ألكسندر غراهام بيل.. العالم الذي توقفت لوفاته خدمات الهاتف بأميركا
ألكسندر غراهام بيل، عالم ومعلم للصم والبكم، ومخترع أميركي من أصل أسكتلندي، ولد في إدنبره عام 1847، ينحدر من أسرة توارثت العمل في مجال تعليم الكلام لفئة الصم والبكم. وكان صَمَم والدته وزوجته دافعا كبيرا لتكريس حياته للاشتغال بهذا المجال والعمل على تطوير تقنيات تساعد هذه الفئة على التحدث.
اشتهر بأنه مخترع الهاتف، غير أن له اختراعات أخرى مثل جهاز الكشف عن المعادن والهاتف الضوئي والمركبات الهوائية والقارب الطائر، وغيرها من الاختراعات التي جعلته يصنف في المرتبة الثانية بعد توماس أديسون ضمن أهم مخترعي القرنين الـ19 و20.
وقد رفض أن يضع هاتفا في مكتبه الخاص معتقدا أنه سيصرفه عن التركيز على عمله العلمي وأبحاثه. ورغم مرور أكثر من قرن على تسجيل براءة اختراع الهاتف باسمه، فإن الجدل ما زال مستمرا حول مخترعه الحقيقي.
الولادة والنشأة
ولد ألكسندر غراهام بيل يوم 3 مارس/آذار 1847 في إدنبره بأسكتلندا، كان والده ألكسندر ملفيل بيل أستاذا للخطابة في جامعة إدنبره، وكانت والدته إليزا غريس سيموندس عازفة بيانو بارعة على الرغم من كونها صماء.
وكان الأوسط بين الشقيقين جيمس ميلفيل بيل وإدوارد تشارلز بيل. وعلى عكس أخويه لم يمنح ألكسندر اسما أوسط عند ولادته، إلا أنه توسل إلى والديه عندما كان في سن العاشرة للحصول عليه، وفي عيد ميلاده رقم 11 وافق والداه وسمحا له بإضافة غراهام إلى اسمه.
وكان جده -ويدعى ألكسندر- خبيرا في علم الكلام والخطابة، وكان عمله رائدا في مجال إعاقات النطق، إذ ألف كتابا استخدم فيه رموزا للإشارة إلى الكلمات، وكان هذا العمل أساسا لوضع نظام "الكلام المرئي" الذي طوره فيما بعد ابنه ألكسندر ميلفيل واستخدمه حفيده في تعليم الصم.
انتقلت العائلة إلى لندن عام 1865 وعمل وإخوته إلى جانب والدهم في تعليم الصم والبكم الكلام، إلا أن مأساة عائلية جعلت الأسرة تقرر مغادرة بريطانيا.
فقد توفي شقيقاه بمرض السل عندما كان عمره 23 سنة، فقرر والده الهجرة نحو كندا خوفا من أن يجهز المرض على ابنه المتبقي.
واستقرت العائلة قرب مدينة برانتفورد في مقاطعة أونتاريو شرق وسط كندا عام 1870، حيث اشتروا مزرعة تطل على نهر غراند.
وتأثر بيل بشدة بعائلته وبيئته خلال فترة مراهقته وشبابه، وسار على نهج والده وجده وإخوته في العمل والبحث في مجال الصمم، وانتقل بعد عام من الاستقرار في كندا إلى بوسطن بولاية ماساشوستس الأميركية، حيث بدأ مساره المهني مدرسا للصم.
وأثناء التدريس في الولايات المتحدة، التقى بيل طالبة صماء تدعى مابيل هوبارد، فتزوجا يوم 11 يوليو/تموز 1877 وحصل على الجنسية الأميركية عام 1882.
وأنجب بيل وهوبارد 4 أبناء: إلسي ماي وماريان هوبارد، وإدوارد وروبرت وكلاهما ماتا عندما كانا رضيعين.
الدراسة والتكوين
تلقى بيل وإخوته تعليمهم المبكر في المنزل على يد والدهم ووالدتهم، وعندما أصبح فتى التحق بالمدرسة الثانوية الملكية في إدنبره.
ولم يكن مهتما بدراسته رغم ميوله للموسيقى والعلوم، إلا أنه كان خارج المدرسة يقظا وحاد الذكاء ومبدعا. وكان عمره 12 عاما عندما اخترع آلة لإزالة قشور القمح بسرعة في مطحنة دقيق كان يملكها والد صديقه.
ودرس بيل علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء بجامعة لندن الفترة ما بين عامي 1868 و1870، لكنه لم يحصل على شهادة التخرج بسبب قرار والديه مغادرة بريطانيا.
الحياة المهنية
بدأ بيل حياته المهنية في سن مبكرة، وكان عمره 16 سنة عندما بدأ تدريس فن الخطابة. وأثار عمله إعجاب عالم الصوتيات ألكسندر جون إليس، لدرجة أنه دعاه للانضمام إلى الجمعية اللغوية عام 1866، والعام التالي بدأ تدريس طريقة والده (الكلام المرئي) للصم بلندن، حيث تقيم الأسرة آنذاك.
بعد انتقال العائلة إلى كندا ثم الولايات المتحدة، قبل بيل منصبا للتدريس في مدرسة للصم في بوسطن عام 1871 ليبدأ مسيرة طويلة معلما للصم في الولايات المتحدة.
وعلى عكس العديد من الباحثين الذين كانوا يعتقدون أن الصم لا يمكنهم تعلم الكلام ويكتفون بتعليمهم لغة الإشارة، كان بيل يرى أن بإمكانهم تعلم المهارات الشفهية، لذلك كرس حياته لتعليم الطلاب الكلام المرئي وكيفية إخراج الأصوات من خلال سلسلة من الرسوم.
وكان بيل يساعدهم على إدراك الأصوات من خلال الشعور بالاهتزازات، معتمدا في ذلك على بالون يمكن الطلاب من أن يشعروا بالصوت من خلال ضمه بإحكام إلى صدورهم.
وربيع عام 1872، درّس بيل في الملجأ الأميركي لتعليم الصم والبكم في هارتفورد ثم معهد كلارك للصم والبكم في نورثهامبتون، ثم افتتح مدرسته الخاصة لعلم وظائف الأعضاء الصوتية في بوسطن. وعام 1873، أصبح أستاذا لعلم وظائف الأعضاء الصوتية والتخاطب في جامعة بوسطن.
اختراع الهاتف
عام 1871، بدأ بيل العمل على التلغراف التوافقي، وهو جهاز يسمح بنقل رسائل متعددة عبر سلك في نفس الوقت. وأثناء محاولته تحسين هذه التكنولوجيا، التي دعمتها مجموعة من المستثمرين، أصبح منشغلا بإيجاد طريقة لنقل الصوت البشري عبر الأسلاك.
وخلال زيارة صيفية إلى منزل العائلة في برانتفورد في يوليو/تموز 1874، كان بيل يجلس أمام نهر غراند يراقب التيارات المائية حين فكر في الموجات الصوتية التي تتحرك عبر الهواء، وأدرك أنه مع الكهرباء سيكون من الممكن نقل الأصوات عن طريق التحكم في شدة التيار، وانطلاقا من هذه الفكرة رسم تصميما بدائيا للهاتف.
وتعاون بيل مع شريكه ومساعده المهندس الميكانيكي توماس واتسون على تصميم جهاز بسيط يمكنه تحويل الصوت إلى نبضات كهربائية.
وفي 14 فبراير/شباط 1876 قدم بيل طلبا إلى مكتب براءات الاختراع الأميركي لتسجيل جهاز باسمه يعمل على إرسال رسائل صوتية، واليوم نفسه قدم محامي المخترع الأميركي إليشا غراي طلبا لتسجيل براءة اختراع لجهاز إرسال مماثل.
وحصل بيل على براءة الاختراع يوم 7 مارس/آذار رغم أنه لم يكن قد صنع نسخة فعالة من الهاتف، فواصل مع واتسون العمل. وفي 10 مارس/آذار 1876 تحدث عبر الهاتف لأول مرة، وقال جملته الشهيرة لمساعده "السيد واتسون تعال إلى هنا أريد رؤيتك ". وفي 10 أغسطس/آب أجرى أول مكالمة هاتفية بعيدة على مسافة 6 أميال في بلدة أونتاريو الكندية.
وفي 9 يوليو/تموز 1877 أسس شركة بيل للهواتف مع هوبارد والد زوجته المستقبلية، وتاجر الجلود توماس ساندرز الذي كان والد أحد طلابه الصم في بوسطن، ومساعده واتسون. واليوم الموالي أعطى لوالده حقوق استخدام الهاتف في كندا.
وقد جعل هذا الاختراع بيل ثريا في سن الـ35، وحصل بفضله على جائزة فولتا من الحكومة الفرنسية عام 1880 تقديرا لإنجازاته في العلوم الكهربائية وخاصة اختراع الهاتف.
ورفض بيل وضع هاتف في مكتبه الخاص خوفا من أن يصرفه عن عمله العلمي وأبحاثه.
معارك قانونية
واجه بيل معارك قانونية استمرت حوالي 20 عاما مع علماء آخرين بينهم إليشا غراي وأنطونيو ميوتشي، الذين زعموا أنهم ابتكروا نماذج أولية للهاتف قبل حصول بيل على براءة الاختراع، واتجهت الحكومة الأميركية عام 1887 للمحكمة لسحب براءة الاختراع الصادرة لبيل، وبعد سلسلة من الأحكام فازت شركة بيل للهاتف في هذه القضايا رغم أنها واجهت أكثر من 550 طعنا أمام المحكمة.
ومع ذلك لم يتوقف الجدل بشأن هذا الاختراع طوال قرن، ففي 11 يونيو/حزيران 2002 اعترف مجلس النواب الأميركي رسميا بالإيطالي ميوتشي بوصفه مخترع الهاتف الحقيقي بعد مرور 113 عاما على وفاته، وذلك بموجب القرار رقم 269.
ورغم أن القرار شكلي، فإن مجلس النواب قرر الاعتراف بإنجازات ميوتشي، وخاصة عمله في اختراع الهاتف، وأوضح أنه عرض اختراعه في صحيفة محلية ناطقة بالإيطالية عام 1860. وفي ديسمبر/كانون الأول 1871 قدم طلبا مؤقتا ومدفوعا للحصول على براءة اختراع (عبارة عن وثيقة تثبت نية تسجيل براءة الاختراع) لكن بسبب عدم توفره على المال لتجديدها انتهت مدتها عام 1874.
ويضيف أن براءة اختراع الهاتف منحت عام 1876 إلى بيل الذي كان يعمل في مختبر وضع فيه مويتشي معداته.
ورفض البرلمان الكندي القرار مؤكدا أن بيل هو مخترع الهاتف، بصرف النظر عما يقوله الكونغرس. وأوضح أنه وفقا لكتب التاريخ الأميركية الشمالية فإن بيل الذي هاجر إلى كندا من أسكتلندا طور فكرة هذا الجهاز بمنزل عائلته في برانتفورد في أونتاريو وحصل على براءة اختراع أميركية عام 1876.
اختراعات أخرى
رغم أن الهاتف من أشهر الاختراعات المسجلة باسمه، فإن بيل حصل على عدد من براءات الاختراع بعضها باسمه وبعضها الآخر مناصفة مع مساعديه.
ويتعلق الأمر بـ14 براءة اختراع خاصة بالتلفون والتلغراف، و4 براءات اختراع خاصة بالفوتوفون (الهاتف الضوئي) وبراءة اختراع خاصة بالفونوغراف، و5 براءات للمركبات الهوائية، و4 للطائرات المائية، وبراءتي اختراع لخلايا السيلينيوم.
الفوتوفون
عام 1880 طوّر بيل وزميله تشارلز تاينتر "الفوتوفون" وهو جهاز ينقل الصوت على شكل حزمة من الضوء، وفي فبراير/شباط من ذلك العام نجحا في توجيه رسالة هاتفية ضوئية على مسافة 200 متر تقريبا بين مبنيين.
ورغم أن الهاتف الضوئي لم يكن قابلا للتسويق تجاريا، فإنه أثبت إمكانية استخدام الضوء لنقل الصوت، لذلك يعتبر هذا الاختراع رائدا في مجال الألياف الضوئية والاتصالات اللاسلكية.
جهاز الكشف عن المعادن
لم يكن الجهاز الذي اخترعه بيل مصمما للبحث عن المعادن النفيسة، بل اخترع في محاولة منه لإنقاذ حياة الرئيس الأميركي جيمس غارفيلد الذي تعرض لمحاولة اغتيال وأصيب بطلق ناري في ظهره عام 1881.
ولم يستطع الأطباء تحديد مكان الرصاصة وإخراجها، لذلك طور بيل جهازا خاصا للكشف عن مكان الرصاصة، لكن محاولته لم تنجح، وتبين لاحقا أن النوابض المعدنية للسرير الذي كان يرقد عليه الرئيس شوشت عمل الجهاز.
ورغم فشله في تحديد مكان الرصاصة وإنقاذ حياة الرئيس، فإنه استمر في إصلاح الجهاز وتحسينه إلى أن أثبت فائدته وأصبح النموذج الأولي الذي بنيت عليه جميع أجهزة كشف المعادن منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا.
الغرافافون
عمل بيل وابن عمه تشيتشيستر بيل وزميله تشارلز تاينتر على تحسين الفونوغراف الذي حصل توماس أديسون على براءة اختراعه عام 1878.
وكان الفونوغراف يعتمد على أسطوانة مغطاة بورق القصدير الذي لم يكن يصمد إلا لفترة قصيرة، وسعة تخزينه الصغيرة، مما جعله مكلفا، وطوّر بيل وفريقه تصميما مناسبا للاستخدام التجاري، واستخدم الشمع عوض رقائق القصدير لمتانته كما استخدم قلما بدلا من الإبرة، وفي عام 1886 حصل على براءة اختراع الجهاز الذي أطلق عليه اسم "الغرافافون".
وشملت اختراعاته أيضا مقياسا لقوة السمع الذي يكشف عن مشكلات السمع الثانوية، وأداة لاكتشاف الكتل الجليدية والقارب المحلق، كما أجرى العديد من الأبحاث حول تحلية مياه البحر وتوليد موارد بديلة عن الوقود، وعمل على العديد من البحوث الطبية واخترع العديد من التقنيات التي تساعد على تعليم الصم والبكم الكلام.
دعم البحث العلمي
استخدم بيل أموال جائزة فولتا لتأسيس جمعية مختبرات فولتا مع ابن عمه تشيتشيستر بيل وتشارلز سومنر تاينتر، وكان المختبر مخصصا للأبحاث الصوتية والكهربائية.
وموّل من خلال المؤسسة اختراعات وتجارب آخرين، كما دعم مجلة العلوم "ساينس" التي أصبحت الأولى في البحث العلمي.
ورغم أنه اشتهر باختراعاته، فإنه ظلّ ملتزما بتعليم الصم طوال حياته، ففي عام 1887 أنشأ في واشنطن مكتب فولتا للأبحاث والمعلومات والدفاع عن الصم، وكان أيضا رئيسا للجمعية الأميركية لتعزيز تعليم النطق للصم التي تأسست عام 1890.
وساعد بيل في تأسيس الجمعية الجغرافية الوطنية عام 1888 وكان رئيسها الثاني الفترة (1898-1903) وأراد أن تجذب مجلة الجمعية عامة الناس، وليس فقط الجغرافيين والجيولوجيين المحترفين، لذلك شجع على إرفاق المقالات بالصور الفوتوغرافية.
وعام 1899 عيّن غيلبرت هوفي غروسفينور، الذي أصبح رئيس التحرير عام 1903 ورئيسا للجمعية عام 1920. وكان قد تزوج ابنة بيل (إلسي ماي) ويعد رائدا في التصوير الصحفي. وقد أصبحت مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" في عهده ذات شعبية واسعة، وزاد توزيعها من أقل من ألف قارئ إلى أكثر من مليوني قارئ.
التكريمات
حصل بيل على عديد من الجوائز وشهادات التقدير والدرجات الفخرية من جامعات في كندا وخارجها، وحصل على عدة جوائز مثل ميدالية ألبرت وميدالية جون فريتز وميدالية إليوت كريسون. وتم تكريمه في حياته وأيضا بعد وفاته.
وقد سمته كندا شخصية تاريخية وطنية عام 1977، كما تم إدراج صورته في قاعة مشاهير الطيران الكندي عام 1974، وقاعة مشاهير العلوم والهندسة الكندية عام 1992، وممشى المشاهير في كندا عام 2001.
الوفاة
توفي يوم 2 أغسطس/آب 1922 بسبب مضاعفات مرض السكري في بين بريج بكندا، ويوم جنازته توقفت خدمات الهاتف في الولايات المتحدة لمدة دقيقة تكريما له.
وتوفيت زوجته بعد 5 أشهر فقط من وفاته ودفنت بجانبه.