الانتقال السياسي

FOR USE AS DESIRED, YEAR END PHOTOS - FILE - In this June 29, 2012 file photo, Egypt's President-elect Mohammed Morsi waves to supporters after giving a speech at Tahrir Square in Cairo. (AP Photo/Khalil Hamra, File)
مصر عرفت مرحلة انتقالية سمحت بانتخاب محمد مرسي وانتهت بانقلاب عليه قاده وزير الدفاع وقتها السيسي (أسوشيتد برس)

الانتقال السياسي عملية سياسية متدرجة تسمح بالتحول من النظام الدكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي، يكون قائما على حرية الاختيار والشرعية الشعبية المعبر عنها بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة.

وتمتد المرحلة الانتقالية عادةً سنواتٍ وتُتوج بانتخاب هيئات دستورية منبثقة عن إرادة شعبية حقيقية، وتمتلك سلطات سيادية محددة بنص الدستور.

وهناك عوامل تساعد على تيسير العملية الانتقالية وتسريع وتيرتها، منها الحالة الاقتصادية للبلد ووجود تقاليد ديمقراطية سابقة يمكن أنْ يستفاد منها لإنجاز الأنموذج المنشود. وتُتبع المرحلة الانتقالية بمرحلة تسمى مرحلة تعزيز الديمقراطية، هدفها الاطمئنان على متانة البناء الديمقراطي الناشئ وسد الثغرات التي يُمكن أن تعود منها الدكتاتورية والاستبداد.

في بعض الأحيان ترافق عملية الانتقال السياسي عملية مصالحة وطنية هدفها حفظ الذاكرة السياسية.

النشأة والتطور
ظهرت أشكال من الانتقال السياسي مع اندلاع الثورات الأوروبية في القرنين 18 و19، واكبت التحولات الكبرى التي عرفتها القارة وهي تحولات تُجاوز البعد السياسي إلى أبعاد فكرية وثقافية، كانت في الواقع نتيجة منطقية لحركة التنوير وتحرر المجتمعات من استبداد الارستقراطية المتحالفة مع الكنيسة.

فقد شهدت فرنسا تحولا سياسيا كبيرا مع ثورتها عام 1789 جسده سقوط الملكية وإقرارُ دستور جديد وظهور إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي أكد على قيم الحرية والعدالة والمساواة، رغم أن هذا التحول سيُجهَض لاحقا ولن تستعيد البلاد وجهتها إلى الديمقراطية إلا مع دستور 1851.

بيد أن تحولات القرنين 18 و19 كانت فأساسا كرية وحضارية ولم يُشكل الانتقال السياسي إلا رافدا يسيرا فيها.

ومع دخول القرن العشرين ساد مفهوم الانتقال السياسي في أوروبا، فشهدت ألمانيا مرحلة انتقالية مشهودة في نهايات الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مهدت لها ثورات وانتفاضات شعبية متتالية قادتها الطبقة العمالية، ونادت بوقف الحرب وبإجراء إصلاحات تمكن البلاد من تجاوز تبعات اتفاقية فرساي المجحفة.

وانتهت هذه الانتفاضات التي بلغت ثلاثا بين 1918 و1919 (ثورة نوفمبر/تشرين الثاني 1918، وثورة برلين، وثورة جمهورية مجالس بفاريا) نهاية دامية، فقد كانت الحكومة الإمبراطورية مصرة على بقاء الأمور على حالها مع إجراء إصلاحات محدودة، في حين كانت الحركة الاحتجاجية تريد تغييرا جذريا مستلهمة رؤاها من الثورة البلشفية في روسيا.

مهدت هذه الهبات الشعبية لمرحلة انتقالية أرست أسس الجمهورية مكان الإمبراطورية، لكنها في المقابل أججت الحس القومي الألماني المجروح بمعاهدة فرساي، وأخذته إلى مستويات حدية من التطرف أنتجت خلال أقل من عقد الحركة النازية التي حكمت البلاد في 1933، ودفعت ألمانيا والعالم إلى الحرب العالمية الثانية التي تعتبر من أكثر الحروب فظاعة في تاريخ البشرية.

وبعد خروجها مهزومة ومدمرة من الحرب، شهدت ألمانيا التحول السياسي الثاني بين عاميْ 1945 و1949.

تحولات شاهدة
1- إسبانيا
يوصف التحول الديمقراطي في إسبانيا بأنه نموذج فريد من نوعه، وذلك بالنظر إلى نجاحه الباهر في القفز بالبلاد من واقع التخلف إلى مصافي الاقتصاديات العالمية في فترة وجيزة، رغم التحديات الكثيرة التي تعيشها.

وقد بدأ الانتقال السياسي في إسبانيا بتنصيب الملك خوان كارلوس دي بربون (خوان كارلوس الأول) بعد يومين فقط من وفاة الجنرال فرانكو في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، وانتهى بإقرار الدستور في عام 1978.

وهناك مؤرخون يوسعون مجال التحول دافعين بأنه بدأ مع اغتيال رئيس وزراء فرانكو القوي لويس كاريرو بلانكو في عام 1973، وانتهى بنجاح الحزب الاشتراكي في الانتخابات التشريعية عام 1981 وتشكيل فيليب غونثالث لأول حكومة منتخبة في اقتراع تعددي منذ الحرب الأهلية (1933-1939)، بل إن مؤرخين يدرجون العهدة الأولى لغونثالث (1981-1986) في المرحلة الانتقالية.

2- أميركا اللاتينية
عرفت الأرجنتين الانتقال الديمقراطي إثرَ هزيمة النظام العسكري أمام الجيش البريطاني في حرب الفوكلاند 1982، مما فاقم وضع الحكومة التي كانت قد بدأت تُظهر علامات الضعف منذ مطلع الثمانينيات.

وبحلول عام 1983 كانت قطاعات واسعة من النخبة العسكرية اقتنعت بضرورة إطلاق مسار انتقالي يُعيد البلاد إلى الحياة الديمقراطية مدفوعة بتردي الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وبحالة الاحتقان الشديدة التي تشهدها بسبب إعدام النظام العسكري أكثر من 30 ألف شخص، و تهجيره أكثر من مليون فضلا عن عشرات الآلاف من المختفين.

وقد عكس تعاقب المجالس العسكرية عمق أزمة النظام، فبين 1980 و1983 تعاقبت أربعة مجالس عسكرية على حكم البلاد. وفي هذا السياق العاصف، شرّعت السلطات العسكرية لخمسة من أهم الأحزاب التقليدية تشكيل جبهة موحدة سُميت "جبهة التناوب"، وذلك في خطوة رآها باحثون محاولة لإنقاذ النظام أكثر منها خطوة نحو الانفتاح السياسي.

أسفرت الانتخابات العامة المنظمة في عام 1983 عن فوز راؤول ألفونسان برئاسة البلاد بفارق بسيط عن مرشح المعسكر الموالي للراحل خوان بيرون. ومكن هذا التحول -على نواقصه- من وضع البلاد على سكة التنمية والديمقراطية، مستفيدا بالخصوص من ميراث التجارب الديمقراطية التي شهدتها البلاد في فترات سابقة.

3- العرب
لم تشهد البلاد العربية التحول الديمقراطي إلا في فترات متأخرة، واتسمت محاولات الانتقال السياسي فيها بعدم الجدية حتى إنها بدت في كثير من الأحيان مساعي لتحسين صورة النظام القائم ومنحه نفـَسا جديدا أكثر منها عملية انتقال حقيقية إلى الديمقراطية.

ومع ذاك فإن بعض التجارب كانت لافتة، إذ قاد في السودان مثلا المشير عبد الرحمن سوار الذهب مرحلة انتقالية أفضت إلى تسليم الحكم لنظام مدني في 1986، لكن التجربة انهارت بعد ثلاث سنوات حين انقلب اللواء عمر البشير على الحكم المدني.

وفي موريتانيا، تكررت التجربة ذاتها تقريبا بين 2005 و2007، لكن انقلابا عسكريا وأدها بعد عام ونصف تقريبا في 6 أغسطس/آب 2008. وفي 2011 مهدت ثورات الربيع العربي لانتقال سياسي في مصر قضى عليه هو الآخر انقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013.

 ويبقى الانتقال السياسي الأهم في المنطقة العربية ذلك الذي شهدته تونس بعد ثورة الياسمين عام 2011، وأفضى إلى إقرار دستور ديمقراطي وانتخاب رئيس وبرلمان دائمين في نهاية 2014.

المصدر : الجزيرة