كتالونيا.. إقليم يرفض سلطة "التاج" الإسباني

People wave their "Esteladas" (Catalonian separatist flag) flags during a Catalan pro-independence demonstration at Catalunya square in Barcelona October 19, 2014. Catalonia has dropped plans to hold a referendum on independence from Spain next month but will instead hold a "consultation of citizens", the region's head said on Tuesday. REUTERS/Albert Gea (SPAIN - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)
الكتالونيون يسعون إلى الاستقلال عن إسبانيا (رويترز)

اقليم إسباني يتمتع بالحكم الذاتي ويعتبر "ذا قومية تاريخية"، يقع في شمال شرقي إسبانيا ويعد من أهم أقاليمها من ناحية النشاط الاقتصادي وتعداد السكان، عاصمته مدينة برشلونة التي توصف بأنها العاصمة الاقتصادية لإسبانيا.

الموقع الجغرافي
يحتل إقليم كتالونيا الركن الأقصى من شمال شرقي إسبانيا وشبه الجزيرة الإيبيرية، وتبلغ مساحته نحو 32 ألف كلم مربع، تحده من الشمال جمهورية فرنسا وإمارة أندورا، ومن الشرق مياه البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب إقليم فالنسيا، ومن الغرب إقليم أراغون.

وأدى هذا الموقع الإستراتيجي المتميز إلى توطيد علاقات كتالونيا بدول حوض البحر الأبيض المتوسط ودول القارة الأوروبية.

ويتكون إقليم كتالونيا من أربع مقاطعات، هي: برشلونة وجيرونا وليريدا وتاراغونا، وأراضيه كثيرة الأنهار، أهمها وأطولها نهر الإبرو.

يتمتع الإقليم بمناخ متوسطي ولكنه يتسم باختلافات كبيرة بين المنطقة الساحلية التي تتميز بجو معتدل في الشتاء وشديد الحرارة بالصيف، والمنطقة الداخلية التي تتسم بمناخ قاري متوسطي، شديد البرودة شتاءً وشديد القيظ صيفا.

أما المنطقة الشمالية الواقعة على جبال البرانس فتتأثر بمناخ الجبال الشاهقة التي تنخفض فيها درجات الحرارة الدنيا إلى ما تحت الصفر مع هطول الثلوج الكثيفة في الشتاء ولكنها تتميز بمناخ لطيف ومعتدل في الصيف.

السكان
يبلغ تعداد سكان إقليم كتالونيا وفقا لإحصائيات نشرت في مستهل عام 2015 نحو سبعة ملايين ونصف المليون نسمة يتوزعون على 948 بلدة ومدينة، ويزيد تعداد سكان 64 من تلك المدن والبلدات على العشرين ألف نسمة، وهو ما يعني أنها تضم 70% من سكان كتالونيا.

ويتكلم الكتالونيون اللغة المحلية الكتالونية واللغة الإسبانية بالإضافة إلى لغة محلية محدودة الانتشار تسمى اللغة الآرانية، نسبة إلى وادي "آران" الواقع بمقاطعة ليريدا.

التاريخ
اسم كتالونيا مجهول الأصل، وقد تم العثور على الاسم بصورته الحالية كتابيا للمرة الأولى في أشعار لاتينية ظهرت بمدينة بيزا الإيطالية في عام 1117 وتصف شجاعة جنود بيزا إلى جانب الكتالونيين في فتح جزيرة مايوركا.

وقيل في تفسير اسم كتالونيا إنه ينحدر من كلمة "غوتولانديا" (أرض القوط) ولكن هناك كثير من الجدل بشأن هذه النظرية.

سكن الإيبيريون أراضي كتالونيا في العصور القديمة، ثم تعرضت لغزوات من الإغريق والقرطاجيون الذين حكموها لفترات قصيرة، ثم أصبحت كتالونيا جزءا من أراضي "هسبانيا" التابعة للإمبراطورية الرومانية إلى أن انتزعها القوطيون من أيديها.

في عام 718 الميلادي فتح مسلمو الأندلس كتالونيا، وبقيت في أيديهم بكاملها حتى عام 760 عندما بدأ الفرنجة القادمون من الأراضي الفرنسية في انتزاعها منهم شيئا فشيئا إلى أن استولوا عليها بالكامل عام 801، وكوّن الفرنجة إقطاعيات في إقليم كتالونيا من مواطنيه الأصليين تتمتع بحكم ذاتي وسلحوها جيدا لتكون تلك الإقطاعيات بمثابة حاجز دفاعي تنكسر عليه محاولات الغزو الإسلامية الأندلسية.

وكان حكام كتالونيا خاضعين لملوك الفرنجة إلى أن تمرد عليهم كونت برشلونة ويلفريد الملقب بـ"المُشعِر (كثيف الشعر)" واستقل بإقطاعيته في عام 978 وتلاه من سلالته في الحكم ابنه سونيير ثم حفيده بوريل الثاني وآخرون من نسل الأسرة.

وفي عام 1137 عرض ملك "أراغون" راميرو الثاني على كونت برشلونة رامون بيرينغير الرابع أن يزوجه ابنته بترونيلا التي ستصبح ملكة أراغون فوافق الحاكم الكتالوني على العرض وخضع بذلك لتاج أراغون الذي تكفل بعد هذا الزواج بحمايته من محاولات غزو الفرنجة.

وأصبحت كتالونيا منذ ذلك الحين محل نزاع متواصل بين تاج أراغون والتاج الفرنسي، وفي عام 1479 كان زواج الملوك الكاثوليك إيزابيل ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون النواة الأولى لتكوين مملكة إسبانيا، وأصبحت كتالونيا بذلك جزءا من المملكة الإسبانية.

وثار الكتالونيون بمساعدة من الفرنسيين على التاج الإسباني في الفترة من 1640 إلى 1652 بدعوى تعديه على حقوق كتالونيا التقليدية في الحكم الذاتي خلال حرب الثلاثين عاما، بيد أن العرش الإسباني استعاد الأراضي الكتالونية ما عدا مقاطعة رسيون التي احتفظت بها فرنسا، واعترف التاج الإسباني بعد ذلك بحقوق الحكم الذاتي الكتالونية.

وفي عام 1700 توفي ملك إسبانيا كارلوس الثاني من دون وريث، وكان قد اختار وريثا له فيليبي الخامس ذا الأصول الإسبانية من أسرة بوربون الفرنسية، إلا أن مناطق كانت خاضعة لتاج أراغون -ومن بينها كتالونيا- تمردت لصالح كارلوس سليل أسرة هابسبورغ النمساوية الذي أراد أن يصبح ملك إسبانيا كارلوس الثالث فنشبت حرب الخلافة على العرش الإسباني بين أنصار فيليبي وكارلوس.

وأدى سقوط برشلونة يوم 11 سبتمبر/أيلول عام 1714 في يد فيليبي الخامس إلى القضاء على آمال أسرة هابسبورغ في اعتلاء عرش إسبانيا، خاصة بعد التوقيع على معاهدة أوتريخت، وأصبح فيليبي الخامس ملكا لإسبانيا، ولكنه كان يشعر بأن سلطات كتالونيا قد خانته بعد أن أقسمت له على الولاء عام 1701 ثم تحالفت لاحقا مع غريمه فأعلن خضوع تاج أراغون وكل مقاطعاته بما فيها كتالونيا إلى تاج قشتالة عام 1716 وألغى كل المؤسسات وحقوق الحكم الذاتي الكتالونية. 

وفي النصف الأخير من القرن الـ19 تحولت كتالونيا إلى مركز صناعي وأصبحت منذ ذلك الحين وباستمرار أهم المراكز الصناعية في إسبانيا وأكثرها تقدما، وبعد إعلان قيام الجمهورية الثانية في إسبانيا (1931-1939) استعادت كتالونيا مؤسسات الحكم الذاتي في عام 1932 وأصبحت اللغة الكتالونية لغة رسمية إلى جانب اللغة الإسبانية.

وفي عام 1939 استولت قوات الجنرال فرانكو على برشلونة بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، ونتيجة لذلك ألغيت المؤسسات الكتالونية وتم حظر استخدام اللغة الكتالونية في المعاملات الرسمية حتى عام 1975، وهي السنة التي توفي فيها الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا بيد من حديد عبر نظام دكتاتوري.

وفي عام 1978 جرى استفتاء شعبي لإعادة الحياة الديمقراطية إلى إسبانيا صوت خلاله 90% من مواطني كتالونيا لصالح الدستور الإسباني الجديد الذي ينص على "وحدة الأمة الإسبانية التي لا تنفصم" و"يضمن ويعترف بحق الحكم الذاتي للقوميات والأقاليم التي تتكون منها إسبانيا" ومن بينها كتالونيا.

وفي المحصلة، فإن انفصال إقليم كتالونيا عن سلطة الحكومة المركزية الإسبانية حلم يراود سكان الإقليم، حيث نظمت سلسلة استفتاءات أكدت مطالب الأغلبية بالانفصال، غير أن مدريد كانت دائما ترفض تلك المطالب وتسعى لعرقلتها.  

الاقتصاد
يشكل قطاع الصناعة منذ أواخر القرن الـ19 عماد اقتصاد كتالونيا، وانضمت إليه في العصر الحديث قطاعات السياحة والخدمات والبناء. وتملك كتالونيا قطاعا ماليا قويا، وتعد بورصة برشلونة ثاني أهم بورصة في إسبانيا بعد بورصة العاصمة مدريد.

وينتج إقليم كتالونيا ما يعادل 18.8% من الناتج المحلي الإجمالي الإسباني، ولذلك يعد أهم الأقاليم الإسبانية الـ17 من الناحية الاقتصادية.

المصدر : الجزيرة