مكتب التقييم الإستراتيجي.. مركز بحوث أسسه نيكسون وأغلقه ترامب

Office of Net Assessment
شعار مكتب التقييم الإستراتيجي (مواقع التواصل الاجتماعي)

مكتب يتبع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ويحيط بمهامه الغموض، أُسس عام 1973 في عهد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ليكون مركزا للبحوث والدراسات في البنتاغون، وتكمن مهمته في استشراف التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية والفرص التي تلوح أمامها، وقد أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإغلاقه في مارس/آذار 2025.

التأسيس والهيكلة

أُسس مكتب التقييم الإستراتيجي عام 1973 بقرار من الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون، بهدف تقييم القدرات العسكرية للجيش الأميركي ومدى استعداده لمواجهة أي تطورات، فضلا عن توقع التهديدات التي تحيط بالولايات المتحدة على المدى البعيد.

ويعد العبء المالي لمكتب التقييم الإستراتيجي ضئيلا للغاية مقارنة بميزانية البنتاغون البالغة 850 مليار دولار، إذ يعمل بميزانية سنوية تتراوح بين 10 ملايين و20 مليون دولار تقريبا.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن المكتب يتألف من 12 مدنيا وعسكريا، أبرزهم لاري سيكويست الذي شغل عضوية مجلس النواب الأميركي عن ولاية واشنطن.

وغالبا ما يعمل المكتب بمساعدة متعاقدين خارجيين، ويصدر تقارير دورية عن نتائج أبحاثه ويسلمها للبنتاغون.

ترأسه منذ تأسيسه حتى عام 2015 الخبير الإستراتيجي أندور مارشال الذي يعد أحد أشهر خبراء الدفاع الأميركيين، وهو حاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة شيكاغو عام ١٩٤٩، وكانت أطروحته تحليلا لحساسية نموذج لورانس كلاين القياسي للاقتصاد الأميركي.

انضم مارشال إلى مؤسسة "راند" للأبحاث والتطوير عام 1949، وتمت استشارته في صياغة مسودة لإرشادات التخطيط الدفاعي، والتي أنشأها عدد من موظفي وزارة الدفاع عام 1992. ويعد وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد أشهر تلاميذ مارشال، الذين عملوا معه لسنوات.

إعلان

في عام 2012 أطلقت مجلة "فورين بوليسي" على مارشال لقب واحد من أفضل 100 مفكر عالمي "لتفكيره خارج إطار البنتاغون إلى حد كبير".

توفي مارشال في 26 مارس/آذار 2019 في ولاية فيرجينيا، عن عمر ناهز 97 عاما، ونعته صحيفة "نيويورك تايمز" بالقول إن "موهبته كانت هي صياغة السؤال، واكتشاف السؤال الحاسم"، فيما نعته صحيفة "واشنطن بوست" وقالت إنه "كانت لديه قدرة غريبة على اختيار الأسئلة الأكثر أهمية فقط، ثم التعمق فيها".

حل محله الخبير العسكري جيم بيكر في مايو/أيار 2015، وهو ضابط برتبة مقدم متقاعد من سلاح الجو الأميركي. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها عام 2015 أن تعيين بيكر في إدارة مكتب التقييم الإستراتيجي يعكس اهتمام وزير الدفاع الأميركي آنذاك آشتون كارتر بتلقي تقييمات تتعلق بالتهديدات التي تحيط بالولايات المتحدة على المدى القريب، فضلا عن إصدار دراسات أمنية طويلة الأجل.

دراسات إستراتيجية

وفقا لتوجيه وزارة الدفاع الأميركية، يجب على مدير المكتب تطوير وتنسيق تقييمات بشأن مكانة واتجاهات وآفاق المستقبل للقدرات العسكرية الأميركية، وكذلك مقارنتها بالإمكانيات العسكرية لبلدان أخرى، وذلك لتحديد التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، سواء على المدى القريب أو البعيد.

وكان المكتب مؤسسة استباقية ومركزا للبحوث الإستراتيجية، وكانت تقاريره تساهم في تشكيل البيئة الجيوسياسية واستقرائها في المستقبل القريب (من 20 إلى 30 سنة).

وقد غطت تقاريره الصراع النووي واستخدام الطاقة في آسيا ونورماندي والوضع في الاتحاد السوفياتي وفرص التفوق العسكري الأميركي، وغيرها. وفي عام 2013 أصدر المكتب عقودا بحثية تزيد قيمتها على 10 ملايين دولار لمجموعة متنوعة من المنظمات كلفها بتنفيذ أبحاث أمنية، أبرزها مؤسسة "راند" للأبحاث والتطوير.

وكان أبرز ما قدمه المكتب في دراساته سعيه إلى تغيير إيقاعات الحرب الباردة وتحديد الاختلالات الإستراتيجية وكيفية استغلالها، ودعا واشنطن إلى استثمار نقاط قوتها واستغلال نقاط ضعف موسكو، ونصح الأميركيين "بالتفوق على السوفيات في التفكير وليس في الإنفاق".

إعلان

في منتصف سبعينيات القرن العشرين، ساهم المكتب في إظهار مدى إرهاق الحرب الباردة للنظام السوفياتي، فضلا عن مدى قدرة واشنطن على دفعه نحو الانهيار، وقد استغلت وكالة الفضاء الأميركية هذا الضعف وتبنت إستراتيجية لاستخدام تكنولوجيا متفوقة للانطلاق بسرعة في سباق تسلح جديد لم يستطع الاتحاد السوفياتي مواكبته.

بعد انتهاء الحرب الباردة، استشرف مكتب التقييم الإستراتيجي ما توقع أن تكون "ثورة في الشؤون العسكرية"، إذ تنبأ بأن انتشار الأسلحة الموجهة بدقة وأجهزة الاستشعار المتطورة في الدول المعادية، قد يشكل تحديا كبيرا للقوة والسيطرة الأميركية عبر العالم.

وفي إحدى دراساته التي أنجزها بالتعاون مع مؤسسة "راند" لتقييم الوضع التنافسي للولايات المتحدة في مواجهة الصين، حذر المكتب مما قال إنه "خطر التهديد الصيني الناشئ، في وقت انشغلت فيه الولايات المتحدة الأميركية بحرب العراق وحرب أفغانستان".

وتنبأت الدراسة التي حملت عنوان "مصادر الديناميكية الوطنية المتجددة"، بتراجع نسبي في مكانة الولايات المتحدة داخليا وخارجيا، فداخليا لاحظ أن هناك "شيخوخة سكانية، وبيئة معلومات فاسدة، وتباطؤا في نمو الإنتاجية"، أما خارجيا فرأى أن "التهديدات التي تقف في وجه الولايات المتحدة تتمثل في التحدي الصيني وارتفاع حجم الاستثمارات المباشرة، وتراجع احترام العشرات من الدول النامية لقوة واشنطن".

وقالت الدراسة إنه "إذ لم يتمكن الأميركيون من توحيد جهودهم لتحديد هذه المشاكل وحلها، فإنهم يجازفون بالسقوط في دوامة الهبوط".

في عام 2003 كلف البنتاغون مكتب التقييم الإستراتيجي بإعداد تقرير يتنبأ بخطر التغيير المفاجئ للمناخ، وتوقع التقرير أن "النقص الكارثي في إمدادات المياه والطاقة سيصبح من الصعب التغلب عليه بشكل متزايد، مما يدفع الكوكب إلى الحرب بحلول عام 2020".

Aerial view of a military building, The Pentagon, Washington DC, USA
مشهد من الجو لمبنى وزارة الدفاع الأميركية (غيتي إيميجز)

إغلاقه

وفي عام 2013 أبدت إدارة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما رغبتها في إغلاق المكتب، لكنها عدلت عن القرار بعد معارضة 6 وزراء دفاع سابقين.

إعلان

وفي عام 2019، طلب السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي من المفتش العام للبنتاغون مراجعة ما قال إنه "سوء إدارة عقود للمكتب تتعلق بأنشطة سياسية أو غير لائقة أو فيها تبذير"، وسعى لاحقا للحصول على معلومات حول عمليات تعاقد المكتب، وذلك بعد اتهامات بوجود مشاكل في عمليات إدارة العقود والإشراف عليها.

ولاحقا أجرى المفتش العام للبنتاغون تحقيقات أثبتت وجود مشاكل في عقود المكتب، ما دفعه لقيادة خطة تصحيحية لطريقة عمله.

وفي مارس/آذار 2025 أصدر وزير الدفاع الأميركي بيتر هيغسيث قرارا بإغلاق المكتب من أجل "تحسين الأداء في البنتاغون".

ووفقا لبيان هيغسيث، فإن "التركيز في المرحلة المقبلة سيكون بشكل جديد على التحديات الملحة للأمن القومي الأميركي"، كما وجّه البنتاغون بإعادة تعيين جميع الموظفين المدنيين العاملين في المكتب في مناصب أخرى داخل الوزارة، في حين أعيد الأفراد العسكريون إلى الخدمة العسكرية.

في المقابل، حذر معارضون من خطورة قرار الإغلاق، في وقت تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وقال خبراء أميركيون -بينهم الخبير الإستراتيجي السابق في البنتاغون توماس ماهنكن- إن "إغلاق مجموعة مخصصة للمنافسة الإستراتيجية طويلة الأجل يهدد بتقويض قدرة البنتاغون على الاستعداد للصراعات المستقبلية".

من جهته، وصف السيناتور جاك ريد هذه الخطوة بأنها "قصيرة النظر، وتضعف استعدادات الولايات المتحدة".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان