وفاء جرار أسيرة بتَر الاحتلال قدميها واستشهدت متأثرة بجراحها
ناشطة مجتمعية فلسطينية ومؤسسة "رابطة أهالي الشهداء والأسرى" في محافظة جنين ومنسقتها، ومرشحة سابقة للانتخابات التشريعية عام 2021 عن قائمة "القدس موعدنا" وهي زوجة القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبد الجبار جرار الذي تعرض للاعتقال عدة مرات.
اعتقلها الاحتلال مرتين، آخرهما في 21 مايو/أيار 2024، وأصيبت خلالها بانفجار عبوة ناسفة خلال نقلها عبر "جيب" عسكري، وتدهورت حالتها الصحية ودخلت في غيبوبة وبترت ساقاها جراء إهمال الاحتلال حالتها.
وأفرج الاحتلال عن وفاء في 30 مايو/أيار وسلمها للجانب الفلسطيني، لكنها توفيت متأثرة بإصابتها يوم 5 أغسطس/آب 2024 عن عمر ناهز 50 عاما.
المولد والنشأة
ولدت وفاء نايف زهدي جرار (أم حذيفة) عام 1974، وتعود أصولها إلى مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
تزوجت من عبد الجبار محمد أحمد جرار، أحد القياديين في حركة حماس يوم 22 فبراير/شباط 1990، وأنجبا 4 أبناء هم حذيفة وتقوى وأمجد وزيتونة، واعتقل زوجها يوم 7 فبراير/شباط 2024.
وتصفها ابنتها زيتونة بأنها "كانت شعلة من النشاط، ولا تتأخر عن حضور أي فعالية لأهالي الأسرى، وتزورهم رغم أنها واحدة منهم، ولا تسمع منها إلا الكلام الذي يرفع المعنويات. وفي الأحداث الصعبة وارتقاء الشهداء تكون من أوائل الموجودين قرب ذويهم لتواسيهم وتشد من أزرهم".
الدراسة والتكوين العلمي
أكملت وفاء جرار دراستها الثانوية العامة عام 2002، ودرست البكالوريوس في اللغة العربية بجامعة القدس المفتوحة قبل أن تلتحق بجامعة النجاح الوطنية عام 2023 لدراسة الماجستير في التخصص نفسه.
التجربة النضالية
اعتقل الاحتلال زوج أم حذيفة عدة مرات، فكان بعيدا عنها لأكثر من 16 عاما، إذ اعتقل للمرة الأولى عام 1990، واعتقل بعدها 29 مرة، وبسببها لم يشهد ولادة أبنائه، وتأزمت صحته النفسية.
حرمه الاحتلال من الفرح بزواج ابنهما البكر حذيفة، فقد اعتقله قبلها بأيام معدودة، وأطلق سراحه بعدها بأسبوع، وأعاد الاحتلال الكرّة بحرمان الأسرة من الفرحة بأبنائها عقب اعتقال أم حذيفة قبل زواج ابنها الثاني أمجد بأسبوع، وحينها سرق الإسرائيليون كل ما اشترته وفاء من ذهب وأغراض للعرس فور اقتحام منزلها.
وقد صقلتها تجربتها ونضالها في الحياة وحيدة عقب اعتقال زوجها، ولأنها أصبحت زوجة أسير، ولمعرفتها بما تحتاج إليه زوجات وأسر الأسرى، أسست رابطة لنساء الأسرى والشهداء في جنين قبل أن تتسع لتشمل مناطق أخرى بالضفة، وفيها كانت تجتمع السيدات ليفضفضن لبعضهن ويتقاسمن جراحهن والمصاعب التي يعشنها.
وترشحت أم حذيفة في قائمة "القدس موعدنا" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2021، لكن هذه الانتخابات ألغيت فيما بعد.
الاعتقال الإداري
داهم الاحتلال منزل أم حذيفة يوم 21 مايو/أيار 2024 وحطمه وسرق بعض الجنود ذهبها ومالها، وكسروا مقتنياتها وتحفها، قبل أن يقتادوها "للتحقيق وليس للاعتقال" كما أبلغوها.
وبعد اعتقالها بساعات انتشرت أخبار بشأن إصابتها بتفجير المركبة العسكرية التي احتجزت فيها، إثر انفجار عبوة ناسفة حسب ادعاءات جيش الاحتلال.
ويقول أخوها زهدي جرار إن الاحتلال كان قد استعملها درعا بشريا قبل أن تنفجر المركبة التي تقلها، وتصاب بجروح بالغة.
وأبلغ "الارتباط العسكري الإسرائيلي" أسرة جرار بتعرض أم حذيفة لإصابات بالغة إثر انفجار العبوة الناسفة بالجيب العسكري. ولم يقدم جيش الاحتلال تفاصيل دقيقة حول وضعها الصحي بعد إصابتها، أو حتى حالة الجنود الذين كانوا معها في الجيب العسكري.
وأبقيت أم حذيفة داخل الجيب العسكري طوال اعتقالها وحتى لحظة الانفجار، وهو ما اعتبرته الأسرة "تعمّدا" من الاحتلال لإبقائها داخل ساحة حرب شهدها مخيم جنين الذي كان يتعرض حينها لهجوم عسكري واشتباكات واسعة.
وطوال الأيام العشرة التي احتجزت فيها وفاء عند الاحتلال، كانت تصل إلى أسرتها معلومات تفيد بدخولها في غيبوبة بأحد المستشفيات الإسرائيلية. وتعمد الاحتلال تضليل العائلة بنقل معلومات ناقصة حول وضعها الصحي تارة، وبعدم وصول أي معلومة إليهم تارة أخرى.
وإثر ذلك حمّل نادي الأسير الفلسطيني مسؤولية حياة وفاء لسلطات الاحتلال واتهمها بالمماطلة في إطلاع المحامي والعائلة على التقارير الطبية الخاصة بها خاصة في ظل وضعها الصحي الحرج.
وكانت هيئة شؤون الأسرى (حكومية) ونادي الأسير الفلسطيني (أهلي) قالا إن وفاء خضعت للعملية "جرّاء الإصابة التي تعرضت لها بعد اعتقالها من قوات الاحتلال بتاريخ 21 مايو/أيار".
وأصدر الاحتلال أمرا باعتقال أم حذيفة إداريا وبدون لوائح اتهام 4 أشهر رغم وضعها الصحي المتأزم، ثم أرسل تقارير طبية للعائلة أشارت إلى ضرورة بتر ساقيها، وطلب من أبنائها التوقيع على قرار البتر، بينما لم يسمح لأحد بزيارتها سوى محاميها الذي رأى وجهها فقط وأشار إلى تعمد إسرائيل إهمال علاجها.
وقالت ابنتها زيتونة "سُمح للمحامي فقط برؤية وجه والدتي دون الدخول إلى الغرفة، وأخبروه أنها في غيبوبة وأن بتر الساقين سيكون من تحت الركبة، وأنها تعاني من كسر في الأضلاع، لكننا اكتشفنا فور وصولها إلى مستشفى ابن سينا في جنين أنهم أخفوا عنا حقائق كثيرة حول إصابتها".
وبعد يومين فقط من إجراء عملية البتر، قررت إسرائيل رفع الحكم بالسجن الإداري عن وفاء والإفراج عنها يوم 30 مايو/أيار 2024 وتسليمها للجانب الفلسطيني يوم الخميس 30 مايو/أيار الماضي. وهو ما اعتبرته عائلتها ونادي الأسير "تنصلا إسرائيليا من مسؤولية علاجها".
ونقلت وفاء إلى مستشفى ابن سينا بجنين، وهناك تبين عند فحصها إصابتها بكسور في القفص الصدري، إضافة إلى كسر في الفقرة الـ12 من العمود الفقري، وبتر ساقيها من منطقة أعلى الركبة (بدون إذن العائلة) إضافة لانسداد بالجهة اليسرى من الرئة بسبب تجمع السوائل فيها، وإصابتها بالتهاب في الدم.
وقررت المستشفى والطبيب المشرف عليها إجراء تدخل سريع، ومن ثم نقلت إلى العناية المكثفة وقدم لها العلاج لمحاولة تخفيف السوائل من الرئة لتجنب تعرضها لاتهاب الدم.
ورغم محاولة الأسرة المطالبة بقدمي الوالدة المبتورتين أو حتى معرفة مصيرهما، وهو البرتوكول المتعارف عليه طبيا، لكن الاحتلال ادعى أن إدارة المشفى قد تخلصت منهما.
وقبل اعتقالها الأخير، كانت سلطات الاحتلال قد اعتقلت زوجها إداريا في شباط/فبراير 2024.
الوفاة
وبعد أن بلغ عمْر أم حذيفة 50 عاما، لقيت ربها يوم 5 أغسطس/آب 2024 بمستشفى ابن سينا في جنين، متأثرة بإصابتها التي تعرضت لها خلال اعتقالها.