الحمى

تدين الحمى لأبي الطيب المتنبي بتحويلها من مجرد حالة طبية مرضية إلى كائن حي في أذهان الناس، إذ شبهها بفتاة حييّة تريد زيارة حبيبها فلا تجد سوى الليل يسترها بظلمته، ولكن الحبيب لها كاره فيقدم لها فاخر الفراش لتجلس عليه وتبتعد عنه، إلا أنها تأبى المكث في غير عظامه.

وزائرتي كأن بها حياءً .. فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا .. فعافتها وباتت في عظامي

ولكن المتنبي على الأرجح لم يكن يعرف الكثير من حقائق الحمى التي أصبحنا نعرف اليوم، وأولها أنها تنتج عندما يصدر منظم الحرارة في الجسم "الترموستات" أوامره برفع حرارة الجسم، وهذا المنظم ليس سوى منطقة في الدماغ تسمى "تحت المهاد"، وهي في حجم حبة الحمص أو البازلاء تقريبا.

وفي الحالة الطبيعية تعمل "تحت المهاد" على تنظيم درجة حرارة الجسم وإبقائها حول 37 درجة مئوية، أما في بعض الحالات مثل التعرض للعدوى، فإنها تقوم بتغيير درجة حرارة الجسم وزيادتها، ولذلك فإن الحمى ردة فعل من الجسم على ظرف صحي معين.

ولعملية رفع الحرارة هذه فوائد، إذ يعتقد أنها تساعد جهاز المناعة على التصدي للعدوى ويجعل الجسم بيئة أقل ملاءمة للجراثيم، كما أن ارتفاع حرارة الجسم يرشد الشخص أو المحيطين به إلى وجود خطب ما يتطلب التصرف.

زيارة ليلية

وفي العادة لا تبقى درجة حرارة الشخص ثابتة طوال اليوم، فهي تكون أقل في الصباح وترتفع مساء، ولعل هذا قد يكون تفسيرا محتملا لشكوى المتنبي من زائرته التي تصر على زيارته في المساء فقط.

وتختلف خطورة الحمى باختلاف مريضها، فبالنسبة للأطفال الرضع هي أكثر تأثيرا وأشد خطورة، ولذلك يجب مراجعة الطبيب فورا عند ارتفاع درجة حرارتهم. أما بالنسبة للكبار فإن الحمى قد لا تكون مؤشرا خطيرا إلا إذ بلغت أو جاوزت 39، وعلى جميع الأحوال فإن استشارة الطبيب أمر ضروري حتى لو كانت الحمى خفيفة، وخاصة إذا استمرت لفترة من الزمن ورافقتها أعراض أخرى.

كما أن هناك الكثير من الأمراض التي لا ترتبط بحمى شديدة، ولذلك فإن درجة الحمى ليس المؤشر الوحيد على خطورة المرض، والطبيب هو الشخص القادر على تقييم ذلك.

بطاقات الدعوة

ولكن من يوجه الدعوة إلى الحمى لتأتي إلى الجسم وتمكث في عظامه كما حصل مع صاحبنا أبي الطيب؟ والجواب هو مجموعة من الأسباب مثل العدوى البكتيرية والفيروسية، والتطعيم، والإصابة ببعض الالتهابات، والتعرض للإجهاد الحراري -وهو ظرف يشبه ضربة الحر ولكنه أقل حدة منها، وإذا لم يعالج فإنه يتطور إليها عادة- والتعرض لحروق ناجمة عن الشمس.

كما تشمل أسباب الحمى بعض الأدوية والإصابة ببعض أنواع السرطان وأمراض المناعة الذاتية حيث يهاجم جهاز المناعة جسم صاحبه.

وإن كان للعشق علامات تظهر على أصحابه، فإن للحمى كذلك أعراضا تدل على بلوغها عتبة الجسم ودقها الباب، وتشمل الارتجاف والتعرق، والجفاف وفقدان الشهية، وألما في العضلات والشعور بالضعف، وتتطور مع تفاقمها إلى تهيجات وتشنجات وهلوسات، وهي مضاعفات قد تكون خطيرة أيضا على الجسم.

متى تشعر بالقلق؟

يجب أن تُشعرك الحمى بالقلق إذا أحضرت معها رفقاء آخرين مثل القيء وعدم الاستجابة والتهيج ورفض الطعام والشراب بالنسبة للرضع والأطفال، والصداع الحاد والتقيؤ وآلام في البطن وطفح جلدي، وصعوبة في التنفس وارتباك وتحسس من الضوء الساطع أو تصلب في العنق بالنسبة للبالغين، إذ إن هذه الأعراض قد تشير إلى وضع خطير مما يستلزم مراجعة الطبيب فورا.

التعامل مع زائرة الليل

  • استشر الطبيب وخاصة بالنسبة للرضع والأطفال.
  • صحيح أن الحمى قد لا تكون مؤشرا خطيرا وقد لا تحتاج إلى دواء، لكن من يحدد ذلك هو الطبيب.
  • من المهم علاج سبب الحمى أو التعامل معه، بالإضافة إلى الحمى نفسها.
  • تناول المسكنات أو خافضات الحرارة وفقا لإرشادات الطبيب، والتزم بالجرعة المحددة.
  • لا تعط طفلك الأسبرين مطلقا، إذ يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بمتلازمة راي، وهي حالة تؤدي إلى حدوث تضخم في الدماغ والكبد وقد تكون قاتلة، ولذلك يمنع إعطاء الأسبرين لم هم أقل من 21 عاما.
  • اشرب كمية كافية من الماء لتعويض السوائل التي تفقدها نتيجة ارتفاع حرارة الجسم.
  • ارتد ملابس خفيفة.
  • اخلد إلى الراحة، فالحركة قد ترفع حرارة الجسم.
  • اختر الظل، أي امكث في مكان بارد الحرارة (برودة لطيفة لا صقيعا زمهريرا).
  • أخذ حمام بماء فاتر أو مسح الجسم بقطعة إسفنج مغموسة في ماء فاتر قد يساعد على خفض حرارة الجسم، ولكن إذا أدى الحمام الفاتر إلى إصابتك أو إصابة طفلك بالارتعاش فعليك التوقف وتجفيف الجسم، إذ إن الارتعاش يعني أن العضلات ترتجف مما يؤدي إلى توليد حرارة وبالتالي رفع حرارة الجسم.

ولذلك إذا زارتك الحمى ليلا على استحياء أو صباحا بكل استعلاء، فلا تفعل مثل صاحبنا المتنبي الذي لم يكن أمامه سوى كتابة الشعر، بل أبرز لها أنيابك كما يفعل الليث، واطردها مستعينا بالطبيب، وعندما ترى الحمى ذلك ستعلم تماما معنى قول المتنبي:

إذا رأيتَ نيوب الليث بارزة .. فلا تظننَّ أن الليث يبتسم.

المصدر : الجزيرة