الاستفتاء الشعبي

An Egyptian man shows his ballot paper reading no, before casting it, during the second round of a referendum for the new Egyptian constitution, at a polling in Giza, Cairo, Egypt, 22 December 2012. More than 25 million eligible Egyptians were called to cast their ballots 22 December in the final phase of a referendum on a disputed draft constitution that has sparked demonstrations by pro- and anti-government protesters. Voting was taking place in 17 electoral districts that are considered to be broadly conservative, meaning a yes vote is expected to prevail.
ورقة الاستفتاء على الدستور المصري عام 2012 (الأوروبية)

الاستفتاء الشعبي هو تقليد ديمقراطي قوامه اقتراع عام مباشر يدعى إليه الناخبون للفصل في تعديلات ذات طبيعية تشريعية أو دستورية أو حتى ترابية، بطلب من الحكومة أو بناء على تعبئة شعبية، حسبَ القوانين المعمول.

ويعد هذا المفهوم من أهم ركائز وتجليات الديمقراطية المباشرة لكونه يتجاوز المجالس الصادرة عن الديمقراطية التمثيلية ليأخذ برأي الناخب البسيط في تعديلات قانونية أو دستورية أو اقتصادية واجتماعية تمسُّ معاشه اليومي وقد يشمل تأثيرها الأجيال القادمة.

النشأة
ظهر الاستفتاء الشعبي أولَ مرة في سويسرا خلال القرن الخامس عشر، إذ أقرتْ مجالس 12 كانتونا آلية الاستفتاء الشعبي (الاستشارة الشعبية) للبت في القضايا المحلية والشؤون العامة، مع أن القرار النهائي يبقى لمجالس الكانتونات.

وفي القرون التالية، اتسع نطاق مفهوم الاستفتاء الشعبي ليُصبح آلية من آليات إشراك المواطن البسيط في القرارات الحاسمة، ومن أمثلة ذلك الاستفتاء على تحريم الخمور. وبحلول عام 1904 أقرت الولايات الأميركية مساطر للاستشارة الشعبية تضمنت ستةَ أنواع من الاستشارات الشعبية ضمنها الاستفتاء العام المباشر.

التطور
بحلول القرن العشرين أصبح الاستفتاء الشعبي آلية مركزية من آليات الديمقراطية المباشرة، يُمكن من استشارة الناخب البسيط في إصلاحات ذات طبيعة مصيرية ولا ينعقد الإجماع عليها.

وقد يجري الاقتراع على المستوى الوطني أو المحلي حسبَ نوع التعديلات والهيئة الناخبة المعنية بها بشكل مباشر، بحكم أن هدف الاستفتاء هو استشارة القاعدة الشعبية التي هي مصدر الشرعية السياسية في البلدان الديمقراطية.

وتتصدر سويسرا دولَ العالم من حيث ممارسة هذا التقليد الديمقراطي، فالإحصائيات تُفيد بأن أكثر من 90% من الاستفتاءات المنظمة في العالم خلال القرن الماضي جرت في سويسرا، وتناولت مواضيع تتراوح بين التعديلات الدستورية ومراجعة شبكات الأجور في ضوء الفوارق الفاحشة بين رواتب العمال ومديري المقاولات.

آليات الاستفتاء الشعبي
قد يَجري الاستفتاء الشعبي بدعوة من السلطة التنفيذية لتمرير قانون أو تعديلات دستورية أو ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية تُثير جدلا محتدما داخل الرأي العام المحلي.

وترمي الحكومة عادة من خلف الاستفتاء لتعزيز موقفها وقياس توجهات الرأي العام لتجنب التبعات السياسية لقراراتها. ففي حال إقرار التعديلات يكون الدعم الشعبي مضمونا، وفي حال رفضها تكون الحكومة في حل من المسؤولية السياسية بغض النظر عن موقفها.

وقد يجري الاستفتاءُ كذلك بناء على تعبئة برلمانية أو شعبية أو هما معا، ففي سويسرا مثلا تنبثق أغلب الاستفتاءات عن مبادرات شعبية تعمل على جمعِ قدر من التوقيعات يحدده القانون ليتسنى تقديم المقترح إلى السلطات لتحيله على المجلس الدستوري للتأكد من دستوريته، ثم يُحدد تاريخ الاستفتاء وتُدعى الهيئة الناخبة إليه.

وفي حال كان مشروع الاستفتاء نابعا من مبادرة برلمانية، فيَلزم أن ينال دعم عدد محدد قانونا من أعضاء الجمعية أو الجمعيتين التمثيليتين ومن الناخبين كذلك.

وبعد تقديم المقترح لرئيس الدولة واستكمال الاجراءات القانونية الأخرى (التأكد من دستورية التعديلات) يحدد تاريخ الاستفتاء، وفي نفس الوقت يُحظر على البرلمان نقاش أي نص يتصل بموضوع التعديلات لأجل يحدده القانون.

ففي فرنسا مثلا، ينص الدستور على أن الاستفتاء الشعبي يجري بناء على مقترح من الحكومة أو مقترح من غرفتيْ البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ). وفي حال كان المقترح مقدما من قبل جمعيات أهلية يلزمه -ليقدم للاستشارة الشعبية- الحصول على توقيعات 1% من الهيئة الناخبة وخمس أعضاء غرفتيْ البرلمان.

أما مراجعة الدستور فيقصر الدستور الفرنسي امتيازَ تقديم مبادرة لتعديله على رئيس الجمهورية ثم الوزير الأول وأعضاء البرلمان. وفي هذه الحالة تتم إجازة التعديلات في البرلمان، وعند إقرارها بالأغلبية المطلقة تعرض على استفتاء شعبي لتكون نافذة عند الموافقة عليها.

يتيح الدستور الفرنسي لرئيس الجمهورية الاكتفاء بعرض التعديلات الدستورية على البرلمان دون الحاجة لاستفتاء شعبي. وفي هذه الحالة تحتاج التعديلات لتأييد ثلاثة أخماس البرلمانيين.

الاستفتاء لتقرير المصير
ظهر هذا المفهوم مع نهاية الحقبة الاستعمارية خاصة في ستينيات القرن العشرين مع إعلان الأمم المتحدة عام 1960 عام الاستقلال.

وكانت القوى الاستعمارية -خاصة بريطانيا وفرنسا- قد خرجت منهكة من الحرب العالمية الثانية، كما تراجعت مكانتها الدولية مع بروِز معادلة دولية جديدة طرفاها الرئيسيان الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كقطبين رئيسيين للنظام العالم الجديد.

وفي هذا الصدد، عرضت فرنسا على مستعمراتها في أفريقيا الغربية عام 1958 الاستقلال الذاتي كخطوة أولية نحو استقلال تام ومتدرج في إطار ما عُرف بـ"القانون الإطار" الصادر عام 1956. وكانت تلك الاستشارات الشعبية في الحقيقة آلية للتخلص السلس من التركة الاستعمارية الثقيلة.

وجدت فرنسا كذلك في الاستفتاء الشعبي مخرجا "مشرفا" لها من القضية الجزائرية، التي تم حلها بموجب اتفاقيات إفيان الموقعة بين جبهة التحرير الوطني الجزائرية والحكومة الفرنسية في الثامن عشر مارس/آذار 1962. وبناء على تلك الاتفاقيات أُجري الاستفتاء على استقلال الجزائر في فاتح يوليو 1962، وأُعلنت الجزائر دولة مستقلة بعد ذلك بأربعة أيام.

المصدر : الجزيرة