مسيرة الأعلام.. "رقصة" أطلقها حاخام عام 1968 وأججها اليمين الإسرائيلي

مسيرة الأعلام من أبرز مظاهر سياسات تهويد القدس الشرقية، وتعرف أيضا "برقصة الأعلام"، وهي فعالية سنوية يشارك فيها عشرات الآلاف من المستوطنين واليمينيين الإسرائيليين. تقام في 28 من الشهر الثامن وفق التقويم العبري، وهو ما يعرف "بيوم توحيد القدس"، والذي تحتفل فيه إسرائيل بسيطرتها على القدس واحتلالها للجزء الشرقي منها أثناء حرب يونيو/حزيران 1967، والمعروفة في العالم العربي "بالنكسة".
وتشارك فيها مجموعات من أقصى اليمين الإسرائيلي مثل جماعة "لاهافا" المعروفة بعدائها الصريح للعرب والمسلمين، وطلبة المدارس الدينية "يشيفوت"، إلى جانب وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب أقصى اليمين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
تعج المسيرة في بعديها الديني والقومي برموز تعبيرية مختلفة، مثل رفع الأعلام الإسرائيلية ولافتات تحمل شعارات عنصرية ضد العرب والمسلمين مثل "الموت للعرب" و"القدس لنا"، وتشهد أعمال عنف تطال المحلات التجارية وممتلكات المقدسيين.
وتبدأ المسيرة من القدس الغربية وتمر عبر بابي الخليل والجديد إلى أن تصل إلى باب العامود، باتجاه البلدة القديمة والأحياء الفلسطينية الإسلامية في محاولة لفرض السيطرة الرمزية والجغرافية على القدس بأكملها.
ويؤدي المستوطنون رقصات جماعية يهودية -أشهرها "رقصة الهورا"- وهم يرتدون الزي التقليدي وقبعة "الكيباه"، وترافق هذه الرقصات موسيقى وأغان دينية، وكذا "النشيد الوطني الإسرائيلي" (هاتيكفاه)، الذي يمجد إسرائيل وجيشها.
تنظم هذه المسيرة منظمات شبابية دينية قومية مثل "بني عكيفا" و"نوعي" وحاخامات ومؤسسات دينية مرتبطة بالأحزاب اليمينية المتطرفة مثل "البيت اليهودي" و "القوة اليهودية"، إلى جانب مجلس "يشع الاستيطاني".
وتدعم المسيرة أيضا وتمولها جمعية "عام كاليبا" الدينية الاستيطانية وبلدية الاحتلال في القدس ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وشركة تطوير وإعادة تأهيل الحي اليهودي، وفي عام 2018 وصل حجم التمويل إلى ما يقارب 300 ألف دولار.
الخلفية التاريخية
بدأت المسيرة أول مرة في 1968 على يد الحاخام يهودا حزاني من المدرسة المعروفة باسم "ميركاز هراف" (مركز الحاخام) بعد توحيد القدس، وفي 1974 تطورت من تجمع بسيط إلى فعالية منتظمة، وزاد حجم المشاركة فيها.
وفي السبعينيات والثمانينيات بدأت تحصل على دعم الجهات الرسمية مثل بلدية القدس ووزارة التعليم وبدأ طلاب المدارس الدينية يشاركون فيها.
ومنذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، تصاعدت عمليات التهويد والاستيطان وأصبحت المسيرة مرتبطة دائما باشتباكات، خاصة عند باب العامود والبلدة القديمة.
وكانت شرطة الاحتلال الإسرائيلي منعت بين عامي 2010 و2016 المشاركين في المسيرة من الدخول إلى البلدة القديمة عبر باب الأسباط، في محاولة للحد من التوترات داخل المدينة.
وفي 2011 غيرت الشرطة الإسرائيلية مسار المسيرة ليشمل المرور عبر حي الشيخ جراح وشارع رقم (1)، الذي يفصل بين شطري القدس الشرقي والغربي، مع السماح بالدخول إلى البلدة القديمة من أبواب مختلفة.
ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية في 2015 التماسات قدمتها جمعيات يسارية وحقوقية طالبت بمنع مرور المسيرة من الحي الإسلامي في البلدة القديمة، ما أثار جدلا حقوقيا كبيرا.
وفي الذكرى الـ50 لاحتلال القدس عام 2017، أُتيح للمشاركين في المسيرة الطواف حول أسوار البلدة القديمة والدخول منها عبر باب المغاربة.
معركة سيف القدس
وفي مايو/أيار 2021 تحولت المسيرة من فعالية احتفالية إلى استعراض للقوة ومحاولة السيطرة، ما أدى إلى إشعال فتيل المواجهة بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال الإسرائيلي.
فقد تزامنت المسيرة وذروة التوترات التي شهدها الشيخ جراح إلى جانب اقتحامات المسجد الأقصى في شهر رمضان، إذ حذرت المقاومة الفلسطينية الاحتلال ودعته إلى وقف الانتهاكات والانسحاب من الأقصى والشيخ جراح، لكن إسرائيل تجاهلت التحذير وأصرت على إقامة المسيرة.
اعتبرت المقاومة مرور المسيرة عبر باب العامود والحي الإسلامي استفزازا صريحا، وهو ما دفعها إلى إطلاق صواريخ صوب القدس، معتبرة دفاعها جزءا من معادلتها الجديدة "القدس مقابل التصعيد"، لتبدأ بعد ذلك ما سميت "بمعركة سيف القدس" في 2021.
بعد انتهاء المواجهات، أعادت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت تنظيم المسيرة في 15 يونيو/حزيران 2021 وفق المسار التقليدي، مرورا بباب العامود وسط حالة من التوتر الأمني والترقب.
وفي عامي 2022 و2023، وافقت شرطة الاحتلال الإسرائيلي على تنظيم المسيرة من جديد وفق المسار التقليدي، وشارك فيها نحو 70 ألف شخص، كما أعلنت رفع حالة التأهب القصوى في مختلف أنحاء البلاد تحسبا لأي تصعيد أمني محتمل.
أهداف المسيرة
سعى الاحتلال الإسرائيلي من خلال "مسيرة الأعلام" منذ انطلاقها عام 1968 إلى تحقيق أهداف عدة ومن بينها:
- تجريد الفلسطينيين من الهوية العربية الإسلامية وقطع الصلة التاريخية بينهم وبين أرضهم بالاستيطان وتغيير المعالم وأسماء الشوارع والاستيلاء على المنازل، لاسيما في البلدة القديمة.
- فرض السيطرة على القدس الشرقية واستفزاز الفلسطينيين، وذلك بمرور المسيرة من الأحياء العربية، وإرغام الفلسطينيين على إغلاق محلاتهم التجارية أثناء ذلك.
- استعراض القوة والهيمنة برفع الأعلام بكثافة وترديد شعارات دينية وقومية مثل "القدس لنا" و "الموت للعرب" و"القدس يهودية للأبد".
- تعزيز الرواية التاريخية الإسرائيلية حول الهيكل المزعوم لتهويد القدس.
الرموز والأعلام
- الحاخام تسفي يهودا كوك
أحد المؤسسين الرئيسيين لفكر الصهيونية الدينية الحديثة، ولد عام 1891 وهو ابن الوحيد للحاخام أبراهام يتسحاق هكوهين كوك، أول حاخام أشكنازي رئيسي لفلسطين تحت الانتداب البريطاني.
بعد وفاة والده عام 1935 انسحب يهودا كوك من الواجهة ليعود في 1952 لتولي رئاسة مدرسة "مركاز هراف" في القدس، والتي أصبحت مركزا فكريا رئيسيا لتعليم وتكوين الجيل الجديد من الحاخامات الداعمين للاستيطان.
بعد حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية وشرق القدس، بدأ يدعو لأن تشمل السيطرة اليهودية كل أرض إسرائيل من النهر إلى البحر حسب المعتقدات التوراتية.
وفي 1968 كان من الأوائل في "مسيرة الأعلام" احتفالا باحتلال القدس الشرقية، كما شارك فيها طلابه، وتوفي في 1982.
- الحاخام حاييم دروكمان
يرأس الحاخام حاييم دروكمان جمعية "عام كلبيا" الدينية الاستيطانية، التي تنظم مسيرة الأعلام، وهو شخصية بارزة في التيار الديني الصهيوني، وله تأثير كبير في السياسة الإسرائيلية.
- إيتمار بن غفير
ولد في 6 مايو/أيار 1976 في مدينة ميفاسيرت صيون في ضواحي القدس المحتلة، ونشأ في عائلة يهودية من أصل عراقي. تأثر منذ صغره بأيديولوجية الحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة كاخ، وشارك في أنشطتها قبل أن تُحظر عام 1994.
درس القانون في كلية أونو الأكاديمية في إسرائيل، وحصل على رخصة ممارسة المحاماة عام 2012. انطلق في مسيرته السياسية بالانضمام إلى حزب "القوة لإسرائيل"، ثم أصبح زعيم حزب "القوة اليهودية" الذي حصل على تمثيل في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 2021.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أصبح بن غفير وزيرا للأمن القومي، وفي يناير/كانون الثاني 2025، استقال من منصبه احتجاجا على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، معتبرا أنه يضعف الردع الإسرائيلي.
- بتسلئيل سموتريتش
سياسي إسرائيلي من أقصى اليمين، ولد في 27 فبراير/شباط 1980 بمستوطنة هاسبين في مرتفعات الجولان، ونشأ في مستوطنة بيت إيل بالضفة الغربية.
كان والده حاييم يرحام سموتريتش حاخاما أرثوذكسيا، مما أثر بشكل مباشر على توجهاته الدينية والسياسية.
تلقى سموتريتش تعليمه الديني في مركز يشيفات مركاز هاراف، الذي يعد مركزا رئيسيا لتكوين قادة الحركة الدينية، ثم انتقل إلى مستوطنة كيدوميم وأكمل تعليمه في مدرسة دينية هناك.
شارك سموتريتش في احتجاجات ضد خطة فك الارتباط وإخلاء المستوطنات في غزة عام 2005، كما شارك أيضا في تأسيس حركة "ريغافيم" عام 2006، والتي تعمل على تعزيز السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية.
دخل الكنيست عام 2015 ممثلا عن حزب "البيت اليهودي" ثم أسس حزب "الصهيونية الدينية" عام 2019 وعين رئيسا له، وفي 2022 أصبح وزيرا للمالية.