كنيسة المهد.. أقدم الكنائس في فلسطين
تعد أقدم الكنائس في فلسطين وإحدى أقدم كنائس العالم، تقع في مدينة بيت لحم، هي الأولى بين الكنائس الثلاث التي بناها الإمبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع الميلادي حين أصبحت المسيحية ديانة الدولة الرسمية. وحسب المراجع التاريخية المسيحية، فقد بناها بأمر من الملكة "هيلانة" فوق المكان الذي ولد فيه المسيح عليه السلام، وأُعيد تشييدها في القرن السادس بعد حريق شب فيها.
الموقع
تقع كنيسة المهد في مدينة بيت لحم على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب القدس، وهي إحدى أقدم الكنائس وأكثرها شهرة في فلسطين وعلى مستوى العالم، تعد المكان الأقدس للمسيحيين، بسبب ارتباطها بمكان ميلاد السيد المسيح، حيث بنيت فوق المغارة التي يُرجح أنه ولد فيها.
تاريخ الكنيسة
اختلفت المصادر بشأن تاريخ بداية تشييد كنيسة المهد، ولكن يرجح أنه بين عامي 330م و333م، وافتتحت عام 339م، وبنيت بالتوازي مع بناء كنيسة القيامة بأمر من الملكة هيلانة والدة الملك قسطنطين الكبير.
أحرق السامريون الكنيسة قبل هدمها عام 529م، ثم أعاد الإمبراطور البيزنطي جستنيان بناءها عام 534م.
ذكر الباحث نظمي الجعبة في كتابه "كنيسة المهد في بيت لحم أقدم كنائس فلسطين" أنها احتفظت بملامحها التي شيدت عليها قبل 14 قرنا تقريبا.
تعد كنيسة المهد من الكنائس القليلة التي لم يهدمها الفرس، وذلك بسبب لوحة المجوس على واجهتها، كما أبقى عليها الخليفة الحاكم بأمر الله عام 1009م احتراما للمسيح عليه السلام.
اهتم الصليبيون بالكنيسة؛ خاصة بعد تتويج الملك بلدوين على المملكة اللاتينية في القدس عام 1101م، فزينوها بالفسيفساء على الجدران وبالرسومات على الأعمدة وبالرخام على الأرضيات.
فقدت الكنيسة جزءا من رونقها نهاية الفترة المملوكية بسبب ضعف نظام المماليك وانتشار الفساد، إضافة للكوارث الطبيعية التي حدثت في تلك الفترة، وانتشار الأمراض المعدية.
وعلى الرغم من تعرض الكنيسة لزلزال عام 1834م وحريق عام 1869م، فإنها حافظت على معمارها ومعظم أجزائها وزخارفها، فيما تضررت أرضيتها وسقفها، وقد رمما عدة مرات.
سلّمت الكنيسة لرعاية الآباء الفرانسيسكان عام 1347م، وأجروا فيها الإصلاحات اللازمة عام 1480م.
أجزاء الكنيسة
حوى المبنى الأساسي للكنيسة، الذي أنشأه الإمبراطور قسطنطين، فسيفساء أرضية متقنة، إضافة إلى أديرة وكنائس لاتينية وأرثوذكسية يونانية وفرنسيسكانية وأرمنية. كما يتوفر على أبراج الجرس وحدائق ذات مدرجات.
توجد في الكنيسة مغارة المهد، وهي المزار الرئيسي فيها، وتقع تحت صحنها إلى الشرق، ويوجد درجان يؤديان إليها على جانبي مذبح المهد، ووجدت فيها نجمة فضية وكتابة لاتينية تقول بعض الروايات إنها تشير إلى أن هناك وَلدت مريم العذراء السيد المسيح، وفيها أيضا 15 قنديلا تمثل الطوائف المسيحية.
شيدت الكنيسة على الطراز البازيلكي، بصحن كبير و5 أجنحة واسعة وقاعتين مستعرضتين، تحتها مغارة المهد، ولها طرف يطل على قاعة مثمنة الأضلاع بسقف مخروطي، و40 عمودا فوقها حائطان ارتفاعهما 10 أمتار وفوقها 11 نافذة تحيطها من كل جهة.
وعلى جدران الكنيسة توجد بقايا الفسيفساء التي كانت تزينها وأرضيتها في القرن الـ12، والتي ترجع للفترة البيزنطية الأولى.
مدخل الكنيسة عبارة عن باب متواضع بارتفاع يقل عن متر ونصف، يبدو للناظر أنه لحصن وليس لكنيسة لها مكانة رفيعة، مما يستدعي من الزائر الانحناء قليلا عند الدخول، وذلك من أجل حمايتها من الغزاة لمكانتها الدينية، كما يعلو المدخل عتب حجري.
حسب الدراسات التاريخية فإن هذا المدخل قد فتح في الفترة المملوكية أو العثمانية حيث يظهر الثراء المعماري المتنوع للواجهة.
زيارة عمر بن الخطاب
دخل عمر بن الخطاب وأصحابه بيت المقدس بعد تحريرها، فرافقهم البطريرك صفرنيوس ليدلهم على آثارها، ثم زار عمر بعد ذلك كنيسة المهد ولما أدركه وقت الصلاة صلى بها، ثم خشي أن يتخذ المسلمون من صلاته سنة فيخرجوا أصحابها منها، فكتب للبطريرك عهدا خاصا يجعل الكنيسة للنصارى ويحدد دخول المسلمين إليها، وأعطى أوامره بألا يصلي المسلمون على أعتاب الكنائس جماعة، وألا يدعوهم إلى الجماعة مؤذن.
ضمن لائحة التراث العالمي
أدرجت كنيسة المهد عام 2012 ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو)، وهي أول موقع فلسطيني أضيف لهذه اللائحة، لكنها صنفت فيما بعد ضمن قائمة المباني التراثية المهددة بالخطر نظرا لحالتها السيئة.
ورفعت المنظمة الأممية كنيسة المهد مطلع يوليو/تموز 2019 من قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر بعد ترميم الجزء الأكبر منها.
حصار الكنيسة
بدأ حصار الكنيسة يوم الثاني من أبريل/نيسان 2002، بعد انتهاء عيد الفصح عند اللاتين، وكان الجيش الإسرائيلي حينها قد حاصر محافظة بيت لحم وبدأ اقتحامها خلال ما سماها عملية الدرع الواقي.
دارت اشتباكات بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وبعض المقاومين الفلسطينيين الذين اتخذوا من كنيسة المهد حصنا لهم، ففرضت القوات الإسرائيلية حصارا على الكنيسة ومن فيها دام أكثر من 35 يوما.
أثناء الحصار عقدت مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي من قبل المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي والسلطة الوطنية الفلسطينية، أبعِد على إثرها 13 شخصا خارج فلسطين، و26 آخرون إلى قطاع غزة، كما استشهد 8 فلسطينيين وأصيب 14 آخرون، فيما قتل جنديان إسرائيليان.
ميلاد دون شجرة وزينة
انعكست أجواء العدوان الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ أواخر 2023 والذي دام عدة أشهر، على أجواء الاحتفالات بأعياد الميلاد في ساحة كنيسة المهد لعام 2024، فلم توضع الشجرة ولا إضاءتها التي تعد رمزا للاحتفال، ولكنها استبدلت بمجسم فني يمثل مغارة الميلاد على شكل منزل مدمر كتب عليه "الميلاد تحت الأنقاض".
استغرق العمل على المجسم حوالي 3 أسابيع وهو عبارة عن بقايا أحجار مرصوصة على الأرض ومحاطة بأسلاك شائكة ترمز للدمار الذي لحق بقطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي.
وتضمن أيضا مجسما للعائلة المقدسة وآخر للسيدة مريم العذراء تحتضن المسيح عليه السلام على هيئة كفن، رمزا لشهداء فلسطين، إضافة لخارطة فلسطين وبداخلها خارطة لغزة من الحديد المطلي باللون الرمادي الداكن.
كما وضعت لافتة بالقرب من الكنيسة كتب عليها "أوقفوا الإبادة الجماعية، أوقفوا التهجير القسري، ارفعوا الحصار"، وأخرى كتب عليها "أجراس الميلاد في بيت لحم تدعو لوقف إطلاق النار في غزة".