مدينة حماة.. تاريخ ممتد بين طوفان نوح ومجزرة الأسد

Hama water wheels حماة - الموسوعة
مدينة حماة تلقب بـ"أم النواعير" (غيتي)

مدينة سورية عتيقة تدعى "مدينة النواعير". مركز محافظة حماة في الجزء الغربي من البلاد، واشتهرت بمدارسها العلمية وآثارها التاريخية، دخلتها حضارات قديمة وتعود أصول سكانها -حسب بعض الروايات التاريخية- إلى ذرية نوح عليه السلام. شهدت عام 1982 واحدة من أسوأ المجازر في تاريخها حين قصفها الجيش السوري بالأسلحة الثقيلة وقتل عشرات الآلاف.

الموقع

تقع مدينة حماة في سوريا على نهر العاصي على مسافة 210 كيلومترات تقريبا شمال العاصمة دمشق في منتصف المسافة بينها وبين حلب، وتبعد 90 كيلومترا إلى الشرق من بانياس، وتقارب مساحة المحافظة كلها تسعة آلاف كيلومتر، ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 270 مترا.

السكان

تعد رابع المدن السورية الكبرى من حيث عدد السكان الذين بلغوا نهاية 2010 نحو 750 ألفا تقريبا وفقا لبيانات رسمية.

أما سكان محافظة حماة كلها فتجاوز عددهم في نهاية العام نفسه 2,1 مليون نسمة. ويشكل المسلمون الأغلبية من السكان مع وجود أقلية ضئيلة من المسيحيين.

لقطة لجامع عمر ابن الخطاب المتضرر في حماة في شارع غرناطة (2) (عدسة المراسل)
لقطة لجامع عمر ابن الخطاب في حماة وعليه آثار الدمار الذي خلفته الحرب بعد ثورة 2011 (الجزيرة)

المناخ

مناخ حماة شبه قاري لمجاورتها البادية السورية من الجهة الشرقية، حيث تتعاقب عليها الفصول الأربعة كبقية المدن السورية، وأجمل هذه الفصول فيها فصل الربيع، إذ يعتدل فيه الهواء. أما الصيف فإنه يختلف في بعض السنين حرارة واعتدالا، وقد يشتد الحر وتتراوح الحرارة بين 30 و40 درجة مئوية، أما فصل الشتاء فحينا يكون برده شديد الوطأة وحينا متوسطا.

الاقتصاد

حماة بلدة زراعية أكثر منها صناعية، وموارد تجارتها من الحنطة والشعير والذرة الصفراء والبيضاء والحمص والعدس والعنب والبطيخ بنوعيه الأَصفر والأَخضر والصوف والسمن والغنم والكمون.

يكثر اللبن الخاثر والحليب واللحم والسمن في فصل الربيع والصيف، فإذا شحت السماء جفّت الأرض من أكثر هذه الأصناف وأخذت الثروة تتناقص، إذ معظم معيشة الحمويين منها، لأن حماة بعيدة عن البحر وتجارته، وليس حولها مدن كبيرة تأخذ منها حوائجها ليكون سوق التجارة رابحا فيها.

تاريخ حماة قبل الإسلام

تعود أصول سكان مدينة حماة إلى ذرية كنعان ولد حام ولد نوح عليه السلام، حيث أقامت فرقة من ذرية نوح عليه السلام بعد الطوفان في وادي "الأورونت" (العاصي)، ومعناه النهر الشرقي، وهذه الفرقة أكبر فرق الكنعانيين بكثرة رجالها وقوتها، وذلك قبل ميلاد المسيح عليه السلام بـ2500 عام.

وقد أطلقت التوراة اسم "حمث" على جميع البلاد الشامية نسبة إلى القسم الأكبر منها، وهو حماة وتوابعها، فقد امتدت من منطقة الحماد وتدمر شرقا حتى قلعة المضيق غربا، ومن حلب شمالا إلى دمشق جنوبا، وكانت تسمى حماة "أبيفانيا".

وقد تغلب الحثيون (الحميون) على الكثير من سكان سوريا الآراميين، وقويت شوكتهم ورسخت قدمهم في الأرض، وذلك قبل القرن 18 قبل الميلاد.

وفي سنة 1000 قبل الميلاد دخلت مدينة حماة تحت حكم داوود عليه السلام، وكانت تسمى في زمنه مملكة صوبة.

وفي سنة 332 قبل الميلاد دخلت مدينة حماة في جملة ما استولى عليه الإسكندر اليوناني، وبقي عمال المملكة اليونانية يتعاقبون على حكمها حتى سنة 62 قبل الميلاد.

وفي سنة 64 دخلت حماة تحت الحكم الروماني، وامتدت مدة ملكهم، وعظمت شوكتهم، وهم الذين أنَشؤوا النواعير على العاصي ليستفيدوا من الماء، فيجري إلى الأمكنة المرتفعة، ومما عملوه أن حفروا قناة ماء من جهة منطقة مصياف إلى حماة مغطاة بالحجارة يجري في داخلها الماء لتسقي به القرى المجاورة أراضيها ويشرب منه أهل المدينة، وأقاموا بعض الجسور على نهر "الأورونت" (العاصي).

وكان لحماة أسوار محيطة بها من الحجر الأبيض بناها أسطتينوس الروماني ولها أبواب عديدة، وقد ظلت بيد الرومانيين حتى ملكها المسلمون.

تاريخ حماة بعد الإسلام

بعد فتح أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه حمص ولّى عليها عبادة بن الصامت، ثم فتح الرستن، ثم جاء إلى حماة فتلقاه أهلها مذعنين سنة 18 للهجرة، فصالحهم على الجزية في رؤوسهم والخراج على أرضهم، وأقام في حماة مدة اتخذ كنيستها العظمى جامعا، ثم رحل إلى شيزر فصالحه أهلها على ما صالحه أهل حماة، ومن ذلك الحين دخلت حماة تحت يد الدولة الإسلامية هي وتوابعها.

وبعد أن دخلت حماة في حكم الأمويين ألحقوها بحمص فصارت تابعة لها، ثم دخلت في حكم العباسيين فحكمها صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب وبقيت مدة تابعة له، ثم استولى عليها شجاع الدولة جعفر بن كلند والي حمص سنة 1084، ومن بعده ملكها خلف بن ملاعب صاحب حمص، ثم بعده أقطعها السلطان ملكشاه السلجوقي لآق سنجر فصارت تابعة لحلب. وفي 1110 دخلت في حكم "طغتكين" ملك دمشق.

تاريخ حماة المعاصر

شهدت حماة بدءا من الثاني من فبراير/شباط 1982 أحداثا دامية حين هاجمتها القوات السورية بالأسلحة الثقيلة لمدة شهر تقريبا، مما تسبب في مقتل الآلاف وتشريد نحو 100 ألف، وتدمير جزء من المدينة خاصة القسم القديم منها، وهو ما عرف بـ"مجزرة حماة".

وقع ذلك الهجوم -الذي اشتركت فيه الشرطة السرية والمخابرات- في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد المتوفى عام 2000.

شنت السلطات السورية حينذاك تلك الحملة العسكرية ردا على ما قالت إنه تمرد كانت جماعة الإخوان المسلمين السورية طرفا فيه.

تراوحت التقديرات بشأن ضحايا الحملة -التي تمت وسط تعتيم إعلامي تام- بين 10 آلاف قتيل وفقا للصحفي البريطاني روبرت فيسك (الذي زار حماة بعيد الحملة)، و40 ألفا وفقا للجنة السورية لحقوق الإنسان. ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن رفعت الأسد -الذي قاد عملية الاجتياح- أن الحملة خلفت 38 ألف قتيل.

مدينة حماة
منظر عام لمدينة حماة (الجزيرة)

معالم المدينة

نهر العاصي

هو من الأنهر القديمة، يخرج من جهة اللبوة من جبال الشام، التي تُسمى لبنان القديمة، فيصب في جهة الهرمل عند طرف جبل لبنان، يتدفق بقوة كبيرة فيصل إلى جهة حمص، وهناك له سد تتكون منه بحيرة متسعة.

ينصب قسم من ماء هذا السد إلى حمص، والقسم الأعظم يسير مارا في وادٍ طويل إلى مدينة الرستن فحماة فشيزر ففامية، ثم ينتهي إلى العمق ويجتاز قصبتي جسر الشغور وأنطاكية إلى فرضة السويدية فيصب في البحر الرومي. ويُسمى أيضا النهر الكبير والمقلوب، ويُسمى كذلك العاصي لاستصعاب أخذ مائه بغير النواعير.

يقسم نهر العاصي حماة قسمين، يُسمى القسم الشرقي الحاضر والشرقي السوق، وتؤخذ منه جداول يُسقى بها بعض القرى، وتدور عليه النواعير داخل البلد وخارجها فتسقي البيوت والبساتين والحمامات والمساجد.

النواعير

وهي آلات تدور بالقوة المائية وتوجد على ضفة نهر العاصي، أنشأها الرومانيون، والموجود منها إلى حدود 2024 في شرق المدينة أربع، اثنتان تسميان العثمانيات، واثنتان ـوهما الأكبرـ تسميان البشريات وتسقيان البساتين.

وعند جسر السرايا أربع نواعير قبيل دار الحكومة تُسمى الجسرية وتسقي قسما من بيوت الحاضرة وقسما من البساتين، وبعدها ناعورة المأْمورية تسقي جهة السوق من بيوت وحمامات ومساجد. ووراء هذه الناعورة اثنتان صغيرتان، إحداهما المؤيدية والثانية العثمانية.

ثم عند جسر بيت الشيخ ثلاث نواعير، أكبرهن تُسمى الجعبرية وتسقي جامع النوري وحمام السلطان وبعض البساتين والبيوت، وأمامها ناعورة الصهيونية، وناعورة صغيرة تُسمى الكيلانية.

ثم في غربي محلة باب الجسر ثلاث نواعير، أكبرهن ناعورة الخضر، وفي جانبها ناعورة الدوالك، وتقابلهن ناعورة الدهشة.

وفي باب النهر ناعورة كبيرة تُسمى المحمدية تسقي الجامع الأعلى وبعض البساتين والدور، ووراءها ناعورة المقصف، ثم ناعورة العونية، ثم ناعورة البركة. وفوق البلد ووراءها نواعير كثيرة تسقي البساتين الكثيرة.

الأرحاء

لحماة إحدى وثلاثون رحى لطحن الحبوب يُسّيرها الماء، منها في داخل حماة الغزالة والمسرودة والحلوانية والقاسمية والحجرين والعونية. وفي داخل البلد أيضا اثنتان بخاريتان والبقية ما قبل البلد وما بعدها.

الجسور

يصل ضفتي نهر العاصي جسر السرايا، وجسر بيت الشيخ، وجسر باب الجسر، وجسر المحمدية، وأعظم هذه الجسور ارتفاعا جسر باب الجسر، لأنه لم يغمره ماء النهر بخلاف بقية الجسور.

الجوامع

الجامع الكبير: وهو جامع وُجد من زمن أبي عبيدة رضي الله عنه، وكان فيما يقال كنيسة، وكان يُسمى الجامع الأعلى، وزاد فيه المهدي العباسي وحسّنه، ثم جاء المظفر عمر فزاد فيه وبنى مدرسة بجواره، ثم جاء إبراهيم الهاشمي فأنشأْ منارته الشمالية.

جامع الحيات في باب الجسر: كان يُسمى جامع الدهيشة، وكان مُتسعا، وقد هُدم من جهة الغرب فذهب نصفه، وتعدى عليه أهل الجوار فأخذوا من أرضه الشرقية مقدار ربعها.

بنى الملك المؤيد هذا الجامع، وعمل لحرمه من جهة الشرق شباكين كبيرين بينهما عمود كبير من الرخام على شكل أفاعٍ ملتفة ولهذا سمي جامع الحيات، وقد نُقش حرمه بالذهب والفسيفساء والرخام الملون في جدرانه وأرضه، وعمل له من الغرب شباكين كما الشرق، غير أنهما هدما ودخلا في البستان المجاور له، وعملت فيه خزانة كتب وقف لها سبعة آلاف مجلد.

جامع السلطان: يقع في حي الدباغة، جامع كبير متسع، بناه السلطان بدر الدين حسن شقيق أبي الفداء على هيئة جامع الدهيشة، ففي كل منهما حجارة رخامية محفورة بالآيات القرآنية من يد كاتب واحد، وفي كل منهما حجر أسود في الجدار.

جامع العزي: في حي باب الجسر بطريق رحى الحلوانية، بناه محمد بن حمزة العزي سنة 1323، وكان لهذا الجامع أوقاف كثيرة، وهو اليوم مهجور.

المدراس الدينية

المدرسة الخاتونية: في حي المدينة، كانت دارا لمؤنسة خاتون بنت الملك المظفر محمود عمة أبي الفداء، وكانت تُسمى دار الإكرام، وقد تحولت إلى بستان في مبدأَ طريق محلة الجراجمة.

المدرسة الطواشية: في حي المدينة، وقفها الطواشي مرشد الذي كان يقوم مقام الملك المنصور حين تغيبه عن حماة، وموقعها تجاه باب الجامع الكبير الشمالي في جانب حمام الذهب الشرقي، وقد تهدمت ولم يبَق منها إلا آثار الجدران في البستان، وكانت لها أوقاف كثيرة.

المدرسة الحنفية: هي القطعة الشرقية من حرم جامع نور الدين، بناها الملك المؤيد أبو الفدا، وأُلحقت بحرم الجامع.

المدرسة المظفرية: هي في جانب الجامع الكبير من جهة الغرب في محلة المدينة، بناها الملك المظفر تقي الدين عمر، وكانت لها أوقاف كثيرة في قرية الدجاجية.

الأعلام

الملك المظفر

تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، صاحب الأوقاف والمدارس الكثيرة في حماة وغيرها. بنى في الفيوم من مصر مدرستين، وبنى مدرسة في الرها. كان أديبا فاضلا شجاعا محدثا، سمع الحديث من الحافظ السلفي وأبي طاهر بن عوف.

الملك المنصور

محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر، ملك كريم النفس شجاع، عالم يحب العلماء، سمع الحديث في الإسكندرية من الحافظ السلفي، وجمع من الكتب ما لا مزيد عليه، وممن كان يلازمه من العلماء سيف الدين الآمدي، وكان 200 عالم في خدمته في حماة بينهم نُحاة وفقهاء.

كانت حماة في أيامه زاهرة بالعلم. وله باع طويل في التأليف، فمن تآليفه تاريخ كبير على عدد السنين في عدة مجلدات فيه، وكتاب مضمار سر الحقائق وسير الخلائق.

ابن الفارض

شرف الدين عمر بن المرشد الحموي الأصل، كان لآبائه بيت في حماة، ثم رحل والده إلىِ مصر فوِلد له عمر، ونشأ فيها تقيا عابدا زاهدا شاعرا، وديوانه مطبوع مرارا، وشعره أشهر من أن يُذكر، وتائيته الكبرى لها شروح عديدة، ولديوانه شروح كثيرة. كانت ولادته سنة 576ه، ووفاته سنة 632ه.

العسكري

السيد أحمد بن يحيى بن عمر المعروف بالعسكري مفتي الشافعية بحماة العالم العلم الفصيح، قرأ على أبيه وعلى الشيخ سري الدين محمد البكري الشرابي، وكان فقيها حسابيا أديبا، درس بعد أبيه بالمدرسة العصرونية، وكانت وفاته سنة 1094.

المصدر : الجزيرة