معرة النعمان.. حيث يرقد صاحب "رسالة الغفران"

ضريح أبي العلاء المعري
ضريح أبي العلاء المعري أحد أبرز معالم المدينة (الأناضول)
مدينة سورية تقع في ريف إدلب الجنوبي، يعود عمرها لآلاف السنين، واشتهرت في الماضي بكونها مسقط رأس الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري، وبقربها من آثار إيبلا التاريخية، واشتهرت في الحاضر بكونها إحدى المدن التي انتفضت مبكرا على النظام السوري، وخرجت من قبضته وسيطرة قواته.
 
الموقع
مدينة معرة النعمان هي إحدى مدن الشمال الغربي السوري، وتقع في محافظة إدلب على الطريق الرابط بين العاصمة السورية دمشق، وعاصمة الشمال مدينة حلب، وتبعد عن دمشق نحو ثلاثمئة كيلومتر، وعن مدينة حلب نحو ثمانين كيلومترا، وعن مدينة حماة نحو ستين كيلومترا، وتتمتع بموقع إستراتيجي مهم ومناخ لطيف.
 
السكان
كان عدد سكان مدينة المعرة يزيد على مئة ألف نسمة قبل اندلاع الثورة السورية وتهجير عشرات الآلاف من سكانها، بينما يبلغ عدد سكان منطقة المعرة نحو أربعمئة ألف نسمة إبان اندلاع الثورة.
 
أصل التسمية
لا يعرف على وجه اليقين سبب تسمية المدينة بهذا الاسم؛ فالمعرة تطلق في اللغة على الإثم والأذى والإساءة والمكروه، والمعرة كوكب في السماء، ويرجح البعض أن يكون الاسم عائدا إلى جذر سرياني (مغرتا) بمعنى المغارة أو الكهف.
 
وعرفت المدينة بمسميات متعددة في فترات مختلفة من التاريخ؛ حيث عرفت في العهد الروماني بـ"أرا" (القديمة)، وفي العهد البيزنطي بـ"مار"، وفي العصر العباسي بـ"العواصم"، أما نسبتها إلى النعمان فهناك أكثر من رواية متداولة بشأنه، منها أنه النعمان بن بشير الذي كان واليا على حمص، ويقال أيضا إنها تنسب إلى النعمان بن المنذر.

التاريخ
كغيرها من المدن السورية القديمة، عاصرت المعرة قيام دول وحضارات وشهدت أفول أخرى، وعاشت الكثير من الأحداث البارزة عبر تاريخها الطويل؛ حيث استولى عليها البيزنطيون عام 968م، قبل أن ينتهي الاحتلال البيزنطي للمدينة بعد قدوم الفاطميين في حدود 996م.

وجاءت الحملة الصليبية على الشام لتدك المدينة وتحتلها عام 1099م في طريقها نحو القدس، بعد حصار استمر أسابيع ومجازر خلفت آلاف القتلى.

 
وحررها القائد عماد الدين زنكي عام 1135م، ورغم الأحداث الجسام التي مرت بها المدينة احتلالا وتحريرا ونهوضا وسقوطا؛ فقد ارتبطت على وجه التحديد ذكرا وتاريخا بشاعرها الأبرز الذي ولد وتوفي فيها، أبو العلاء المعري (توفي 1057م)، حيث بني مركز ثقافي كبير في أربعينيات القرن الماضي قرب ضريحه الذي تحول إلى أحد أبرز المزارات السياحية في المدينة.
 
الثورة السورية
انضمت معرة النعمان مبكرا لقطار الثورة في سوريا، وشهدت أول تحرك احتجاجي محدود ضد النظام في 25 مارس/آذار 2011.
 
ومع مطلع يونيو/حزيران، تزايدت وتيرة الاحتجاجات، حيث احتشد آلاف المتظاهرين مطالبين بإسقاط النظام في ما عرف بـ"بجمعة العشائر"، وواجهتهم قوات النظام بعنف، وأطلقت عليهم النار، وشاركت خمس مروحيات عسكرية في إطلاق النار على المحتجين من الجو، وأدى ذلك في المجل إلى سقوط 11 قتيلا.

ومثلت مشاركة المروحيات العسكرية في إطلاق النار على المتظاهرين على المعرة في جمعة العشائر (10 يونيو/حزيران 2011) أول استخدام يكشف عنه للقوة الجوية لإخماد الاحتجاجات التي اندلعت في مارس/آذار 2011. وعلى خلفية تلك الأحداث أعلن تسعة من أعضاء حزب البعث الحاكم في معرة النعمان استقالتهم من الحزب احتجاجا على ما وصفوه بقمع قوات الأمن للمتظاهرين.

وبعد هذه الأحداث أنشأ النظام معسكرا له في وادي الضيف، لمواجهة أي تحركات أو اضطرابات جديدة في المعرة، كما قام بقطع الطرق وإنشاء الحواجز العسكرية على طول الطرق المؤدية إلى معرة النعمان لقطع الطريق أمام قدوم أي محتجين من القرى والبلدات القريبة من المدينة.
 
وتعرضت المدينة بعد عام 2011 على يد قوات النظام للكثير من القصف والتدمير ونهب الآثار وتهجير السكان.
وتمكن الجيش الحر من السيطرة على المدينة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2012، بعد طرد قوات النظام السوري منها.
 
المعالم
من معالم المدينة البارزة "خان مراد باشا" وهو أحد أهم المباني والمعالم الأثرية بالمدينة، وأقامه العثمانيون كمحطة استراحة لإيواء المسافرين وأبناء السبيل، وتحول عبر القرون إلى معلم سياحي بارز، ثم أصبح لاحقا متحفا للمدينة.

ومن معالمها الشهيرة أيضا مسجد الجامع الكبير، وهو من أقدم الجوامع في سوريا، ومسجد نبي الله يوشع، والمدرسة النورية، وتمثال الشاعر أبي العلاء المعري، وغيرها من الآثار والمعالم التي تحكي تاريخ المدينة الضارب في القدم.

ومن أشهر معالم المدينة أيضا، قبر أبي العلاء المعري، صاحب رسالة الغفران، الذي أدى قصف النظام إلى تضرر بعض أجزائه.

وكان ضريح المعري قبل الثورة وجهة للزوار والسياح لشهرة من يرقد فيه ووجوده في بناء أثري أنشئ في عهد السلاجقة الأتراك منذ عام 1058.

ويحيط بالضريح من جهاته الأربع مركز ثقافي بني في أربعينيات القرن الماضي، ولطالما شهدت قاعة المحاضرات في هذا المركز أمسيات ومهرجانات أدبية حضرها كبار الأدباء والشعراء العرب.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية