"بيتار" حركة صهيونية توارت عقودا وأحياها داعم لترامب

حركة صهيونية يمينية شبه عسكرية، تعد من أقدم المنظمات الصهيونية، وشعارها "اليهود يقاتلون". أسسها زئيف جابوتنسكي عام 1923، بهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين وتسهيل الهجرة إليها، ثم دمجت في منظمة الإرغون، وأعاد إحياءها رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي رون توروسيان منتصف 2023 في الولايات المتحدة.
بحلول عام 1934، بلغ عدد أعضائها 70 ألف عضو، مما جعلها من أكبر الحركات الشبابية وأكثرها تأثيرا في أوروبا -خاصة بولندا- وفلسطين ووفرت دعما قويا لما عُرفت بـ"الحركة الصهيونية التصحيحية".
ورغم معارضة الصهاينة اليساريين لهذه الحركة، ووصفهم لها بأنها "فاشية"، فإن العديد من قادة إسرائيل، ومن بينهم رئيس الوزراء مناحيم بيغن وإسحاق شامير، كانوا من بين أعضائها، إضافة إلى بن صهيون نتنياهو، والد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
التسمية
و"بيتار" كلمة عبرية تعني الحصن، لكن تسمية المنظمة في أصلها اختصار لاسم "بريت يوسف ترومبلدور"، وهو مقاتل يهودي روسي مؤيد للحركة الصهيونية قتل في معركة مع فلسطينيين عام 1920 في مستوطنة تل حاي شمال فلسطين، فأراد جابوتنسكي تخليد اسم زميله باعتباره "شخصية مثالية ضحت في سبيل الصهيونية"، فسمى المنظمة بالأحرف الأولى من اسمه.

نشأة وتأسيس "بيتار"
تأسست منظمة بيتار عام 1923 على يد جابوتنسكي بمدينة ريغا في لاتفيا أثناء زيارته لها، وهي جزء من "الحركة الصهيونية التصحيحية"، التي سعت لإنشاء دولة يهودية على أرض فلسطين والأردن، وكان لها دور في "التعليم الصهيوني" وتعزيز اللغة والثقافة العبريتين.
استخدم جابوتنسكي قصة ترومبلدور لتأسيس منظمة شبابية شبه عسكرية تهدف إلى تشكيل هوية يهودية قوية تسعى لإقامة وطن لليهود في فلسطين، وبحلول ثلاثينيات القرن العشرين أصبحت بيتار واحدة من كبرى الحركات الشبابية اليهودية وأكثرها نفوذا في أوروبا.
رفضت بيتار الاشتراكية، واعتمدت على تبرعات الأثرياء، واتبعت نهجا عسكريا استبداديا في عملها، وبحلول عام 1934 بلغ عدد أعضاء الحركة نحو 70 ألف عضو، وأدت دورا بارزا في تشكيل الأساس الأيديولوجي للصهيونية اليمينية.
أصرّ جابوتنسكي على أن الدولة اليهودية الجديدة في فلسطين ستحتاج إلى "يهودي جديد" مستعد للقتال من أجلها، لذا كان على كل عضو في الحركة أن يتلقى تدريبا عسكريا، مع إلزام المهاجرين إلى فلسطين بالخدمة عامين ضمن ألوية بيتار هناك.
كما ألزم جابوتنسكي أعضاء التنظيم بأداء قسم يلتزمون فيه بـ"تكريس حياتهم لإعادة ولادة الدولة اليهودية، بأغلبية يهودية، على جانبي الأردن".
اندمجت "بيتار" في منظمة الإرغون عام 1939، وقادت معها ثورة ضد الانتداب البريطاني، مما نتج عنه تسليم فلسطين لليهود، وأصبحت المنظمة جزءا من الجيش الإسرائيلي بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948.
أعلن فيما بعد أن بيتار خارج فلسطين هي حركة تربية عسكرية، أما داخل فلسطين فهي حركة تنفيذ عسكري.
واستمرت المنظمة في العمل بشكل رسمي في فلسطين، وكانت المزود الرئيسي للإرغون بالجنود اليهود، ولكن في عام 1947، أصدرت السلطات الانتدابية أمرا بحظر نشاطاتها.
أسست بيتار مراكز لتدريب البحارة اليهود في إيطاليا، إضافة إلى مركز تدريب الطيران في باريس عام 1934، ثم في اللد عام 1938، وجنوب أفريقيا ونيويورك، استعدادا لمعارك عام 1948.
وبعد قيام إسرائيل، انضمت حركة بيتار إلى حزب حيروت، وانضم أعضاؤها إلى كتيبة ناحال في الجيش الإسرائيلي.
أسست بيتار أيضا منظمة رياضية للشبيبة اليهودية، وفي بداياتها كانت تحمل أشكالا ورموزا عسكرية، إلا أنها مع مرور الوقت تحولت لتصبح منظمة رياضية بحتة.
الانتشار
تأسس أول فرع لحركة بيتار في مدينة ريغا في لاتفيا عام 1923، وأسس المهاجرون الأوائل من الحركة إلى فلسطين في عام 1926 الفرع الثاني في بلدة بيتح تكفا الإسرائيلية.
فيما بعد انخرط أعضاء بيتار في فرق صغيرة داخل المستوطنات القائمة، لنشر فكر الحركة ونجحوا في تأسيس مستوطنات زراعية مثل رامات طيومكين ونورديا ورامات رزيئيل وغيرها.

توسعت بيتار وافتتحت فروعا في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وفلسطين، وبحلول عام 1931، وصل عدد أعضائها إلى نحو 18 ألف عضو، وفي تلك الفترة انخرط أعضاؤها في الأعمال الإرهابية في فلسطين.
وشارك أعضاء الحركة في أنشطة عسكرية في الثلاثينيات من القرن الماضي، وبرزت حينئذ حركة معارضة للهستدروت العمالية في فلسطين، وارتدى أعضاؤها القمصان البنية، تعبيرا عن التوجه الفاشي الذي تبنته الحركة.
وكان العديد من الأفراد الذين انشقوا عن الهاغاناه في عام 1930، ليؤسسوا المنظمة العسكرية إيتسيل (الإرغون) ومنظمة شتيرن، من أعضاء بيتار.
نشأة وتأسيس "بيتار الولايات المتحدة"
تأسست حركة بيتار الولايات المتحدة عام 1929، ورغم ورود تقارير أفادت بوجود نشاط لها في نيويورك وكليفلاند في تلك الفترة وما بعدها، فإن طبيعة هذا النشاط لم يكن واضحا، وبقيت بعيدة عن الأنظار لعقود.
أعيد إحياء فرع بيتار في الولايات المتحدة في يونيو/حزيران 2023 على يد رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي رون توروسيان، أحد المتبرعين لحملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعضو الكونغرس المؤيد لإسرائيل ريتشي توريس.
وفي يوليو/تموز 2024، أصبحت بيتار الولايات المتحدة منظمة غير ربحية معفاة من الضرائب. ووفقا لموقعها الإلكتروني، فإن لها فروعا في نيو أورليانز ودالاس ونيويورك وواشنطن العاصمة، لكن العدد الفعلي لأعضائها غير معروف.

الأيديولوجية
تستمد بيتار أيديولوجيتها من الدمج بين الفكر العسكري لجابوتنسكي ويوسف ترومبلدور، وتؤمن "ببناء مجتمع إسرائيلي مثالي يقوم على أسس الحرية والديمقراطية والليبرالية".
وفي موقعها الرسمي تعرّف المنظمة نفسها بأنها "حركة صهيونية جريئة تدافع عن شرعية إسرائيل وتعزز الارتباط اليهودي بأرضها".
وتركز معظم أنشطة الحركة على استهداف وتهديد المدافعين عن القضية الفلسطينية أو الأميركيين اليهود الذين يُنظر إليهم على أنهم غير متشددين بما يكفي تجاه الفلسطينيين.
الرؤية والأهداف
تقول المنظمة إنها تسعى إلى:
- إنشاء جيل جديد من القادة اليهود الذين يتمتعون بالثقة والفخر والاستعداد للدفاع عن المجتمع اليهودي على جميع الجبهات في الجامعات والمجتمعات ووسائل الإعلام وغيرها.
- تعزيز الهوية اليهودية عبر التعليم والنشاط وبناء المجتمع.
- تنشئة الشبيبة اليهودية التصحيحية وتشجيع الهجرة إلى إسرائيل وتعزيز ارتباط اليهود بها.
- ترسيخ الهوية اليهودية بين أعضائها وتعميق الانتماء للصهيونية
- تعزيز الاستيطان وتطوير كافة أنحاء إسرائيل.
محطات
برزت الحركة إعلاميا أثناء الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس في أكتوبر/تشرين الأول 2024، إذ هاجم طلاب يهود طلابا مؤيدين لفلسطين. واتُّهمت بيتار بالتحريض على العنف ضد الطلاب الذين أقاموا مخيم "سوكوت" -الذي استوحي اسمه من عيد يهودي- دعما لفلسطين.
وأصدرت بيتار بيانا قالت فيه "نطالب الشرطة بإبعاد هؤلاء المشاغبين الآن، وإذا لم يحدث ذلك، سنضطر إلى حشد مجموعات من اليهود للقيام بذلك"، وهو أسلوب عنيف شرس تشجع عليه المنظمة في موقعها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أثناء هجوم مشجعي كرة القدم الإسرائيليين على جمهور أياكس الهولندي في أمستردام بهولندا، روجت بيتار العالمية للحدث باعتباره "تذكيرا بالمذبحة" ضد اليهود.
ومنذ ذلك الحين، تورطت "بيتار الولايات المتحدة" في سلسلة من الاعتداءات على المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، سواء في الشوارع أو عبر الإنترنت، وسعت إلى استفزاز منتقدي إسرائيل والتحريض ضدهم، كما حاولت ربط النشطاء المسلمين بـ"الإرهاب".
وفي 19 فبراير/شباط 2025 شهدت منطقة "بورو بارك" في بروكلين بنيويورك اشتباكات، بين نشطاء مؤيدين لفلسطين وأعضاء من منظمة "بيتار"، وذلك في احتجاج على معرض عقاري نظمته المنظمة لبيع أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة، اعتبرها النشطاء مسروقة من الفلسطينيين.
ومع تصاعد التوترات، بدأ أعضاء بيتار في مهاجمة المتظاهرين، ورفعوا علم جماعة "كهانا شاي"، وهي منظمة تصنفها الولايات المتحدة إرهابية.