرت المناظرة السادسة لأول مرة بمشاركة ثلاثة مرشحين، هم -إضافة إلى بوش الأب-الديمقراطي بيل كلينتون والمستقل روس بيرو.

وكانت المواجهة في المناظرة السابعة عام 1996 بين كلينتون والجمهوري بوب دول، وفي الثامنة عام 2000 ناظر الجمهوري جورج بوش الابن الديمقراطي آل غور، وأجرى بوش الابن المناظرة الثامنة عام 2004 أمام الديمقراطي جون كيري.

وفي المناظرة التاسعة عام 2008 واجه الديمقراطي باراك أوباما الجمهوري جون ماكين فانتخب أوباما لاحقا ليكون بذلك أول رئيس من أصول أفريقية في تاريخ أميركا، ثم واجه أوباما عام 2012 الجمهوري ميت رومني في المناظرة العاشرة.

أخطاء قاتلة
سجلت المحطات التاريخية لهذه المناظرات مجموعة من المواقف ساهمت في التأثير على الناخبين، فخلال مناظرة عام 1960 استغل كنيدي مظهره الشخصي وأناقته كشاب (42 عاما) أثناء المناظرة لاستقطاب التأييد في مواجهة الخبرة السياسية لنيكسون الذي بدا مرهقا أمام المشاهدين.

وفي مناظرة انتخابات عام 1976، ارتكب جيرالد فورد هفوة وصفت بالكبيرة في إجابته على تساؤل خلال المناظرة عندما قال: "لا وجود لما يسمى الهيمنة السوفياتية على أوروبا الشرقية طالما ظلت البلاد تحت إدارة فورد"، مما تسبب في خسارته رغم تراجعه عن تعليقه.

وفي مناظرة انتخابات عام 1980 وُصف أداء الرئيس جيمي كارتر (المترشح آنذاك لولاية ثانية) بالضعيف لارتكابه بعض الأخطاء، منها أنه حاول -في تقليد سياسي أميركي- أن يذكر مواقف مع أسرته لإظهار أنها أسرة نموذجية، فقال: "كنت أتناقش مع ابنتي إيمي صباح اليوم وسألتها عن أهم قضية فقالت إنها سباق التسليح النووي مع روسيا"، وانتقِد بسبب ذلك لأنه استشهد بطفلة صغيرة في موضوع سياسي معقد.

وفي مناظرة عام 1984 أثار المرشح والتر مونديل موضوع كبر سن ريغان (72 عاما) الذي ابتسم ورد قائلا: "لا أريد أن يكون العمر قضية انتخابية؛ ولهذا لن أتحدث عن صغر سن مونديل وقلة خبراته وتجاربه".

وفي مناظرة عام 1992 بدا كلينتون شابا مثقفا وشعبيا يتحدث عن المستقبل والتغيير للأفضل، في حين انتقد قيام بوش الأب بالنظر في ساعته أثناء إجابته على سؤال، وتم تأويل فعله ذلك بأنه سئم من اللقاء، مما ساهم في هزيمته الانتخابية.

وفي عام 2000 شكلت المناظرة مواجهة بين بوش الابن الذي تحدث بطريقة شعبية ركز فيها على تخفيض الضرائب عن الأميركيين، وآل غور المثقف الذي قيل إنه "أغضب" المشاهدين بمواقفه المتعالية ورغبته في إبراز معارفه، لما تحدث عما سماها "طرقا برية إلكترونية تغطي كافة ولايات أميركا".

وخلال مناظرة عام 2008 تميز أوباما كمرشح شاب مشاكس ومتحدث فصيح عن ماكين "العسكري العجوز الهادئ"، الذي لم يتحكم في أعصابه ونعت أوباما خلال المناظرة بـ"هذا الشخص" مما رجح كفة أوباما.

وعلى العكس من ذلك ظهر أوباما في مناظرة عام 2012 مرتبكا في المناظرة الأولى، ولم يقدم إجابات مقنعة عن العديد من الأسئلة خصوصا في ما يخص تحسين الاقتصاد، على عكس ميت رومني الذي نجح في إقناع المشاهدين بحيويته وقدرته على قيادة البلاد، لكن أوباما تمكن من استدراك الموقف في المناظرات اللاحقة بمواقف هجومية استهدف بها منافسه في قضايا الميزانية والضرائب والطاقة والهجرة.

المصدر : الجزيرة