شراكة مع "إيني" الإيطالية لتوسعة حقل الشمال.. كيف حافظت قطر على مكانتها فوق عرش الغاز المسال عالميا؟

الاتفاقية تشمل تطوير اربعة خطوط انتاج جديدة (الجزيرة)
قطر تعد صاحبة ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم (الجزيرة)

الدوحة ـ أعلنت شركة "قطر للطاقة" اختيار شركة "إيني" (ENI) الإيطالية شريكا لها في مشروع توسعة حقل الشمال الشرقي، أكبر مشروع منفرد في تاريخ صناعة الغاز الطبيعي المسال، وذلك في إطار خطط دولة قطر للمحافظة على اعتلائها عرش الغاز المسال عالميا، وهي خطط ظهرت منذ عقود.

وهذا هو إعلان الشراكة الثاني في المشروع العملاق الذي تبلغ تكلفته 28.75 مليار دولار، ويتكون من 4 خطوط إنتاج، والذي سيرفع طاقة إنتاج دولة قطر من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنويا إلى 110 ملايين طن سنويا عام 2025.

وبموجب الاتفاقية ستصبح "قطر للطاقة" و"إيني" شريكتين في شركة مشروع مشترك تمتلك فيه قطر للطاقة حصة تبلغ 75%، بينما تمتلك إيني الحصة المتبقية والبالغة 25%.

وستمتلك شركة المشروع المشترك 12.5% من مشروع توسعة حقل الشمال الشرقي، الذي يبلغ مجموع الطاقة الإنتاجية لخطوط إنتاجه الأربعة 32 مليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال.

توقيع اتفاقية شراكة بين قطر للطاقة وإيني لمشروع حقل الشمال الشرقي (الجزيرة)
الشراكة هي الأولى لشركة إيني في قطاع التنقيب والاستكشاف في قطر (الجزيرة)

يذكر أن هذه هي المشاركة الأولى لشركة إيني في قطاع التنقيب والاستكشاف في دولة قطر، ومن المقرر أن ينضم المزيد من الشركاء إلى مشروع توسعة حقل الشمال الشرقي، حيث تم الاتفاق على الشروط النهائية، وسيتم الإعلان عن الشركاء الآخرين قريبا.

والأحد الماضي وقعت "قطر للطاقة" و"توتال إنرجيز" (Total Energies) اتفاقية شراكة لتوسعة حقل الشمال الشرقي. ومن المقرر أن ينضم المزيد من الشركاء إلى مشروع التوسعة.

تلبية الطلب العالمي من الغاز المسال

والمتتبع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في قطر منذ اكتشافه وحتى الآن يرى أن الدولة الخليجية سعت إلى الاستفادة من قدراتها الإنتاجية من أجل تلبية الطلب العالمي المتزايد من الغاز الطبيعي المسال، واحتلال الريادة في الإمدادات الآمنة والمستقرة.

ويشكل الغاز الطبيعي المصدر الرئيسي لاقتصاد دولة قطر التي تعد صاحبة ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم وتبلغ 24.7 تريليون متر مكعب، بعد كل من روسيا وإيران، بينما تأتي الولايات المتحدة في المركز الخامس بـ12.6 تريليون متر مكعب.

واكتشف الغاز الطبيعي في قطر عام 1971 في الساحل الشمالي الشرقي للبلاد، وذلك في حقل الشمال الذي يغطي مساحة تتجاوز 6 آلاف كيلومتر مربع وفق ما ذكره موقع شركة "قطر غاز"، التي تأسست عام 1984.

قطر تعد صاحبة ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم (موقع قطر للطاقة) المصدر: قطر للطاقة
حقل الشمال يعد أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي غير المصاحب عالميا (الجزيرة)

أول اتفاقية

ويُعدّ حقل الشمال القطري أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي غير المصاحب عالميا، إذ يحتوي على 900 تريليون قدم مكعبة من الغاز (25.5 تريليون متر مكعب)، أو حوالي 10% من الإجمالي العالمي.​

​ ومع تزايد أهمية الغاز في الصناعات المحلية بدأت دولة قطر مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي الحصول على الغاز من منطقة دخان النفطية، ثم ازداد الطلب على الغاز الطبيعي بعد تلك الفترة بصورة متدرجة.

ومن أجل تلبية هذا الطلب المتزايد وخاصة بعد توسع الصناعات البتروكيميائية بإنشاء شركة "قطر للبتروكيميائيات" (قابكو)، رأت شركة "قطر للبترول" ("قطر للطاقة" حاليا) ضرورة تلبية الطلب المتزايد للصناعات البتروكيميائية المحلية من حقل غاز الشمال العملاق، فبدأت بتطوير المرحلة الأولى من هذا الحقل في عام 1987.

وشرعت "قطر للبترول" في إنشاء مرافق المرحلة الأولى والتي تم تشغيلها بصورة كلية عام 1991 لتلبية الاستهلاك المحلي الصناعي والمنزلي المتزايد من حقل غاز الشمال من خلال استخراج كميات من الغاز قدرها 800 مليون قدم مكعبة يوميا.

وفي عام 1992، وقعت الدوحة أول اتفاقية لبيع الغاز الطبيعي المسال وشرائه مع شركة "تشوبو إلكتريك" (CHUBU Electric) لتسليم 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، وسلمت قطر أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال إلى شركة "تشوبو إلكتريك" في يناير/كانون الثاني عام 1997. ​​

وتعالج الدولة الغاز الطبيعي المسال عبر العديد من خطوط الإنتاج، منذ عام 1984، حيث تضمنت خطوط الإنتاج مشروع "قطر غاز 1" الذي جرى تأسيسه عام 1984، ويتكون من 3 خطوط تنتج نحو 10 ملايين طن من الغاز المسال سنويا بعد التوسعة التي أجريت للمشروع في 2005.

مرافق صناعة الغاز

وتضمن مشروع "قطر غاز 2" الذي دخل حيز التنفيذ عام 2009، خطين عملاقين بقدرة إنتاجية تقارب 7.8 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، و850 ألف طن من غاز البترول المسال سنويا، و90 ألف برميل من المكثفات يوميا لكل خط.

كما يشمل 14 ناقلة وأكبر محطة لاستلام الغاز الطبيعي المسال في أوروبا، وهي محطة "ساوث هوك" للغاز الطبيعي المسال في مدينة ويلز، بالإضافة إلى احتوائه على 30 بئرا بحرية و3 آبار حقن بحرية لتصريف المياه الفائضة، و3 منصات بحرية بحقل الشمال القطري تنتج 2.9 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا.

وأنشأت قطر كذلك مشروع "قطر غاز 3″، وهو خط عملاق للغاز المسال بقدرة إنتاجية نحو 7.8 ملايين طن سنويا، وبدأ الإنتاج منه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010.

وتنقل قطر كميات الغاز الطبيعي الذي ينتجه خط "قطر غاز 3" -والبالغ 1.4 مليار قدم مكعبة يوميا- على متن أسطول يتكون من 10 ناقلات، تتراوح سعة كل منها بين 210 آلاف إلى 226 ألف متر مكعب.

واستكملت البلاد التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال عبر مشروع "قطر غاز 4″، وهو خط بقدرة إنتاجية تبلغ 7.8 ملايين طن سنويا، بما يعادل 1.4 مليار قدم مكعبة يوميا، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2011.

احتياطيات ضخمة

وتبلغ احتياطيات الغاز المؤكدة في قطر نحو 871.1 تريليون قدم مكعبة من الغاز (24.7 تريليون متر مكعب) بنهاية عام 2020، ما يمثل نحو 13.1% من إجمالي احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي، وذلك وفق معلومات أوردتها شركة النفط البريطانية "بي بي" (BP).

وحرصا على استكمال كل المرافق المتعلقة بصناعة وتجارة الغاز المسال مع العالم، جهزت الشركة القطرية أسطولا ضخما من ناقلات الغاز الحديثة والعملاقة يعد الأكبر في العالم، ويبلغ عدد سفنه 74 سفينة، من بينها 27 سفينة تعد الأضخم لنقل الغاز في العالم، ويشكل نحو 12% من إجمالي القدرة العالمية لسفن نقل الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يمنحها مرونة في تلبية إمدادات الأسواق العالمية وتقليل كلفة النقل.

كما أشارت تقارير غربية إلى أن الدوحة أقدمت على تقديم طلب لبناء ما يصل إلى 100 سفينة، ستخصص لاحقا لنقل منتجات الدوحة من الغاز المسال إلى مختلف عواصم العالم.

وحققت دولة قطر في عام 2010 أحد أهدافها طويلة الأمد؛ وهو الوصول بالقدرة الإنتاجية الوطنية إلى 77 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، أي ما يمثل ثلث السوق العالمي المتوقع.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت شركة قطر للطاقة عن مشروع لبناء 4 خطوط إنتاج عملاقة جديدة للغاز الطبيعي المسال في حقل غاز الشمال.

قطر للبترول تتولى إدارة وتشغيل حقلي "العد الشرقي - القبة الشمالية" و "العد الشرقي - القبة الجنوبية)
قطر دشنت العديد من الخطوط لزيادة الإنتاج بشكل كبير (الصحافة القطرية)

سيطرة دائمة

وقد ساهمت تلك الجهود في تصدر قطر خلال عام 2021 لقائمة كبار الموردين للسنة الخامسة على التوالي، بما يعادل 22% من تجارة العالم من الغاز الطبيعي المسال.

ووصلت صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال في عام 2021 إلى 25 وجهة حول العالم، منها حوالي 54.2 مليون طن للسوق الآسيوي بنسبة 67.6%، والسوق الأوروبي بحوالي 16.4 مليون طن بنسبة 20.5%.

وتصدرت كوريا الجنوبية العام الفائت وجهات الغاز القطري بإجمالي 10.8 ملايين طن، ثم الهند بـ10.1 ملايين طن، ومن المتوقع أن تقفز صادرات قطر من الغاز المسال إلى الصين من 8.5 ملايين طن العام الماضي إلى 13.5 مليون طن خلال العام الجاري؛ وذلك عملا بـ3 اتفاقيات وقعتها قطر للطاقة مع شركات صينية في 2021.

وفي أبريل/نيسان الماضي سجلت الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي المسال ارتفاعا قياسيا، تجاوز من حيث القيمة نسبة 107%، ووصل إلى 43.5 مليار ريال (11.9 مليار دولار)، مقابل 21 مليار ريال قبل عام، حيث تصدرت الهند قائمة مستوردي الغاز القطري بأكثر من 886 ألف طن، تليها باكستان بـ599 ألفا، وكوريا الجنوبية بـ526 ألفا، والمملكة المتحدة بـ408.6 آلاف، والصين بـ390 ألفا، وإيطاليا بـ341 ألفا.

ومن المتوقع أن تعلن شركة قطر للطاقة خطط توسعة المرحلة الثانية هذا العام، والتي سترفع طاقة الغاز المسال بحلول 2027 إلى 126 مليون طن سنويا، وهو ما يكفي لتلبية إجمالي احتياجات الاستيراد لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، وهما أكبر وثالث أكبر مستوردي الغاز المسال في العالم على الترتيب.

المصدر : الجزيرة