أنفاق غزة.. رئة للغزاويين ورعب للاحتلال

واحد من الأنفاق التي كشفتها قوات الاحتلال واستخدمتها المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربات موجعة للاحتلال - الأوروبية
نفق كشفه الاحتلال واستخدمته المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربات موجعة لقواته (الأوروبية)

وإلى جانب محاربته لسفن دولية ضمت ناشطين حقوقيين وسياسيين ضد الحصار الخانق المضروب على غزة، استغل الاحتلال سيطرته على معابر القطاع لتجويع الغزاويين، ومحاولة فرض واقع سياسي عليهم.

فالمعابر التي تربط غزة بالعالم سبعة، خمسة منها تحت سيطرة إسرائيلية كاملة وهي معابر: المنطار (كارني) شرق غزة، وبيت حانون (شمال مدينة غزة)، والعودة (صوفا) شمال مدينة رفح، والشجاعية (ناحال عوز)، والقرارة (كيسوفيم) بين منطقة خان يونس ودير البلح، بينما يوجد معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم) تحت إدارة إسرائيلية بتنسيق مع مصر ويوجد على الحدود المصرية الفلسطينية الإسرائيلية.

أما معبر رفح فيوجد تحت سيطرة فلسطينية بالتنسيق مع مصر ومراقبة أوروبية، ولا يكاد النظام المصري يفتحه إلا نادرا ولفترة وجيزة، وبشروط خاصة. 

في أجواء الحصار هذه، وفي ظل الخناق المستمر منذ سنوات، بدت الأنفاق حلا بديلا للشعب الفلسطيني في غزة للتخفيف من آثار الحصار.

وقد ظهرت الأنفاق على الحدود بين غزة ومصر مطلع ثمانينيات القرن الماضي لنقل السلع والمواد الغذائية المتنوعة بين جانبي الحدود.

وتزايدت أهمية هذه الأنفاق بعد تشديد الحصار على قطاع غزة عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، حتى أضحت شـريان حياة رئيسيا لمليوني نسمة في القطاع.

النظام المصري
محاصرة قطاع غزة لم تكن لتنجح بدون دعم النظام المصري للسياسة الإسرائيلية في هذا المجال، ففي العام 2009 أمر الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بإنشاء جدار فولاذي عازل على الحدود مع غزة.

وفي 2010 اتهمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا السلطات المصرية باستخدام القوة المميتة في حربها على الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، ومارست القتل العمد تحت الأرض بعيدا عن أعين العالم. 

وأوضحت المنظمة في تقرير أصدرته أنه "جرى توثيق 54 حالة وفاة قضى معظمها بسبب استنشاق أنواع من الغاز السام ترشها قوات الأمن المصرية داخل الأنفاق مما يؤدي إلى الاختناق والموت السريع". وأضاف أن "الحكومة المصرية لم تقف عند هذا الحد، وإنما قامت باستخدام المتفجرات وضخ المياه العادمة وإحداث اهتزازات اصطناعية لهدم الأنفاق على رؤوس العاملين دون توجيه أي إنذار مسبق".

وبعد الانقلاب العسكري في مصر شن الجيش المصري حملة لتدمير الأنفاق، وأعلن في سبتمبر/أيلول 2013 تدمير 343 نفقاً، كما أعلن إقامة منطقةٍ أمنية عازلة على طول الحدود مع القطاع.

وفي صيف 2015، قال الجيش المصري إنه أكمل خطته لتدمير الأنفاق وذلك بتركيب أنبوب مائي عملاق قطره عشرون بوصة على طول الحدود مع غزة لإغراق الأنفاق، وذلك بعد إقامة منطقة عازلة بعرض 14 كلم على طول حدود مصر مع قطاع غزة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، انتشل الدفاع المدني الفلسطيني جثث أربعة عمال فلسطينيين بعد إغراق الجيش المصري نفقاً على الحدود بكميات كبيرة من المياه. وحسب تقارير حقوقية فإن أكثر من 230 شخصا -بينهم تسعة أطفال- لقوا حتفهم داخل الأنفاق بين غزة ومصر منذ العام 2006.

هذه السياسة نالت استحسان الحاخام الإسرائيلي نير بن آرتسي الذي أشاد بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقال إنه يقوم "بعمل رائع" من أجل إسرائيل بهدمه الأنفاق التي تصل قطاع غزة بأراضٍ مصرية شمالي سيناء.

وأضاف بن آرتسي في موعظة دينية أسبوعية نشرها موقع "كيكار شبات" الإسرائيلي في فبراير/شباط 2016 أن السيسي يقيم "سورا واقيا"، ورحب في هذا السياق بإغراق الجيش المصري الأنفاق بواسطة مياه البحر.

وأدت حملة الجيش المصري المستمرة في تدمير الأنفاق إلى زيادة كبيرة في أسعار مواد البناء بقطاع غزة، فضلا عن تقليص حاد في النشاط التجاري للمستثمرين وعمال الأنفاق، وحرمان قطاع غزة وأهلها من مواد طبية وغذائية وصحية لا غنى عنها.

 

أنفاق المقاومة
شكلت الأنفاق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سلاحا جديدا فاجأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكبده خسائر مادية فادحة، فضلا عن خسائر معنوية تثير جدلا كبيرا داخل النسق السياسي والأمني الإسرائيلي.

ولا يكاد يمر يوم دون أن تحذر القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية من خطر الأنفاق، وتؤكد أنها ستكون العنوان الرئيسي للعدوان المقبل.

وقد نفذت القسام خلال السنوات الماضية عددا من العمليات النوعية ضد الجيش الإسرائيلي اعتمدت على المباغتة باستعمال الأنفاق، مما أوقع خسائر بشرية في صفوف الاحتلال، ومن ذلك استهداف موقع عسكري إسرائيلي محصن تابع لكتيبة ناحل عوز شرق الشجاعية عام 2014، أسفر عن مقتل عشرة جنود إسرائيليين.

ونتيجة لضربات المقاومة، أصبحت إسرائيل تتخوف من التسلل خلف خطوط الجيش أثناء توغله في القطاع، والهجوم على مؤخرة القوات الغازية، إلى جانب خوفها من استخدم الأنفاق لتسهيل اختطاف جنود وتنفيذ عمليات في المستوطنات، وذلك على الرغم من أن حفر تلك الأنفاق يتم غالبا بأدوات بسيطة وفق إحداثيات جغرافية معدة سلفا.

وأكدت كتائب القسام للجزيرة أنها ماضية في حفر الأنفاق التي تقول إنها تؤمن سياسة التوازن في الرعب مع الاحتلال في أي مواجهة قادمة، وذلك انطلاقا من الدور الذي لعبته تلك الأنفاق في السابق وخاصة في اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي نجحت المقاومة في إبرام صفقة مبادلته بأكثر من ألف أسير فلسطيني.

وكانت إسرائيل قد أعلنت يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2013 اكتشاف نفق يمتد من خان يونس إلى داخل إسرائيل بطول 2.5 كلم، وأوضحت أن النفق حُفر في تربة رملية وعزّز بدعامات خرسانية.

جدار إسرائيل
ولمواجهة سلاح الأنفاق، بدأت إسرائيل عام 2016 تشييد جدار إسمنتي مسلح على طول الحدود مع قطاع غزة، بهدف توفير الحماية للمستوطنات القريبة من الشريط الحدودي، ومواجهة خطر الأنفاق التي تحفرها المقاومة الفلسطينية، تفوق ميزانية بنائه نصف مليار دولار.

وترى إسرائيل أن هذا الجدار الذي يحيط بغزة كفيل بمنع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من اختراق الحدود عبر الأنفاق الهجومية، مما سيضمن -إلى حد كبير- الحماية للمستوطنات القريبة من الشريط الحدودي.

وسيكون من أدواره الرئيسية الحيلولة دون تسلل مسلحين أو تنفيذ عمليات اختطاف جنود، إذ سيجهز بأجهزة إنذار تسهل على الجيش الإسرائيلي إحباط العمليات الفلسطينية مسبقا.

وإضافة إلى ذلك، سيمكن رصد عمليات حفر قريبة منه، وهو ما سيساعد الجيش الإسرائيلي على تدمير الأنفاق الجديدة التي في طور البناء قبل أن تشكل خطرا.

طريقة الحفر
وينقل خبراء فلسطينيون أن معلومات الأمن الإسرائيلي توضح أن المتخصصين في حفر الأنفاق ينزلون إلى الأعماق بعد فترة طويلة من عدم شرب الماء حتى لا يعرقوا لأن العرق يهدد النفق بالانهيار، وأن الحفر يتم بجهاز ميكانيكي كي لا يصدر ضجيجا.

وبحسب مقال نشرت الجزيرة نت للكاتب عدنان أبو عامر، فإن جهاز الحفر يرتكز "على سلسلة تشبه الدراجات الهوائية، حيث تقوم بتحريك قطع حديدية تحفر الرمل، وأثناء تشغيل الآلة يستلقي الرجل على ظهره، ويقوم بتحريك الدعاسات. ويتم الحفر بعضلات الأرجل وهي الأقوى في عضلات الجسم، وتمكن من الصمود طويلا". و"لتثبيت" طبقة الأرض، تستخدم قطع خشبية مستطيلة.

وعملت قوات الاحتلال على تدمير الأنفاق بمختلف الأسلحة، وبدعم كامل من طرف النظام المصري على ضرب "العنكبوت المتفرع الأذرع"، وهي التسمية الإسرائيلية للأنفاق، لكنها لم تنجح في وضع حد لها، ولا تزال الأنفاق السلاح الأقوى الذي يثير مخاوف الاحتلال.

المصدر : وكالات