وثيقة "شركاء في الوطن"

وثيقة شركاء في الوطن: تتحدث عن الشيعة ومطالبهم بالمساواة في المواطن في رسالة سلموها للملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.

قدم شيعة المملكة العربية السعودية يوم 30 أبريل/نيسان 2003 عريضة إلى ولي العهد -آنذاك- الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود تضمنت مطالب يرون أنها ضرورية لتحقيق المساواة الكاملة في المواطنة.

وهذا نصه الوثيقة: 

صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، حفظه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

انطلاقا من المسؤولية الدينية والوطنية، ومن واجب التضامن والتناصح، وخاصة في هذه الظروف العصيبة، ولأن عزة الوطن وحماية وحدته مسؤولية مشتركة بين القيادة والشعب، لذلك نعرض أمام سموكم الكريم بعض هموم الوطن وتطلعات المواطنين ثقة منا برحابة صدركم واهتمامكم بوجهات النظر المخلصة والآراء الصريحة التي تستهدف الخير والصلاح، معلنين عن تضامننا مع وطننا وقيادته الكريمة في مواجهة الأخطار والتحديات.

وإننا إذ نثمن استقبال سموكم الكريم للنخب الواعية المثقفة من أبناء الوطن، نرى في ترحيبكم بمشروع الرؤية الذي قدموه لحاضر الوطن ومستقبله والذي تضمن أهم تطلعات المواطنين وطموحاتهم، مؤشرا طيبا يعمر القلوب بالأمل والرجاء.

ونستند في تقديمنا لهذه الرؤية على وعي وطني عميق وشامل يعتبر معالجة الحالة الطائفية في بلادنا من أبرز معالم عملية الإصلاح والتطوير، وينظر إليها كمسؤولية وطنية شاملة يشارك في معالجتها جميع أبناء الوطن.

أولا- تعزيز وحدة الأمة
تواجه الأمة العربية والإسلامية في هذا الوقت أشد الأخطار والتحديات، فهناك حملة شعواء على مستوى العالم لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، كما أطلق العنان للإجرام الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد بدأت القوات الأميركية والبريطانية هجومها الواسع على العراق غير آبهة بمجلس الأمن والأمم المتحدة والرأي العام العالمي، وهي تلوح بتهديداتها لدول عربية وإسلامية أخرى.

إن الأمة مستهدفة الآن في مقدساتها ووجودها ومصالحها، والخطر محدق بالجميع على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم، مما يستلزم وقوف الجميع صفا واحدا أمام هذه التحديات العاصفة. بيد أن الخلافات والنزاعات المذهبية الطائفية لا تزال معولا هداما لوحدة الأمة، وعائقا دون تماسكها وتضامنها، وشاغلا لأوساط كثيرة من أبنائها عن قضاياهم المصيرية.

والمملكة العربية السعودية بما تمثله من موقع قيادي بارز في العالم العربي والإسلامي لاحتضانها الحرمين الشريفين، ولاهتمام قيادتها بالتضامن الإسلامي، يتوقع منها أن تقوم بدور فاعل لوأد الفتن الطائفية وتجاوز الخلافات المذهبية. إن العزوف عن القيام بهذا الدور وإفساح المجال لبعض التوجهات المذهبية التعصبية، أعطى الفرصة لتشويه سمعة بلادنا وإظهارها كطرف في الصراع.

فلا بد من وقفة تأمل واعية تزيل هذا الالتباس وتبرز الوجه المشرق لبلادنا كقبلة لجميع المسلمين، وراعية للتضامن الإسلامي، وتجنبها المواقف العدائية من أتباع المذاهب المختلفة.

وفق رؤيتنا، فإن مما يساعد على تحقيق ذلك التالي:

الإعلان الصريح عن احترام المملكة لجميع المذاهب الإسلامية، ومنها المذهب الشيعي.
الانفتاح على مختلف المذاهب الإسلامية وتمثيلها في المؤسسات الإسلامية التي ترعاها المملكة، كرابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والمجلس الأعلى للمساجد، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالشأن الإسلامي والإنساني العام.

تشجيع تواصل علماء الدين في المملكة مع سائر علماء المسلمين من المذاهب الأخرى، والعمل على ما يحقق التقارب والتعارف بين المذاهب الإسلامية. ويمكن الاستهداء في هذا المجال بميثاق الوحدة الإسلامية الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم 98 (1/11) بتاريخ 25 رجب 1419.
وبإستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية التي وضعها خبراء في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو).

ثانيا- الوحدة الوطنية
إن التطورات والتحولات التي تجري في المنطقة والعالم اليوم تكثف الضغوط التي تقف خلفها القوى الدولية والتي تتحدث بصراحة عن تغيير الخريطة السياسية في المنطقة، وعن تفكيك الكيانات وتجزئة البلدان. ولا بد في مواجهة هذه الضغوط من التأكيد على الوحدة الوطنية، وتعزيزها وتفعيلها على المستوى العملي بما يضمن حماية الجبهة الداخلية وصلابتها، ويمنع اختراقات الأعداء، ويفشل محاولاتهم لإثارة أي توجهات انشقاقية خاطئة.

صاحب السمو الملكي،
إن المواطنين الشيعة في المملكة هم جزء أصيل لا يتجزأ من كيان هذا الوطن الغالي، فهو وطنهم النهائي لا بديل لهم عنه، ولا ولاء لهم لغيره، وهم من بادروا إلى الانضواء تحت رايته الخفاقة حينما رفعها الملك المؤسس عبد العزيز طاب ثراه دون تمنع أو تردد، ووضعوا كل إمكاناتهم وثرواتهم في خدمة بناء الوطن، متطلعين إلى العدل والأمن والمساواة والاستقرار.

وهم في هذه الظروف العصيبة يؤكدون ولاءهم الوطني، ومن واقع حرصهم على الوحدة الوطنية وغيرتهم على مستقبل الوطن وتقدمه، يرون ضرورة المعالجة السريعة لهذه القضايا التي سبق أن رفعوها مرارا وتكرارا لسموكم الكريم، ولسائر المسؤولين الكرام.

1- يتطلع المواطنون الشيعة لمساواتهم مع بقية المواطنين، بإتاحة الفرص أمامهم لخدمة وطنهم في مختلف الميادين والمجالات، حيث لا تزال مستويات ومرافق عديدة من أجهزة الدولة ووظائفها تستثني المواطنين الشيعة من العمل فيها، كالمجال العسكري والأمني والدبلوماسي، وتحرم المرأة منهم من تقلد مناصب إدارية كما هو الحال في إدارة تعليم البنات بوزارة المعارف. وذلك لون من ألوان التمييز الطائفي الذي لا تقره الشريعة الإسلامية ولا المواثيق الإنسانية، ويشكل حرمانا للمواطنين الشيعة من حق طبيعي، كما هو حرمان للوطن من الاستفادة من طاقات أبنائه وكفاءاتهم.

لقد أتاحت فرص التعليم التي وفرتها الدولة نمو القدرات والكفاءات المؤهلة من أبنائهم كسائر المواطنين. ومما يؤدي إلى الإحباط والألم عدم تمتع الكفاءات الشيعية بتكافؤ الفرص مع أمثالها التي تشق طريقها إلى مختلف المواقع والمناصب في الدولة، حيث يهمش هؤلاء بسبب انتمائهم المذهبي.

ولمعالجة هذا الأمر نقترح ما يلي:

– اهتمام المسؤولين بالتأكيد الصريح على المساواة بين المواطنين على اختلاف مناطقهم ومذاهبهم.

– تشكيل لجنة وطنية عاجلة ذات صلاحية بمشاركة عناصر مؤهلة من الشيعة للنظر في واقع التمييز الطائفي ومعالجته بتمثيل المواطنين الشيعة في المناصب العليا للبلاد كمجلس الوزراء، ووكلاء الوزارات، والتمثيل الدبلوماسي، والأجهزة العسكرية والأمنية، ورفع نسبة مشاركتهم في مجلس الشورى.

– تجريم وإدانة أي ممارسة للتمييز الطائفي قد تصدر من بعض المغرضين والمنتفعين في أي موقع، وسن القوانين اللازمة لذلك وإلغاء كافة التعميمات والإجراءات الإدارية السابقة المؤدية للتمييز.

– وقف كافة الإجراءات الأمنية التي لا تستند إلى قانون كالاعتقال والمتابعة والاستجوابات والمنع من السفر والتوقيف عند الحدود والتفتيش الشخصي بما يرافقه من إهانات، والعمل على إزالة آثار الاعتقالات السابقة.

2- تعاني بلادنا من وجود توجهات مذهبية تعصبية تثير الكراهية والبغضاء تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى وأتباعها، وخاصة الشيعة، وتشيع الازدراء بهم، وتصل إلى حد التحريض عليهم واستهداف وجودهم ومصالحهم.

وتستفيد هذه التوجهات التعصبية من نفوذها ومواقعها الرسمية. فمناهج التعليم الديني في المدارس والجامعات يتكرر فيها وصف المذاهب الإسلامية الأخرى وآرائها -من الشيعة وغيرها- بالكفر والشرك والضلال والابتداع.

والبرامج الدينية في وسائل الإعلام الرسمية محتكرة لاتجاه مذهبي واحد يبث ثقافة الرفض للمذاهب الإسلامية الأخرى، والإساءة لمعتنقيها. وينطبق ذلك على غالب المؤسسات الدينية في البلاد كالمحاكم الشرعية، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراكز الدعوة والإرشاد.

إن فتاوى تحريضية كثيرة قد صدرت من بعض هذه الجهات ضد المواطنين الشيعة، كما أن عددا كبيرا من الكتب والنشرات قد طبعت ووزعت -ولا تزال تطبع وتوزع- في هذا الاتجاه، فضلا عن الخطب والمحاضرات المتواصلة.

إن هذا الشحن الطائفي المستمر قد ربى أجيالا على التعصب والحقد، وخلق أجواء من الكراهية والنفور بين أبناء الوطن الواحد مما يثير القلق على مستقبل الوحدة الوطنية والسلم والأمن الاجتماعي. وقد تستفيد قوى خارجية من تغذية هذه الأجواء واستثمارها ضد مصالح بلادنا، وليس بعيدا عنا ما حصل في بلدان إسلامية أخرى من احتراب أهلي وصراعات طائفية عنيفة.

في مواجهة هذا الواقع الخطير، نأمل من الدولة ما يلي:

– وضع حد لهذه التوجهات والممارسات التعصبية، بدءا من مناهج التعليم ووسائل الإعلام وما يصدر عن المؤسسات الدينية الرسمية.

– اعتماد سياسة وطنية تثقيفية تبشر بالتسامح والاعتراف بالتعدد المذهبي القائم فعلا في البلاد، وتأكيد الاحترام لحقوق الإنسان وكرامة المواطن وحريته الدينية والفكرية.

– إقرار إجراءات رادعة لتجريم وإدانة أي شكل من أشكال التحريض على الكراهية بين المواطنين، والإساءة لمذاهبهم الإسلامية المختلفة.

– صدور إعلان صريح من قيادة هذه البلاد يؤكد احترام حقوق الشيعة في المملكة ومساواتهم مع بقية المواطنين.

3- حينما تعترف الدولة بمواطنية مواطنيها على اختلاف منابتهم المذهبية والمناطقية، وتتحمل مسؤولية رعايتهم وحماية مصالحهم، فذلك يعني أن يتمتعوا في ظلها بحق التعبد بمذاهبهم وأداء شعائرهم الدينية، ولا يصح أن يكون ذلك الحق محصورا بأتباع مذهب معين، بينما يتعرض الآخرون للضغوط والمضايقات في الالتزام بواجباتهم الدينية.

إن المواطنين الشيعة في المملكة ما زالوا يعانون من مختلف الضغوط والمضايقات في أداء شعائرهم الدينية، حيث يمنع عليهم بناء المساجد والحسينيات إلا بصعوبة بالغة، ولا يتمتعون بأي حرية على المستوى الثقافي، حيث تمنع طباعة كتبهم ودخولها من الخارج، وإقامة أي مؤسسة ثقافية أو مركز ديني. كما انتقصت كثير من صلاحيات قاضيي محكمة الأوقاف والمواريث في القطيف والأحساء بتدخلات المحاكم الشرعية الكبرى. وفي بعض المناطق كالمدينة المنورة يعاني فيها المواطنون الشيعة أشد أنواع الضغوط والمضايقات غير المقبولة ولا المبررة.

إن هذه الضغوط والمضايقات تشكل عامل إثارة وإزعاج كبير للمواطنين الشيعة، وانتقاصا من حقوقهم الإنسانية والدينية والوطنية، كما يعطي الفرصة للأعداء لتشويه صورة بلادنا وسمعتها.

ومن أجل معالجة هذه الإشكاليات نقترح ما يلي:

– استحداث جهة رسمية تابعة إداريا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على غرار محكمة الأوقاف والمواريث التابعة لوزارة العدل، وتكون هذه الجهة بإدارة علماء من الشيعة لتنظيم شؤونهم الدينية والثقافية تحت رعاية الدولة.

– إلغاء القيود والمضايقات على الشعائر الدينية وفسح المجال لطباعة ودخول الكتب والمطبوعات الشيعية، وضمان حرية التعبير.

– السماح للمواطنين الشيعة بحقهم في التعليم الديني وإنشاء معاهد وكليات دينية للتعليم حسب مذهبهم.

– تطبيق الأوامر الملكية القاضية بحرية المواطنين الشيعة في الرجوع إلى محاكمهم الشرعية، وإعطاء هذه المحاكم صلاحيات قانونية وتنفيذية مناسبة.

– ونعرب أخيرا عن ثقتنا في اهتمام قيادة البلاد بالتطوير والإصلاح لمعالجة النواقص والثغرات، فالكمال لله وحده، والمطلوب هو السعي وبذل الجهد، وهذا ما تتمتع به قيادة البلاد إن شاء الله.

حفظكم الله ورعاكم، وحمى الله بلادنا من كل مكروه، وأدام عليها نعمة الأمن والإيمان في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين وسموكم الكريم والحكومة الموقرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رفعت بتاريخ 28 صفر 1424 هـ
الموافق 30 أبريل 2003م

المصدر : الجزيرة