لورانس أوليفانت.. الأديب والعميل البريطاني عراب "خطة جلعاد" لتهويد القدس
لورانس أوليفانت (3 أغسطس/آب 1829-23 ديسمبر/كانون الأول 1888)، مؤلف ورحالة ودبلوماسي بريطاني من مواليد جنوب أفريقيا، وكان يتبنى الفكر المسيحي الصهيوني.
كان أوليفانت عضوا في برلمان المملكة المتحدة عن منطقة ستيرلينغ بورغ، كما كان عميلا للمخابرات البريطانية.
تعد روايته الساخرة "بيكاديلي" -التي نشرها عام 1870- كتابه الأكثر شهرة في حياته، وقد برز لاحقا من خلال خطته لإنشاء أول مجتمعات زراعية يهودية في القدس في العصر الحديث باسم "خطة أرض جلعاد".
مولده ونشأته
ولد لورانس أوليفانت في مستعمرة كيب تاون بجنوب أفريقيا في 3 أغسطس/آب 1829، وهو الطفل الوحيد للسير أنتوني أوليفانت (1793-1859) الذي كان عضوا في طبقة النبلاء الأسكتلنديين وزوجته ماريا اللذين كانا بدورهما من الصهاينة المسيحيين.
في وقت ولادة ابنه كان السير أنتوني مدعيا عاما لمستعمرة كيب تاون، وسرعان ما تم تعيينه رئيسا للقضاة في سريلانكا، وهناك أمضى لورانس طفولته المبكرة في عاصمتها كولومبو.
ويعود الفضل إلى السير أنتوني أوليفانت وابنه في جلب الشاي إلى سريلانكا وزراعة 30 نبتة منه تم جلبها من الصين في منطقة نوارا إليا التي كانت تقطنها العائلة.
في عامي 1848 و1849 قام برفقة والديه بجولة في أوروبا، وفي عام 1851 رافق جونغ بهادور من كولومبو إلى نيبال، ووفرت له هذه الرحلة مادة دسمة لتأليف كتابه الأول "رحلة إلى كاتماندو" (1852).
عاد لورنس أوليفانت إلى سيلان (الاسم القديم لسريلانكا)، ومن هناك ذهب إلى إنجلترا لدراسة القانون، وبعدها ترك دراساته القانونية وسافر إلى روسيا، وكانت نتيجة تلك الجولة كتابه "شواطئ البحر الأسود الروسية" (1853).
الحياة الدبلوماسية والروحية
في عام 1861 عُيّن أوليفانت سكرتيرا أول للمفوضية البريطانية في اليابان، وفي عام 1863 أُرسل إلى بولندا مراقبا بريطانيا ليقدم تقريرا عما تعرف هناك بـ"انتفاضة يناير".
عاد إلى إنجلترا واستقال من السلك الدبلوماسي، ثم انتُخب عضوا في البرلمان عام 1865 عن منطقة ستيرلينغ بورغ على الرغم من أنه لم يُظهر أي قدرة واضحة على ممارسة العمل البرلماني.
حقق نجاحا كبيرا بفضل روايته الساخرة "بيكاديلي" (1870)، ثم أصبح على اتصال بالروحاني توماس ليك هاريس الذي نظم نحو عام 1861 مجتمعا مسيحيا طوباويا صغيرا سماه "جماعة إخوان الحياة الجديدة" في منطقة بروكتون على بحيرة إيري قرب نيويورك، وانتقل بعد ذلك إلى سانتا روزا في ولاية كاليفورنيا.
وبعد فترة من الرفض سُمح له أخيرا عام 1867 بالانضمام إلى هذا المجتمع الذي أنشأه هاريس، وتسبب أوليفانت في فضيحة بمغادرة البرلمان في عام 1868 ليتبع هاريس إلى بروكتون.
عاش هناك سنوات عدة منخرطا فيما سماه هاريس "الاستخدام"، وهو العمل اليدوي الذي يهدف إلى تقديم رؤيته الطوباوية، إذ سُمح لأعضاء المجتمع بالعودة إلى العالم الخارجي من وقت لآخر لكسب المال.
وبعد 3 سنوات عمل أوليفانت مراسلا لصحيفة تايمز البريطانية خلال الحرب الفرنسية الألمانية، وبعد ذلك أمضى سنوات عدة في باريس في خدمة الصحيفة، وهناك التقى من خلال والدته بزوجته المستقبلية أليس لو سترينغ وتزوجا في لندن يوم 8 يونيو/حزيران 1872.
وفي وقت لاحق، اختلف هو ووالدته مع هاريس وطالبا باستعادة أموالهما، والتي يُزعم أنها مستمدة بشكل أساسي من بيع مجوهراتها، وأجبر ذلك هاريس على بيع مستعمرة بروكتون، وانتقل تلاميذه الباقون إلى مستعمرتهم الجديدة في سانتا روزا بكاليفورنيا.
خطة جلعاد
بحلول عام 1878 ابتكر أوليفانت -في خضم موجة من القلق الغربي بشأن نية روسيا غزو الشرق الأوسط- ما سميت "خطة جلعاد" التي بموجبها أقامت بريطانيا مستعمرة زراعية يهودية في النصف الشمالي والأكثر خصوبة من فلسطين، وذلك بموافقة رئيس الوزراء البريطاني بنيامين دزرائيلي المؤيد للصهيونية ووزير الخارجية آنذاك روبرت سيسيل ماركيز سالزبوري وأمير ويلز والروائية البريطانية ماري آن إيفانز المشهورة باسمها المستعار جورج إليوت.
وفي كتابه "أرض جلعاد" -الذي كتبه عام 1880 إبان الحكم العثماني- طرح أوليفانت مقترحات لتوطين اليهود في المنطقة وتطويرها اقتصاديا وسياسيا من أجل تقوية الإمبراطورية العثمانية وجعلها سدا أمام الزحف الروسي إلى الشرق الأوسط.
ويضم الكتاب خرائط لنظام السكك الحديدية المقترح من الإسماعيلية إلى حيفا عبر البحر الميت والقدس وطبرية مع خط فرعي إلى دمشق، وتنبأت رؤية أوليفانت بالتجارة والحج بين الدول المجاورة والتنمية السكنية خارج المدن الكبرى.
وقد تم فعلا بناء الخط المقترح من بيروت إلى يافا، والذي يرتبط مع خط الإسماعيلية عبر حيفا والسهل الساحلي الفلسطيني، كما تم بناء جزء من خط حيفا إلى طبريا.
أبحر أوليفانت المعتمد من قبل الحكومة البريطانية في عام 1879 للتحقيق في شروط إنشاء مستوطنة زراعية يهودية في فلسطين، ورأى لاحقا أن المستوطنات الزراعية اليهودية هي وسيلة لتخفيف معاناة اليهود في أوروبا الشرقية.
في مايو/أيار 1879 ذهب أوليفانت إلى القسطنطينية (إسطنبول حاليا) ليقدم التماسا إلى الباب العالي (الحكم العثماني) للحصول على إذن لإنشاء مستعمرة زراعية يهودية في الأراضي المقدسة وتوطين أعداد كبيرة من اليهود هناك، وكان ذلك قبل الموجة الأولى من الاستيطان اليهودي من قبل الصهاينة في عام 1882.
ولم يكن يرى أن هذه المهمة مستحيلة نظرا للأعداد الكبيرة من المسيحيين في الولايات المتحدة وإنجلترا الذين أيدوا تلك الخطة، وبدعم مالي من كريستادلفيانس (جماعة دينية مسيحية) وآخرين في بريطانيا جمع أوليفانت تمويلا كافيا لشراء الأراضي وتوطين اللاجئين اليهود في الجليل.
أثناء انتظار موعد مع الباب العالي سافر أوليفانت إلى رومانيا لمناقشة المستوطنات الزراعية المقترحة مع الجاليات اليهودية هناك، وأخيرا تم عقد الاجتماع الذي طال انتظاره في أبريل/نيسان 1880، وكان فشلا ذريعا، إذ تم رفض أوليفانت وخطته.
وفي رأي هنري لايارد السفير البريطاني لدى الباب العالي في وقت زيارة أوليفانت فشلت الجهود، لأن أوليفانت تحدث عن أن عودة اليهود إلى فلسطين ستجلب المجيء الثاني ليسوع، وهي اللغة والأفكار التي وجدها السلطان عبد الحميد الثاني غير مقبولة.
عندما اجتاحت موجة من المذابح الإمبراطورية الروسية في عام 1881 -وأبرزها مذبحة كييف- تم جمع الأموال الخيرية في لندن تحت رعاية لجنة القصر، وعندما أعلنت اللجنة أن الأموال ستستخدم لمساعدة اللاجئين اليهود على التوطين في أميركا نشر أوليفانت مقالا في صحيفة تايمز في 15 فبراير/شباط 1881 أكد فيه أن اليهود الذين اختاروا الاستقرار في فلسطين سيحظون بحماية دينهم.
المخلص لليهود
وقوبلت مقالته بحماس كبير بين اليهود البولنديين والروس لدرجة أن لجنة القصر عينته مفوضا لغاليسيا (جليقية) في إسبانيا.
سافر أوليفانت وزوجته أليس في عام 1882 إلى فيينا وغاليسيا، واجتمعا بممثلي اليهود الشرقيين ووعدا بأنه "بمجرد اقتناع المتعاطفين المسيحيين في إنجلترا بأن اليهود الفارين من روسيا يمكنهم الاستقرار بأمان في "أرض أجدادهم" فإنهم سيساهمون بمئات الآلاف من الجنيهات لترويج هذا الشيء العظيم".
أصبح أوليفانت في هذه المرحلة من المشاهير بين اليهود في أوروبا الشرقية، وتم الحديث عنه على أنه المنقذ وعلى أنه "كورش آخر" (كورش ملك فارسي جمع شتات اليهود ووطنهم في القدس).
تم نشر خططه الاستيطانية في صحيفة همجيد الصهيونية المبكرة، والتي كتبها بيريتز سمولينسكين في هشاحر، وأعرب موسى ليلينبلوم عن أمله في أن يكون أوليفانت "المسيح لإسرائيل".
ووفقا للمؤرخ ناثان مايكل جيلبر "يمكنك أن تجد في منازل اليهود الفقراء صورة لأوليفانت، وسيتم تعليقها بجوار صور المحسنين العظماء مثل موسى مونتيفيوري والبارون هيرش".
وعلى الرغم من حقيقة أن الباب العالي لم يمنح أي تصريح لبناء المستوطنات الزراعية اليهودية فإنه في مايو/أيار 1882 بدأت عائلة أوليفانت رحلة إلى فلسطين، حيث سافرت عبر بودابست إلى مولدوفا، وتوقفت هناك للقاء الحاخام أفروهوم ياكوف فريدمان الذي فهم أوليفانت أنه هو "زعيم يهود العالم" آملا في إقناعه بجمع الأموال الكافية لشراء فلسطين من السلطان العثماني.
استقر آل أوليفانت في فلسطين، وقسموا وقتهم بين منزل في المستعمرة الألمانية بحيفا، وآخر في قرية دالية الكرمل الدرزية على جبل الكرمل، وعاش معهم نفتالي هيرتز إمبر سكرتير أوليفانت مؤلف النشيد الوطني الإسرائيلي "هاتيكفا".
تعاون لورانس وزوجته أليس في عمل صوفي مسيحي مقصور على فئة معينة عام 1885 متأثرا بالصوفي الأميركي توماس ليك هاريس والروحانيين آنا كينغسفورد وإدوارد ميتلاند.
في ديسمبر/كانون الأول 1885 مرضت أليس وتوفيت في الثاني من يناير/كانون الثاني 1886، وفي عام 1888 سافر أوليفانت إلى الولايات المتحدة وتزوج من زوجته الثانية روزاموند حفيدة روبرت أوين في مالفيرن.
الوفاة
خطط الزوجان للعودة إلى حيفا، لكن أوليفانت مرض في يورك هاوس في تويكنهام بإنجلترا، وتوفي هناك في 23 ديسمبر/كانون الأول 1888.
وجاء في نعيه في صحيفة تايمز "نادرا ما كانت هناك مهنة أكثر رومانسية أو مليئة بالتفاصيل، ربما لن تكون أبدا هكذا شخصية غريبة أو متناقضة".
بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948 سميت العديد من الشوارع باسم أوليفانت، وذلك في حي الطالبية الفلسطيني الراقي الذي هجر سكانه، وفي حيفا الحي الألماني حيث سكن أوليفانت، وفي صفد شمالي فلسطين.
في عام 2000 تم عرض الألوان المائية لأليس أوليفانت التي تظهر حيفا كما كانت في أواخر القرن الـ19 في معرض خاص بعنوان "غرفة رسم السيدة أوليفانت" في المتحف البحري الوطني الإسرائيلي.