التصحر.. قاتل يتمدد في صمت

A Yemeni man stands on a drought-affected dam on the outskirts of Sanaa, Yemen, Tuesday, June 17, 2014. The United Nations is highlighting the affects of drought on populations and landscapes as part of its annual "World Day to Combat Desertification." Yemeni farmers have been suffering from a serious drought this year and, as the country enters the summer - traditionally the country's wet season - they're hoping things will take a turn for the better. (AP Photo/Hani Mohammed)
التصحر ظاهرة طبيعية تتسبب فيها عوامل جيولوجية وبشرية (أسوشيتد برس)
ظاهرة طبيعية تضرب المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وتسببها عوامل جيولوجية وبيولوجية وإنسانية تؤثر سلبا على مؤهلات الأراضي وتجعلها هشة وغير قادرة على المقاومة، ومن أهم وسائل مواجهته التشجير ومحاربة قطع الأشجار العشوائي، إلى جانب إجراءات أخرى بينها عدم استنزاف الأراضي الزراعية.

التعريف
عرّف المؤتمر الدولي للأمم المتحدة حول المناخ التصحر بأنه تدهور ودمار الأرضي في المناطق القاحلة وشبة القاحلة والجافة بفعل عوامل عدة، منها التغير المناخي والنشاط الإنساني. في حين عرَّفت قمة نيروبي حول المناخ المنعقدة في 1977 التصحر بأنه اشتداد وتوسع الطبيعة الصحراوية على نحوٍ يضر القدرات البيولوجية للأراضي وإنتاجها.

لكن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) رأت في هذا التعريف قدرا من الاختزال، حيث إنه لا يأخذ في الحسبان الدور المحوري للاستيطان البشري في عملية التصحر.

ترى الفاو أنَّ التعريف الأدق للتصحر يجب أن يُبرز الترابط بين العاملين البيئي والبشري لتخلص إلى أنَّ التصحر هو مجموعة العوامل الجيولوجية والبيولوجية والبشرية والمناخية المسببة لتدهور المؤهلات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للأرض في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، بما يُؤثر على التنوع البيئي والتجمعات البشرية.

الأسباب
إن التصحر ظاهرة تتسم بالتدرج والتطور وطبيعتها التركيبية نظرا لتعدد العوامل المسببة لها ولتشعب مسار تطوره، إلا أن المنطلق الأساسي في تحديد أسباب الظاهرة هو كونها لا تتم إلا على الأراضي ضعيفة المناعة، وهنا يجب إبراز أسباب عدة تَحكم نشوء وتطور الظاهرة، أهمها المناخ الذي له تأثير حاسم على ظواهر أساسية هي المطر وأشعة الشمس والتعرية.

وتضطلع هذه العوامل الثلاثة بدور مؤثر في تحديد خصوبة الأرض من عدمها، وبالتالي مناعتها ضد ظاهرة التصحر.

وتلعب طبيعة التضاريس هي الأخرى دورا مركزيا في عملية التصحر، فضلا عن طبيعة التربة نفسها والغطاء النباتي الموجود بها.

المناطق المهيأة للتصحر
ترتبط ظاهرة التصحر بهشاشة الأراضي وافتقارها إلى الأسباب الضرورية لمواجهة الظاهرة وأبرزها الخصوبة وطبيعة الغطاء النباتي، فضلا عن تساقط الأمطار. بيد أن هذه العوامل وحدها لا تكفي لفهم تعرض الأراضي الأخرى للتصحر رغم وجودها في فضاء جغرافي ومناخي واحد.

وهنا يبرز الدور البشري في الظاهرة، فالتمدن والاستهلاك المفرط للغطاء النباتي سواء بقطع الأشجار أو النباتات لدوافع الصناعة أو التجارة، أو الرعي المستمر والكثيف؛ كلها عوامل مساعدة على إفقار الأراضي، وبالتالي جعلها عرضة لنشوء التصحر.

ومن هنا يُمكن رصد خاصية أساسية لظاهرة التصحر، وهي التطور؛ فالتصحر يُمكن أن يُهدد أي منطقة إذا توفرت شروط ذلك، كما يُمكن أن يَختفي فيها إذا بُذل جهد لمحاربته والقضاء على أسباب نشأته. 

التداعيات
التصحر ظاهرة خاضعة للتطور، وبالتالي فإنها حين تنشأ في منطقة تكون مهيأة للاتساع، كما أن التصحر تصاحبه ندرة في الأمطار، وهو ما يتسبب في آثار كارثية على حياة السكان والتنمية الحيوانية والزراعية في المنطقة، بل يتسبب في كثير من الأحيان في هجرة السكان.

يضر التصحر على نحو كارثي مقدرات السكان في المناطق المتضررة، لا سيما إذا كانت الأنشطة السائدة هي التنمية الحيوانية والزراعية.

وعلاوة على ما تقدم، فإن التصحر له تأثير مباشر على مستوى التنمية؛ فالهجرات التي يتسبب فيها والمجاعات والخسائر الكبيرة التي يخلفها لدى سكان المناطق القروية تلقي آثارا سلبية على الخطط التنموية الحكومية وعلى النمو الاقتصادي للدولة خاصة في البلدان الفقيرة والسائرة في طريق النمو، التي شكَّل التصحر في بعضها مشكلة اقتصادية هيكلية عطلت -أو كادت- مسار التنمية الاقتصادية والبشرية.

الاستباق والمحاربة
رغم خطورة ظاهرة التصحر فإنَّ مواجهتها ممكنة، خاصة أنها ليست ذات طبيعة فجائية، وهو ما يُوفر الوقت اللازم للتصدي لها أو تغيير مسارها. وتتطلب مواجهة التصحر سياسات عمومية على المستوى المحلي، وكذلك على المستوى الدولي، وتتضمن عادة هذه السياسات برامج للتشجير ودعم الفلاحة القروية والتنمية الحيوانية في المناطق المتضررة، وذالك لتشجيع السكان على الانخراط في مواجهة التصحر.

بيد أن هذه الجهود مكلفة وتستدعي تنفيذا صارما ومستمرا؛ فمحاربة التصحر تتم على مدى سنوات طويلة، كما أن التغلب عليه بشكل نهائي أمر مستحيل تقريبا لكون الظاهرة خاضعة للتطور وقابلة للظهور من جديد.

وتتضمن خطط المحاربة والاستباق عادة برامج تأهيل للأراضي المتضررة بواسطة التشجير وتشجيع الفلاحة بهدف استعادة خصوبة الأراضي، فضلا عن محاربة قطع الأشجار والصيد، وتحديد مجالات الرعي وفصلها تماما عن الأراضي الزراعية، ووضع برمجة لزراعة الأراضي بالتناوب لتوفير الراحة اللازمة للتجدد البيولوجي. 

المصدر : الجزيرة