البهرة الداودية.. فرقة دينية نشأت بالهند وانتشرت في العالم

البهرة الداودية قسم من طائفة البهرة التابعة للإسماعيليين، وعرفت بالبهرة الداودية نسبة إلى داود برهان الدين بن قطب شاه، الذي انتخبه أتباع الطائفة داعية مطلقا لهم. يؤمنون بـ7 دعائم للإسلام، ولهم معتقدات خاصة بهم، ويتمحور دينهم حول الأئمة والدعاة. مركزهم الرئيسي في الهند ويتوزعون في دول مختلفة حول العالم، وتقدر أعدادهم بنحو مليون.
التسمية
البهرة كلمة هندية تعني "التجار" باللغة الكجراتية، وهي مشتقة من عبارة "بوه راه"، أي "الطريق السوي"، وكذلك "بهو راه" وهي الطرق الكثيرة، وتشير بعض الدراسات إلى أنها مشتقة من "بهر" وهي "الصفوف الأولى"، أو "بهراج" وهو "البصير بعواقب الأمور".
وتشير الباحثة فرح ضياء مبارك إلى أن الكلمة قد تكون ذات أصول عربية، وربما أخذت من كلمة "بهراء"، وهو اسم قبيلة تسكن نواحي المدينة المنورة واليمامة، وأكدت الباحثة أن بعض العائلات التي تسكن كجرات تدّعي "أن أصولها تعود إلى المدينة المنورة والطائف".
وتشير كلمة "البهرة" في معجم لسان العرب إلى "الأرض السهلة، وما اتسع من الأرض، وبهرة كل شيء وسطه"، ووردت "بهراء" في المعجم الوسيط بمعنى "اسم قبيلة، والنسب إليها بهراني وبهراوي".
وورد في كتاب "مجموع بلدان اليمن وقبائلها" أن بهراء "قبيلة من اليمن يرجع نسبهم إلى "بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة" والنسبة إليهم "بهراني".
وتعرف "الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" البهرة بأنهم: فرقة إسماعيلية مستعلية يعترفون بالإمام "المستعلي"، ومن بعده الإمام "الآمر"، ثم ابنه "الطيب"، ويسمون كذلك بالطيبية، وهم إسماعيلية اليمن ومن ثم الهند؛ تركوا السياسة وعملوا بالتجارة فوصلوا إلى سواحل الهند واختلط بهم الهندوس فأسلموا وعُرفوا باسم "البهرة". وتقسم البهرة إلى قسمين: بهرة سليمانية، وبهرة داودية.

البهرة الداودية
وهم أكبر أقسام مجتمع البهرة الإسماعيلي، ينتمي إلى الفرع الطيبي المستعلي من الإسماعيلية، عاشوا في الهند وباكستان، وسموا بالداودية نسبة إلى داود برهان الدين بن قطب شاه.
تاريخ البهرة الداودية
تتعدد الروايات بشأن تاريخهم، فتقول إحداها إنه بعد أن وصلت الإسماعيلية إلى الهند وبدؤوا بالانتشار فيها، كانت الرئاسة الدينية للفرقة لا تزال في اليمن، لكن عام 999هـ توفي "الداعي المطلق" الـ26 في سلسلة دعاة الحركة؛ حينها انتخب بهرة ولاية غوجارات "داود برهان الدين بن قطب شاه" رئيسا للفرقة، وأصبح "الداعي المطلق" الـ27 للمستعلية، وأطلق على أتباعه اسم "الداودية".
وبقيت رئاسة البهرة الداودية في الهند، واستأثر بها أتباع الطائفة فيها، وورّثوها لأبنائهم.
فيما تذكر رواية أخرى أن أصول البهرة الداودية تعود إلى الإسماعيلية الفاطمية، حين أرسل الخليفة الفاطمي المستنصر بالله دعاة لنشر العقيدة الإسماعيلية بين سكان الهند، وبدأ الناس يؤمنون بالإسماعيلية.
بعد وفاة الخليفة الفاطمي انقسمت الإسماعيلية إلى نزارية ومستعلية، اختارت جماعة البهرة اتباع الإمام الطيب بن الآمر المستعلي، ويعتقد أن هذا الإمام دخل في "الغيبة"، أي الاختفاء، مما جعل الداعي المطلق هو الممثل الرسمي للإمام في قيادة الطائفة، ونسبت إليه الطائفة فسميت بالطيبية.
في عام 1539 توفي الداعي الـ23 وخلفه يوسف نجم الدين، وهو داع من الهند، فانتقلت قيادة الطائفة الطيبية من اليمن إلى الهند، التي أصبحت مركزا رئيسيا للطائفة، وانتشرت في كل من أحمد آباد وسورت ومومباي.
بعد موت الداعي الـ26 تعرضت البهرة الطيبية إلى الانشقاق بشأن من سيكون الخلف والداعي الـ27، فاتبع قسم داوود بن قطب شاه، ونسبوا إليه فأصبحوا البهرة الداودية، فيما اتبع القسم الآخر سليمان بن حسن وأصبحوا يعرفون بالسليمانية.

أعدادهم
يقدّر بعض الباحثين أعداد البهرة الداودية بنحو 300 ألف نسمة، منهم 200 ألف في الهند والبقية منتشرون حول العالم، وفق ما نشر في عدة كتب. لكن قاموس الإسلام الصادر عام 2003 أشار إلى أن أعدادهم تبلغ نحو مليون نسمة، وأنهم يتوزعون بين الهند وباكستان والشرق الأوسط وشرق أفريقيا.
أماكن انتشارهم
يتوزع البهرة الداودية حول العالم في عدد من الدول والمناطق، منها:
شبه القارة الهندية: وهي أكثر المناطق التي ينتشر بها البهرة الداودية، ويكثر وجودهم في دولة الهند، إذ يسكنون نحو 500 مدينة وقرية؛ إلا أن تمركزهم الأكبر في مومباي وغوجارات، كما تسكن أعداد منهم في باكستان وبنغلاديش.
اليمن: يسكن عدد من البهرة الداودية في مدن عدة في اليمن، ويتمركزون في مدينة حراز الواقعة على بُعد 110 كيلومترات غرب صنعاء، وكذلك يسكن عدد منهم في حسن طيبة وبني مكرم وبني مونس شمال العاصمة، ولهم وجود ملحوظ في صنعاء وعدن والحديدة وتعز وجبلة وزبيد وحوث وغيرها.
مصر: يتمركز البهرة الداودية في مصر بالعاصمة القاهرة على وجه التحديد، ويتوزعون فيها بأحياء: الحسين والجمالية والمهندسين، وبعضهم في منطقة جامع الحاكم بأمر الله، كما يسكن أحد سلاطينهم في مصر بمنطقة الدقي ويلتقي أتباعه هناك، وقد بدأ البهرة الداودية بالانتقال إلى مصر عام 1915م.
دول الخليج: ينتشر عدد من البهرة في دول الخليج، وخاصة الكويت والبحرين، ولهم نشاط تجاري في أسواق الذهب بالإمارات العربية المتحدة، وتتراوح أعدادهم في تلك المناطق بين المئات والآلاف.

سوريا والعراق: توجد قلة قليلة من البهرة الداودية في سوريا والعراق ولهم أماكن تجمع خاصة.
الدول الأفريقية: ينتشر قسم من البهرة الداودية في تنزانيا ومدغشقر وكينيا وأوغندا وتنزانيا، حيث نشطوا في التجارة منذ القرن الثامن عشر.
بقية دول العالم: تذكر بعض المصادر انتشار البهرة الداودية في دول مختلفة عبر بقية العالم كبريطانيا وسيلان وغيرهما، وذلك بسبب المهنة التي يزاولونها، والتي تستدعي الانتشار في البلدان التجارية.
عقيدتهم
تتشابه عقيدة البهرة الداودية مع عقيدة الفاطمية نظرا لأنها امتداد لها، ومن أهم الأمور التي يؤمنون بها:
- عقيدتهم في الإسلام
وفق ما ورد في كتاب دعائم الإسلام -الذي يعدّ من أسس كتب الفقه عند الداودية- فإنهم يؤمنون بـ7 أركان أساسية، ويذكر الكتاب ذلك بالقول "روينا عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: بني الإسلام على سبع دعائم: الولاية وهي أفضلها وبها وبالولي يوصل إلى معرفتها، والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد".
- عقيدتهم في الإله
يقول الداودية إنهم يتبعون عقيدة الإسماعيلية، والتي تنص على أنهم يؤمنون بوحدانية الله ووجوده وخلقه للكون، إلا أن الباحث عادل بن عبد الغفور البخاري يؤكد في بحث مخصص عنهم أن عقيدتهم عن الإله "تبنى على مبدأ "التنزيه والتجريد"، أي أنه مجرد عن كل حقيقة وكل وصف، ووصفوه في كتبهم بأنه "لا هو موجود ولا لا موجود ولا عالم ولا جاهل ولا عاجز ولا قادر".
- عقيدتهم في النبوة
يؤمنون بأن الله أرسل الأنبياء ليكونوا قادة ومرشدين للبشر وأنهم معصومون عن الخطأ، وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وأنه بعد وفاته ورث الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الرسالة النبوية وأصبح إماما للمسملين، لذا فإن الإمامة في الداودية يجب أن تكون من نسل علي وأبنائه.

- عقيدتهم في الإمامة
يتبرك أتباع الطائفة بأوليائهم ودعاتهم ويقصدون الإمام أو "الدعاة المطلقين" بعبادتهم. ويرون أن رتبة الإمام أعظم قدرا من رتبة النبوة.
والإمامة عندهم هي الركن الأعظم من أركان الدين، وهي المحور التي ترتكز عليه معتقداتهم. فلا بد عندهم من وجود إمام معصوم منصوص عليه من نسل علي بن أبي طالب ظاهرا أو مستورا يرجع إليه في التأويل وحل الإشكالات.
والإمامة عندهم تبدأ بالإمام علي رضي الله عنه، فيرون أنه ورث القيادة الروحية للأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتواصلت الإمامة من نسله، ولا توجد عندهم إمامة خارج هذا النسل.
كما يؤمنون أن الإمام الـ21 الطيب بن الآمر دخل في حالة الغيبة أو الستر، وأنه على قيد الحياة ولم يمت، لكنه غير مرئي، ويقود الأمة بشكل خفي من خلال الداعي المطلق وهو نائب الإمام ويمثل السلطة الروحية والتنفيذية للطائفة.
والأئمة وفق عقيدتهم لهم منازل عليا، فيعتقدون أنهم عباد مصطفون من عباد الله، وأنه مفروض طاعة كل إمام منهم على أهل عصره وواجب عليهم التسليم لأمره. كما يؤمنون أن الله تعالى قرن طاعة الأئمة بطاعة الله ورسوله، وأنهم حجة على الخلق وخلفاء الله في أرضه.
ولا تقبل الأعمال إلا بطاعتهم، ولا يجازى بالطاعة إلا من تولاهم وصدقهم.
- عقيدتهم في الآخرة
وفق ما ورد في كتاب دعائم الإسلام فإنهم يؤمنون بالآخرة والبعث بعد الموت والحساب، لكنهم يعتقدون أن الأئمة شفعاء يوم القيامة مع الأنبياء، وأنهم يشفعون للصالحين الذي اتبعوهم.
فيما يؤكد الباحث البخاري أنهم "لا يؤمنون بالبعث الجسماني في الآخرة، بل يؤمنون أن الإنسان بعد موته يتحول إلى تراب وتتنقل روحه إلى الملأ الأعلى، فإن كان مؤمنا بالإمام فيحشر مع الصالحين، وإن كان عاصيا حشر مع الأبالسة والشياطين أعداء الإمام".

- عقيدتهم في الصحابة
يعتقد البهرة الدادوية أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، رضي الله عنهم، أخذوا الخلافة من علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وأنه الخليفة الشرعي الأول وأنه ورث الخلافة والرسالة من النبي صلى الله عليه وسلم.
شعائرهم الدينية
يؤدي أتباع البهرة الداودية شعائرهم الدينية الظاهرة مثل المسلمين فيصلون 5 صلوات، ويؤدون الزكاة ويحجون إلى مكة ويصومون شهر رمضان، وفق ما ورد في كتب الفقه التي يتبعونها، إلا أن عدة دراسات بينت أن لهم طقوسا دينية خاصة باطنة، وهي:
- الصلاة
وفق دراسة بعنوان "الإسماعيلة والبهرة الداودية" فإن طائفة الداودية يصلون 3 مرات باليوم في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم فقط، ولهم مكان مخصص للعبادة يسمونه بـ"الجامع خانة"، وتكون قبلتهم إلى قبر "طاهر سيف الدين"، ومن لا يذهب إلى مكان العبادة في هذه الأيام يطرد من الطائفة ويفرض عليه الحرمان.
كما ذكرت الدراسة أنهم يصلون ركعتين عند غروب شمس يوم 18 ذي الحجة، ولا يصلون الجمعة، ويصلون العيد قبل عامة المسلمين بيوم أو يومين، ويجب على كل فرد منهم شراء تذكرة خاصة بصلاة العيد من المكتب الخاص للداعي المطلق، وتختلف قيمة التذكرة بحسب القرب والبعد عن الداعي المطلق.
ويقول الباحث سامي حسن إن لهم صلوات في ليال معينة يؤدونها بعدد ركعات معين، مثل ليلة السابع عشر من رجب، وليلة الخامس والعشرين من شعبان والثالث والعشرين من رمضان، إذ يعتقدون أن هذه الليالي خاصة، فيؤدون فيها صلاة خاصة.
إلا أنهم يؤكدون اتباع ما جاء في كتاب دعائم الإسلام من أدائهم لصلوات خمسة في كل الأيام.

- الزكاة
يقول الكاتب عبد الغفور البخاري في دراسته عن البهرة الداودية: "إن كل من يتبع دين البهرة الداودية عليه أن يدفع مبلغ 20% من كسبه الشهري لعامل الداعي المطلق الموجود في بلده، وتشمل هذه الزكاة كل دخل الفرد عينا أو نقدا، وهي ما تسمى عندهم بالخمس للإمام".
ويوضح في الدراسة وجود ضريبة سنوية تفرض على أتباع الطائفة، وضريبة الدخول إلى أماكن العبادة، وضريبة الحج والسفر وضريبة التبرك بالأضرحة وضريبة السلام على الداعي، وضريبة حضور مجالس الحسينيات وضريبة دفن الموتى والضرائب الاجتماعية المتعلقة بالزواج والحمل والولادة وغيرها، ومن يتخلف عن دفع الضرائب يعاقب بالنفي والحرمان.
فيما يبين الباحث سامي حسن في بحثه "أن مستحقي الزكاة هم الفقراء والمساكين والمؤسسات الدينية والداعي وممثلوه، وتدفع للممثلين المعينين من قبل الداعي المطلق لضمان توزيعها على المجتمع".
- الصوم
يصوم البهرة الداوديون في شهر رمضان إلا أنهم يخالفون عامة المسلمين في بدء الشهر ونهايته.
يحج أتباع الطائفة إلى مكة المكرمة مع المسلمين ويجب ان يكون الحج مع الداعي المطلق أو من ينوب عنه، ويخالفون عموم المسلمين في وقفة عرفات والمبيت في مزدلفة، كما يحجون إلى مزاراتهم الخاصة وهي:
- قبر طاهر سيف الدين في الهند ويطوفون حول ضريحه في أيام 19 و20 و21 من رجب.
- مزار الداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي في قرية الحطيب في مديرية حراز باليمن.
- ضريح حسن بن نوح في اليمن.
- ضريح الملكة أروى في اليمن.
- ضريح هاشم بن عبد مناف في فلسطين.
ويشاركون عموم الشيعة في الحج إلى ضريح علي بن أبي طالب في النجف وضريح الحسين بن علي في كربلاء وضريح السيدة زينب في مصر.
ويقول الباحث سامي حسن "إن تأويل الحج لديهم هو زيارة الإمام"، ويؤكد كلامه بالاستشهاد بقول أحد دعاتهم وهو السجستاني، إذ يقول "حج البيت هو: قصد إمام الزمان، مفترض الطاعة، والغرض من حج البيت معرفة الأئمة، والمراد من الزاد والراحلة في الحج: هو العلوم، ودليل معرفة الإمام. والحرام هو: اعتقاد معرفة الإمام".
طقوس خاصة بالموتى
ويؤكد الباحث البخاري أن "للبهرة الداوديين طقوسا خاصة بشأن موتاهم منها: أنهم لا يدفنون جثة الميت إلا بعد استئذان الداعي أو نائبه، ويشيعون موتاهم بالغناء، ولا يدفنونهم في مقابر المسلمين. وعند وضع الجثة في القبر يوجهونها إلى بيت المقدس ويربطون صك الغفران في إبط الذراع اليسرى للميت".