حمّام السلطان.. بناه سليمان القانوني وانتهى كنيسة في القدس
عرفت القدس الحمّامات منذ القدم، وهي تعد من مظاهر الحضارة الإسلامية، وكانت هذه الحمّامات تماثل غيرها من حمّامات المدن الإسلامية القديمة، وكانت مراكز اجتماعية مهمة ترتبط مباشرة بالمناسبات الاجتماعية السارة مثل حفلات الزواج والولادة والطهور، ومعظمها كان يمتلكها أثرياء، وكانت موقوفة على المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة والمدارس.
كان في مدينة القدس عدد من الحمّامات أصاب الخراب بعضها، وتهدم بعضها وأزيل، ولم يبق منها سوى 3 حمّامات، ومن بين الحمّامات التي تهدمت وأزيلت في القدس "حمّام السلطان" الذي انتقلت ملكيته إلى غير المسلمين.
الموقع والتأسيس
يقع حمّام السلطان في خط وادي الطواحين المعروف بطريق الوادي، وتحديدا عند مفترق طريق درب الآلام في المرحلة الثالثة منها مقابل مستشفى الهوسبيس.
يعود في بنائه إلى القرن العاشر الهجري/الـ16 الميلادي، أي إلى الفترة العثمانية كما تفيد وقفية تكية خاصكي سلطان في القدس المنسوبة إلى خاصكي سلطان (روكسلانة) زوج السلطان سليمان القانوني، والتي وقفتها في سنة (959هـ/ 1551 م)، وأنشأت حمّامين خصصت واحدا للرجال وآخر للنساء، وحبسته على العمارة العامرة (أي التكية) في سنة (964هـ/ 1556 م).
وصف البناء
استقدمت روكسلانة 5 معماريين من إسطنبول خصيصا لبناء الحمّامين، وساهم فيها أمهر معلمي البناء المقدسيين بإشراف كبار رجال الدولة في القدس في 17 يونيو/حزيران 1554.
وتشير أول وثيقة تتعلق بالشروع في التحضير لبناء هذين الحمّامين إلى اتفاق مع 5 من الصنّاع المعلمين لإعداد 50 ألف طوبة من الطين المشوي من أجل بناء جسم الحمّام.
ولتأمين وصول المياه إلى الحمّامين تقدم المتولي على العمارة إلى المحكمة طالبا حفر بئرين بأعلى وادي الآبار (منطقة بيت لحم) لتقوية قناة السبيل التي توصل الماء إلى القدس وتزوّد الحمّامين الجديدين بالماء.
عقد الزعيم بيرم جاويش في لواء القدس يوم 23 يناير/كانون الثاني 1556 اتفاقا مع المعماري علي بن سيد على بناء بيت النار (الغرفة التي توقد فيها النيران لتسخين مياه الحمّام) لكل حمّام بحجارة نارية جديدة، وبناء خزانين للماء بالحجارة أيضا بأجرة قدرها 140 قطعة ذهب سليمانية.
تم الانتهاء من بناء جسم الحمّامين في بداية ديسمبر/كانون الأول 1556، وبدأ التبليط برخام أبيض وأسود وبلاط مزي مجلي.
كما تم الاتفاق على تبليط مصطبة شمال الرواق وإصلاح الأعمدة الدائرية الثمانية، في كل جانب 4 أعمدة، وبُنيت بين الأعمدة مصاطب بارتفاع 40 سنتيمترا، وكذلك بُلّطت أرضية غرفتي تبديل الملابس برخام أسود وأبيض.
بعد عمل استمر ما يقارب عامين في البناء افتُتح الحمّامان، الغربي للرجال والشرقي للنساء، وكان حمّام السلطان الوحيد في المدينة الذي استُخدم فيه الحطب لتسخين الماء، فقد كانت بقية الحمّامات تستخدم روث الحيوانات.
ويبدو أن الحمّامين كانا يواجهان مشكلة في تزويدهما بالمياه، ربما بسبب الجفاف المتمثل في قلة الأمطار، وبالتالي انقطاع قناة السبيل أو خرابها، ويبدو أنه كان لبُعد الحمّامين عن المسجد الأقصى دور في صعوبة تزويدهما بالماء، أو أن القناة التي كانت توصل المياه إلى الحمّامين كانت غير فعالة.
وبعد نحو عقدين طالب مستأجر الحمّامين بإيقاف العمل في حمّام النساء لقلة الماء.
اندثار المبنى وانتقال ملكيته
اندثر حمّام السلطان واندرست معالمه، وانتقلت ملكيته في نهاية القرن الـ19 الميلادي إلى الأرمن الكاثوليك الذين شيدوا على أرضه بطريركية الأرمن القائمة إلى اليوم.
تحدثت نشرة صادرة عن الكنيسة الكاثوليكية الأرمينية التي بُنيت مكان حمّامي خاصكي سلطان بشكل مختصر جدا عن تاريخ الكنيسة التي كان مكانها خاليا من المباني إلا من حمّام تركي، واشترى الأب تافيتيان الأرض بمال تبرع به أحد أتباع هذه الكنيسة، وفي سنة 1881 اكتُشفت بقايا فسيفساء في المكان، وجُل ما يشاهد من بقايا الحمّام في بناء البطريركية الحالية بقايا بعض العقود وأحواض المياه.
الواجهه الأمامية للحمّام لا تزال باقية بعقود بواباتها المدببة الثلاث وقبابها الضحلة، وهو جزء من دير الأرمن قرب المرحلة الثالثة في طريق الآلام، وتذكر النشرة أن أول بناء شُيّد في الموقع كان سنة 1885، واكتمل بناء الكنيسة سنة 1950.