الساحل الأفريقي.. مرآة تعكس تنوع القارة السمراء

Three crowned cranes stand in their compound at the zoo in Berlin, Germany, Tuesday, Oct. 14, 2014. These cranes are native to the Sahel and West Africa. (AP Photo/dpa, Stephanie Pilick)
يشكل الساحل بيئة مناسبة لتكاثر أنواع مختلفة من الطيور بعضها مهدد بالانقراض (أسوشيتد برس)

الساحل الأفريقي حزام جغرافي يوجد في أفريقيا ويشمل أكثر من عشرة بلدان، ويمتد من غرب القارة إلى شرقها متوسطا منطقتين متباينتين من حيث المناخ والغطاء النباتي، هما المنطقة الصحراوية القاحلة ونادرة الأمطار عموما في الشمال، والمنطقة السودانية المطيرة ذات الغطاء النباتي والغابوي المُشكل في أغلبه من أشجار السافانا.

وبالتالي فالساحل منطقة انتقال مناخية وبيئية بامتياز، وهو ما تعكسه وتيرة ومعدلات تساقط الأمطار والاضطرابات المناخية الشديدة، ومن سيرتها الكارثية نوبات الجفاف الحاد التي عرفتها المنطقة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.

استمد الساحل اسمه من العربية وقد احتفظ بها في اللغات الأخرى، وتعني الشاطئ أو الحدْ، وهو ما ينطبق عليه تماما نظرا لتوسطه مناخين وبيئتين متباينتين.

الموقع
تتوسط منطقة الساحل القارة الأفريقية مع قربٍ أكثر إلى الشمال، وتمتد من السنغال والرأس الأخضر وموريتانيا غربا وصولا إلى السودان وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا شرقا مرورا بـ مالي والنيجر وتشاد.

أما حدوده من الشمال، فيوجد المغرب والجزائر وليبيا وصولا إلى مصر، ويمتد الساحل جنوبا إلى أقاصي بوركينا فاسو وأجزاء من أفريقيا الوسطى مع أنَّه يتسع ويضيق في غير انتظام، وإنْ كان باحثون جغرافيون كثر يُقدرون أنَّ عرضه (من الشمال إلى الجنوب) يتراوح بين أربعمئة وخمسمئة كيلومتر، أما طوله (من الغرب إلى الشرق) فيُناهز 5500 كيلومترْ.

التضاريس
يتشكل الساحل الأفريقي في أغلبه من تضاريس منبسطة أغلبها مرتفعات وهضاب جرانيتية يتراوح معدل ارتفاعاتها في المتوسط بين مئة وأربعمئة متر فوق سطح البحر، وتتميز بأشكالها شديدة التنوع نظرا لعوامل التعرية القوية في المنطقة بسبب الرياح الشديدة والسيول وكذلك الفوارق الحادة في معدلات الحرارة بين الليل والنهار.

ومن أبرز التضاريس الجبلية الجديرة بالذكر مرتفعات "الماندينغ" وأجراف "باندياغارا" في مالي وأجراف "بانفورا" في بوركينا فاسو، كما أنَّ جبال آدرار إفوغاس في مالي وتبستي في تشاد تُشكل هي الأخرى معالم جغرافية مشهورة، وإن كانت طبيعتها الصحراوية القاحلة تُنازع الساحل في نسبتها إليه، ومن الجدير بالذكر القول إن الساحل يتميز بتنوعٍ كبير جدا للتضاريس يجعل من حصرها أمرا شبه مستحيل.

يتميز الساحل كذلك بسهوله الكبيرة المنبسطة وأحواضه الرطبة التي تتغذى من مياه الأمطار وكذلك بعض الأنهار والبحيرات الجارية في المنطقة مثل نهر السنغال ونهر النيجر والنيل الأبيض وبحيرة تشاد.

المناخ
المناخ السائد في منطقة الساحل مداري شبه قاحل ميزته الأبرز ارتفاع درجات الحرارة (المعدل السنوي المتوسط يتراوح بين 28 وثلاثين درجة مئوية) مع أنَّها قد تبلغ معدلات أكبر بكثير خلال فترات الجفاف التي تستمر أغلب العام، فدرجات الحرارة بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز تتجاوز 45 درجة مئوية في كثير من الأيام.

ومما يُسهم في ارتفاعها الحاد هبوب رياح (آليزيهْ) التي تأتي عادة من الشمال الشرقي أو الجنوب والجنوب الغربي. وهي رياح رملية جافة وساخنة تعكسُ بجلاء التأثير الصحراوي لرياح السموم الصحراوية على الساحل، ومع ذلك فإن لرياح الآليزيه في بعض الحالات دورا حيويا في تهيئة الظروف الضرورية للتساقطات المطرية من حرارة وضغط وتكثف.

يتميز مناخ الساحل بتفاوت التساقطات المطرية بين مناطقه، فهي تتراوح بين مئة ومئتي ملليمتر سنويا في الشمال وبين خمسمئة وثمانمئة ملليمتر في الجنوب، ومع ذلك فإنَّ لها قواسم مشتركة منها محدودية فترة التساقطات التي لا تتجاوز في المتوسط ثلاثة أشهر وفق المناطق محدودة بين مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الأول.

وتتميز الظواهر المناخية عموما (الأمطار، الفيضانات، الرياح، الجفاف…) كلها بالقوة في هذه المنطقة، كما أن معدلات الحرارة تكون متباينة جدا بين الليل والنهار خاصة فصل الشتاء، إذ قد يُناهز الفارق الحراري بين الليل والنهار أكثر من عشرين درجة مئوية.

الغطاء النباتي
يفتقر الغطاء النباتي للساحل نسبيا إلى التنوع، إذ لا يتجاوز 1500 نوع، وهو ما يجد تفسيره في شدة وعنف المناخ وكذلك التأثير الصحراوي القاحل والجاف فضلا عن نوبات الجفاف وعدم انتظام الأمطار، مع ما لذلك من تأثير على الغطاء النباتي والحيواني.

ويتميز الغطاء النباتي في الساحل بتباعد الأشجار ووجود الشوك فيها، وذلك عائد إلى ظاهرة التكيف التي تقوم بها النباتات لمواجهة الظروف القاسية، فالشوك أحد مظاهر التكيف، كما أن تباعد الأشجار ناطقٌ بندرةِ الماء وشدة التنافس عليه، إذ لا تبقى إلا الأشجار الأقدر على إرسال جذورها بعيدا في التربة للحصول على الماء.

ومع ذلك فإن في الساحل بعض الأشجار الرطبة مثل شجر السنديان المنتشر في جنوب منطقة الساحل، وهو ذو فوائد كثيرة كما أنَّ له مكانة خاصة في المخيال الجمعي بالمنطقة.

تتنوع الثروة الحيوانية بالمنطقة حيث ينتشر الرعي على نطاق واسع في دول الساحل مثل موريتانيا ومالي والسودان، ويتوزع قطيع الماشية بين الإبل والماعز والغنم.

يوفر الغطاء النباتي بيئة جيدة لحياة أصناف متنوعة من الحيوانات حيث تأوي براري المنطقة قواضم الصحراء والضباع والغزلان وأنواعا من الطيور، وبعض هذه الحيوانات مهدد بالانقراض.

السكان
تقطن منطقة الساحل مجموعات بشرية شديدة التنوع على المستوى العرقي، فالصحراء الموريتانية وجنوب الجزائر ومنطقة أزواد تُشكل فضاء للرحل من العرب البيظان والطوارق، وإن كانت نوبات الجفاف دفعت بكثير منهم إلى المدن.

وفي حوض نهر السنغال يتعايش البولار والسوننكي والولوف، وعلى امتداد نهر النيجر بتفرعاته الكثيرة (الصحراوية والساحلية) نجد البنباره والديولا والسونغاي وصولا إلى مضارب الموسيهْ بأعالي بوركينا فاسو جنوبا، وإلى الشرق نجد قبائل التبو والتَّدَّا في صحراء تشاد وكذلك الزغاوة والبكَّارة في منطقة آبيشيه ودارفور.

ومع هذا التنوع الكبير، فإن أنشطة التجمعات الاجتماعية والإثنية في الساحل تتوزع بين الرعي والتنمية الحيوانية والزراعة والصيد النهري والتجارة في مستوى دون ذلك.

المصدر : الجزيرة + وكالات