كيف تواجه أميركا تنظيم الدولة؟

U.S. President Barack Obama leaves with U.S. Defense Secretary Ash Carter (L) after delivering a statement on the counter-Islamic State campaign at the Pentagon in Washington, December 14, 2015. REUTERS/Carlos Barria
أوباما (يمين) توعد تنظيم الدولة بحرب شرسة موضحا أن بلاده لن تنجر إلى حرب برية (رويترز)

ترتكز الخطة الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة في معالمها العامة على عناصر مختلفة، تتراوح ما بين العسكري والسياسي والإنساني. فالإدارة الأميركية ما انفكت تؤكد أنها منخرطة في حرب شرسة ضد التنظيم بكل الوسائل الممكنة، غير أنها تعلن بوضوح أنها لن تنجر إلى حرب برية، داعية حلفاءها إلى بذل المزيد عسكريا للقضاء على التنظيم.

وبموازاة ذلك، تبدو واشنطن حريصة على إيجاد أرضية مشتركة مع موسكو حول مستقبل سوريا ونظام بشار الأسد، وسط خلافات عميقة بين الطرفين بشأن الموضوع.

وبحسب استطلاعات للرأي، فإن 68% من الأميركيين يعتبرون أن الرد العسكري على تنظيم الدولة ليس قويا بما يكفي، بينما يعارض 60% طريقة مواجهة الرئيس باراك أوباما للتهديد الإرهابي.

تكثيف العمل العسكري
عسكريا، تعهدت الإدارة الأميركية بتركيز الضربات ضد المناطق الحيوية لتنظيم الدولة التي يستغلها لإيجاد تمويل.

غير أنه في ظل تأكيدات المتتبعين أن الاقتصار على القصف الجوي لن يحقق النتائج المرجوة، بدت الحاجة إلى تدخل بري ضرورية لمحاصرة تنظيم الدولة.

أوباما وإن كان قد أمر بإرسال قوات خاصة للعمل في منطقة الرقة، وهي المنطقة الرئيسية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في سوريا، فإنه بدا غير متحمس لخوض معركة برية في سوريا أو العراق، وكان حريصا -في خطاب ألقاه في البيت الأبيض يوم 11 يوليو/تموز 2015- على التأكيد على أن بلاده لن تنجر إلى حرب برية ضد تنظيم الدولة.

وكرر أوباما أن حربا برية طويلة الأمد مكلفة في العراق وسوريا هي عين "ما تريده تنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية"، وتابع أن "التهديد الإرهابي حقيقي ولكننا سننتصر عليه"، مضيفا "سنقضي على تنظيم الدولة الإسلامية وعلى أي تنظيم آخر يحاول إيذاءنا".

في المقابل، أعطى أوباما الضوء الأخضر لإرسال قوات خاصة إلى سوريا، وقد بدأت عملها على الأرض بدعم القوات المحلية التي تقاتل تنظيم الدولة في سوريا وتعمل على قطع خطوط الإمداد عنها.

وأعلن الرئيس الأميركي أن قادة تنظيم الدولة لا يمكن أن يختبئوا دائما، وشدد على أنهم الهدف التالي لعمليات التحالف الدولي.

البديل بالنسبة للأميركيين هو نشر قوات برية سورية وعربية لمواجهة تنظيم الدولة، بالإضافة إلى قوات البشمركة الكردية، مع دعم جوي من طرف التحالف الدولي، إلى جانب قوات أميركية خاصة.

وقد صرح بذلك كيري في 12 أبريل/نيسان 2015 خلال اجتماع في بلغراد لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا، عندما قال إن الضربات الجوية لن تكفي لهزيمة تنظيم الدولة، واقترح نشر قوات "عربية وسورية" لتحقيق هذا الهدف.

وأوضح "إذا تمكنا من تنفيذ عملية انتقال سياسي، سيكون في الإمكان جمع الدول والكيانات معا: الجيش السوري مع المعارضة، الولايات المتحدة مع روسيا، وغيرهم سيتوجهون لمحاربة داعش (تنظيم الدولة)"، وتوقع فوزا سريعا في تلك الحالة.

وقال إن القوات التي ستحارب على الأرض "يجب أن تكون محلية (…) منحدرة من الدول التي تعرف الثقافة والمجموعات والأرض"، على أن يوفر التحالف الدولي الدعم الجوي لها.

 دعم الحلفاء
الرئيس الأميركي باراك أوباما توعد تنظيم الدولة بحرب شرسة، لكنه في المقابل طالب الحلفاء بتقديم مزيد من الدعم. 

فقد أوضح في إيجاز صحفي في البيت الأبيض يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 2015، عقب اجتماع مع مجلس الأمن القومي للوقوف على تطورات الحرب ضد تنظيم الدولة، أن المعركة ضد التنظيم لا تزال صعبة، وطالب بمواصلة الحملة بوتيرة أسرع.

أوباما حرص على التأكيد في خطابه في البيت الأبيض على أن تنظيم الدولة خسر إلى حدود نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 نحو 40% من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق، مما يعد مؤشرا إيجابيا يبشر بهزيمته.

غير أنه شدد على ضرورة بذل جهود إضافية لذلك، ومنها المزيد من انخراط الحلفاء.

وبحسب ما نشر على موقع البيت الأبيض يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، فقد أرسلت واشنطن المبعوث الرئاسي الخاص بريت ماكورك إلى العراق، لمناقشة سبل دعم الولايات المتحدة النظام العراقي عسكريا لمواجهة تنظيم الدولة. كما برمجت لقاءات للمبعوث الأميركي مع حلفاء الولايات المتحدة وبينهم ألمانيا وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة والأردن.

كما أرسل أوباما وزير دفاعه آشتون كارتر إلى المنطقة لتأمين مزيد من المساعدات العسكرية.

أمنيا، تعهدت الإدارة الأميركية بمراجعة برنامج الإعفاء من الفيزا، لتقوية الرقابة على المسافرين خاصة الآتين من مناطق النزاع، ثم تكثيف التعاون مع المنظمات الأمنية الدولية -مثل الإنتربول- لمتابعة وتحديد مصير الأوراق الرسمية المسروقة والضائعة، وذلك إلى جانب تعزيز التعاون الأمني مع الشركاء الأوروبيين تحديدا.

أرضية سياسية
إيجاد أرضية للتفاهم مع روسيا حول مستقبل الوضع السياسي في سوريا، من الخيارات الأساسية لواشنطن في مواجهتها خطر تنظيم الدولة.

فقد أرسل أوباما وزير الخارجية جون كيري إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف الثلاثاء 15 ديسمبر/كانون الأول 2015.

وقد أكد لافروف وكيري توافقهما على مواجهة تنظيم الدولة، إضافة إلى محاولة إيجاد تقارب بشأن الأزمة السورية. وذكر كيري من جهته أن "من المفيد للعالم بأسره أن تكون هناك دولتان قويتان لهما تاريخ طويل مشترك، وقادرتان أيضا على إيجاد توافق بينهما، وآمل اليوم أن نكون قادرين على إيجاد توافق". من جهته، عبر لافروف عن أمله في أن تكون زيارة نظيره الأميركي "بناءة".

غير أن الخارجية الروسية سبق لها أن نشرت بيانا ينتقد السياسة الأميركية بشأن سوريا، وأكدت فيه أن واشنطن ليست مستعدة للتعاون الكامل في محاربة تنظيم الدولة، داعية إياها لإعادة النظر في سياستها القائمة على "تقسيم الإرهابيين إلى طيبين وأشرار".

إلى جانب ذلك، تحرص واشنطن على إنجاح المفاوضات بين الأطراف السورية المختلفة، في أفق الخروج بتصور حول سوريا ما بعد الأسد.

إنسانيا، تعلن الولايات المتحدة أنها أكبر المساهمين في العمل الإنساني لدعم ضحايا الحرب في كل من سوريا والعراق، وأضافت أن الدعم المخصص لسوريا بلغ نحو 4.5 مليارات دولار، فيما تجاوز المبلغ ستمئة مليون دولار بالنسبة للعراق.

وتقول واشنطن إنها تحرص على توفير أساسيات العيش بالنسبة للضحايا، ما بين المياه الصالحة للشرب والغذاء والرعاية الطبية والألبسة.

حرب إلكترونية
على الصعيد الإلكتروني، حذر المسؤولون الأميركيون مرارا من خطورة انتشار أفكار تنظيم الدولة وسط أميركيين، لذلك ما فتئ أوباما يذكر بأن على المسلمين في بلاده التصدي "للفكر المتطرف"، مجددا مطالبته الكونغرس بتشديد قوانين حيازة الأسلحة.

وفي إطار الحرب على تنظيم الدولة، وبالموازاة مع إستراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة التنظيم، سبق لمجموعة الهاكرز "أنونيموس" أن توعدت تنظيم الدولة بشن أكبر هجوم إلكتروني ضد مواقعه الإلكترونية وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك ردا على هجمات باريس التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وقالت "أنونيموس" في شريط فيديو بث في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 "إنه إعلان حرب، استعدوا لهجمات ضخمة، سنطاردكم"، وحظي الفيديو بنسبة مشاهدات عالية بمجرد الكشف عنه.

فالخبراء والمراقبون يكادون يجمعون على أن سيطرة تنظيم الدولة على مساحات شاسعة في سوريا والعراق واستقطابه عشرات الآلاف من المقاتلين، يعودان إلى استخدامه آلة إعلامية ضخمة يواجه بها خصومه ويحشد أنصاره، في حرب إعلامية يخوضها بدرجة عالية من التقنية والشمول والاحتراف، مستعينا بجنود يصعب حصرهم من المؤيدين الإلكترونيين عبر العالم.

وبحسب هؤلاء الخبراء، فإن التنظيم استغل -بمهارة فائقة عبر "وزارة إعلامه"- كل أنواع وسائل الإعلام التقليدية والجديدة وجميع أنماط الأدوات والبرامج الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، لإعداد ونشر أيديولوجيته وتحقيق أهدافه الثقافية والسياسية.

وقد أظهرت دراسة أعدها مركز "كويليام" البريطاني أن الطواقم الإعلامية التابعة للتنظيم أنتجت -في الفترة ما بين 17 يوليو/تموز و15 أغسطس/آب 2015- مواد إعلامية دعائية مرئية ومسموعة بلغت تسعمئة مادة، مشيرة إلى أن ذلك يعد "حملة إعلامية كبيرة" بمعدل 38.2 دعاية في اليوم الواحد، وتناولت 469 مادة منها الخدمات العامة والاقتصادية في مناطق التنظيم.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية